كنيسة أثرية في منطقة بازيان
كنيسة أثرية في منطقة بازيان
December 13, 2024

أكدت عالمة آثار كوردية أن أعمال التنقيب أثبتت وجود كنيسة في موقع بازيان القريب من مدينة السليمانية، داعية إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالآثار على اختلاف مراحلها التاريخية، واعتماد استراتيجية خاصة بها تؤمن إدامتها والمحافظة على أصالتها كتراث إنساني.

موقع كنيسة بازيان-الصورة بعدسة: سفين حميد

 

المسيحية في كوردستان

قالت الأستاذة الجامعية نرمين علي أمين، إن إقليم كوردستان «يضم الكثير من الآثار المسيحية التي تعود لمختلف الحقب التاريخية لاسيما أن المسيحية وجدت في المنطقة منذ منتصف القرن الأول الميلادي خصوصاً بين سنوات 50 و52»، مشيرة إلى أن المسيحية عندما ظهرت كعقيدة «لم تكن لها أماكن أو أبنية محددة لممارسة العبادات، إذ كانت الطقوس تتم سراً في البيوت أو الطبيعة ومن قبل مجموعة قليلة من الأشخاص خوفاً من السلطات».

وأضافت أن أتباع المسيحية «بدأوا باستلهام الطرز المعمارية الموجودة في بيئتهم عند انتشارها كدين وباشروا ببناء أماكن العبادة الخاصة بهم وطوّروها تبعاً لمتطلبات طقوسهم»، مبينة أن إقليم كوردستان «يضم العديد من الطرز أو أنواع الآثار المسيحية بدءاً من الكهوف والصوامع لاسيما خلال مرحلة اضطهاد المسيحيين وبعدها ومن خلال تطور حركة الرهبنة وجدت صوامع أو أبنية كثيرة تدل على ازدهار الدين المسيحي والحياة الرهبانية في بلاد ميديا أو فارس».

وتابعت العالمة الكوردية المتخصصة بالآثار المسيحية، بقولها: «هكذا بدأ عهد الكنائس ذات الجناح الواحد مونونف Mononef والكنائس البازيليتية (ذات الأجنحة الثلاثة) فضلاً عن الأماكن التذكارية التي تقام تخليداً للشهداء أو القديسين مثل مار بهنام والقائد الساساني طهمزكرد الذي تنصر قبل مقتله (في كركوك) وذلك خلال النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي. وكان موجوداً حتى بداية القرن التاسع عشر قبل أن يدمر بسبب المعارك بين العثمانيين والبريطانيين وتم بناء كنيسة مكانه أطلقت عليها تسمية الكنيسة الحمراء»، لافتة إلى أن هنالك «أماكن زيارة أو مقامات تعتبر مقدسة عند المسيحيين لما شهدته من أحداث مهمة أو لارتباطها بحياة قديسين».

ويقع مار بهنام قرب قرقوش بمحافظة نينوى.. وترتبط بقصة الأمير الآشوري مار بهنام الذي أصبح مسيحياً مع أخته سارة وأربعين من أتباعه على يد متى الناسك، ولما علم والده الملك سنحاريب بالأمر أمر بقتلهم جميعاً ومن ثم ندم على ذلك، وتكفيراً عن ذنبه قام ببناء دير في مكان قتلهما.

وذكرت نرمين علي أمين، أن إقليم كوردستان «يضم كنائس مسورة تشبه القلاع مثل دير الربان هرمزد في منطقة القوش بمحافظة نينوى وفي منطقة بازيان في السليمانية، علماً أن مواد بناء هذه الكنائس والأديرة تختلف بحسب طبيعة المنطقة التي تتواجد فيها»، منوهة إلى أن من «الكنائس القديمة في كوردستان كلاً من دير مار متي في جبل مقلوب بمحافظة نينوى وكنيسة مار بهنام في قرة قوش على سبيل المثال لا الحصر».

قلعة أم كنيسة؟

وبشأن موقع بازيان، وما يثار من جدل حوله، وما إذا كان قلعة حربية أو نقطة جمركية أو خاناً أو كنيسة.. قالت عالمة الآثار الكوردية، إن المكان المقصود في منطقة بازيان «عبارة عن موقع أثري مسجل باسم قلعة بازيان وداخلها توجد كنيسة، علماً أن الكنيسة أقدم من القلعة»، مدللة على ذلك بأن «أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة الفرنسية - الكوردستانية المشتركة التي عملت في الموقع من 2011 إلى 2016 وكانت برئاسة البروفيسور فانسنت دي روش ومني شخصياً أثبتت أن البناء يعود لمراحل ساسانية وإسلامية مختلفة تمتد للمدة (224 – 651)، وأنها تمكنت من العثور على مسكوكات ساسانية وجرار لخزن الحبوب وصلبان وكسر فخارية ومسارج وقامت بوضع مخطط دقيق وخارطة طوبوغرافية للموقع وعملت مجسمات تجريبية لفهم طبيعة التنقيبات والترميمات السابقة لتحديد المراحل الأولية للموقع».

المطران يوسف توما مع عدد من أعضاء البعثة الفرنسية

 

وأوضحت أن البعثة الفرنسية الكوردستانية المشتركة «اكتشفت وجود العديد من التحويرات بالبناء وقامت بدراسة قطع الفخار (السيراميك) لتحديد عمرها الزمني وعثرت على جدار (أساس) مبني بالحجارة وحددت الطراز المعماري للبناء»، مشددة على أن البعثة «أثبتت أن بناء الكنيسة تم قبل إقامة القلعة وأن طرازها المعماري يعود للكنائس القديمة».

وبشأن ما يقال بأن كنيسة بازيان تعتبر الأقدم في إقليم كوردستان، ذكرت البروفيسورة نرمين، أنه «لا يمكن الجزم بهذا الشأن برغم كونها قديمة»، عازية ذلك إلى أن التنقيبات الأثرية في موقعها «لم تستكمل بعد، بانتظار معاودة البعثة الفرنسية - الكوردستانية المشتركة عملها في الموقع بعد استحصال الموافقات الرسمية اللازمة».

وكان المطران يوسف توما، راعي أبرشيّة كركوك والسليمانية الكلدانيّة، قد تمنى عبر مجلة «كوردستان بالعربي»، تواصل التنقيبات الأثرية لاكتشاف الآثار المسيحية في كوردستان، معرباً عن اعتقاده بأن الكنيسة التي اكتشفتها بعثة فرنسية - عراقية مشتركة، في منطقة بازيان عام 2011، أقدم أثر مسيحي في إقليم كوردستان.

يُذكر أنه تم العثور على موقع بازيان (يقع على طريق كركوك – السليمانية، على بعد 65 كم شرق كركوك و47 كم غرب مدينة السليمانية)، خلال عمليات توسيع الطريق العام بين السليمانية وكركوك، في حقبة الثمانينات من القرن الماضي، وكادت تلك العمليات أن تدمر الموقع بالكامل لولا تدخل الآثاري والمؤرخ المعروف عبد الرقيب يوسف. 

علما أن عالم الآثار العراقي الراحل طه باقر (1912 – 1984) أشار إلى موقع بازيان، وكذلك الرحالة والمقيم البريطاني في العراق كلوديوس جيمس ريچ (1787 - 1821)، كما تم التنقيب في الموقع من قبل بعثة أثرية عراقية خلال المدة (1989 – 1990) وأطلقوا على الموقع اسم قلعة بازيان.

الباحثة نرمين علي أمين أثناء إشرافها على عملية التنقيب

 

أسباب تضارب الآراء

مضت الخبيرة المتخصصة بالآثار المسيحية، قائلة إن من بين «أسباب تضارب الآراء بشأن طبيعة موقع بازيان وجود المصطبة التي تستعمل في الطقوس الدينية المسيحية أو ما تعرف بالبيما»، مضيفة أن هنالك من «يعتقد أن تلك المصطبة عبارة عن دكة نار خاصة بالديانة الزرادشتية فضلاً عن عدم الدقة في تحديد طبيعة الموقع ووظيفته والافتقار إلى التخصص بالآثار والعمارة المسيحية، ناهيكم عن التغيرات التي طرأت على استخدام الموقع».

والبيما (Bema) كلمة يونانية الأصل (Bῆμα) تعني المنصة المرتفعة في صحن الكنيسة (المجاز المركزي). واصطلاحاً هي مصطلح أثري يشير إلى عنصر معماري يظهر في الكنائس خاصة، ويعبر عن منصة مرتفعة ذات شكل حدوي (أكثر من نصف الدائرة) في منتصف صحن الكنيسة مقابل قدس الأقداس. وقد انتشر استخدامها في منطقة جغرافية محددة هي شمال غربي سورية ومنطقة بلاد الرافدين ومنطقة طور عابدين جنوب شرقي تركيا، ولا توجد أدلة على استخدامها خارج هذه المنطقة. وشاع وجودها خلال المدة بين القرنين الرابع والسابع الميلاديين.

تحديات ومقترحات 

شددت عالمة الآثار الكوردية على ضرورة «إدامة الآثار المسيحية وترميمها بطرق علمية سليمة بعيداً عن المزاجيات والتدخلات غير المتخصصة للمحافظة على أصالتها»، ودعت إلى «اعتماد استراتيجية خاصة بالآثار بشكل عام على اختلاف مراحلها التاريخية كتراث إنساني للأجيال المقبلة والاهتمام بالتوعية الأثرية واعتماد ذلك بالمناهج الدراسية». 

بيوغرافيا

د. نرمين علي أمين، حاصلة على شهادة البكالوريوس تاريخ من كلية الآداب جامعة صلاح الدين (في أربيل) عام 1990، والماجستير والدكتوراه في مجال الآثار والتاريخ من جامعة فرساي الفرنسية عامي 1997 و2001 على التوالي.. وتعمل حالياً كأستاذة (بروفيسور) في قسم الآثار بكلية الآداب جامعة صلاح الدين، وعضو منتسب في المعهد الفرنسي للشرق الأوسط IFPO في أربيل. وعضو مشارك في مختبر الشرق والبحر الأبيض المتوسط ​​UMR 1867 CNRS-Paris .. وهي تعمل على علم آثار المسيحيين وتراث الأقليات الإيزيدية واليهودية والكاكائية والإسلامية في إقليم كوردستان وبلاد ما بين النهرين عامة، منذ أواخر العصور القديمة وحتى العصور الوسطى. وهي أول امرأة كوردية أو عراقية متخصصة في مجال الآثار المسيحية. وشاركت في بعثات التنقيب الأثرية الفرنسية والأوروبية. وحصلت على وسام فارس للفنون والآداب Chevalier)) من وزارة الثقافة الفرنسية عام 2016. وعملت خبيرة دولية في التراث المسيحي ولمشروع العمادية في كردستان مع ALIPH واليونيسكو. ولديها العديد من المنشورات في الدوريات المحلية والعالمية، وكتب في مجال الآثار باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية. 


باسل الخطيب

صحفي عراقي





X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved