أكدت عالمة آثار كوردية أن أعمال التنقيب أثبتت وجود كنيسة في موقع بازيان القريب من مدينة السليمانية، داعية إلى ضرورة الاهتمام أكثر بالآثار على اختلاف مراحلها التاريخية، واعتماد استراتيجية خاصة بها تؤمن إدامتها والمحافظة على أصالتها كتراث إنساني.
المسيحية في كوردستان
قالت الأستاذة الجامعية نرمين علي أمين، إن إقليم كوردستان «يضم الكثير من الآثار المسيحية التي تعود لمختلف الحقب التاريخية لاسيما أن المسيحية وجدت في المنطقة منذ منتصف القرن الأول الميلادي خصوصاً بين سنوات 50 و52»، مشيرة إلى أن المسيحية عندما ظهرت كعقيدة «لم تكن لها أماكن أو أبنية محددة لممارسة العبادات، إذ كانت الطقوس تتم سراً في البيوت أو الطبيعة ومن قبل مجموعة قليلة من الأشخاص خوفاً من السلطات».
وأضافت أن أتباع المسيحية «بدأوا باستلهام الطرز المعمارية الموجودة في بيئتهم عند انتشارها كدين وباشروا ببناء أماكن العبادة الخاصة بهم وطوّروها تبعاً لمتطلبات طقوسهم»، مبينة أن إقليم كوردستان «يضم العديد من الطرز أو أنواع الآثار المسيحية بدءاً من الكهوف والصوامع لاسيما خلال مرحلة اضطهاد المسيحيين وبعدها ومن خلال تطور حركة الرهبنة وجدت صوامع أو أبنية كثيرة تدل على ازدهار الدين المسيحي والحياة الرهبانية في بلاد ميديا أو فارس».
وتابعت العالمة الكوردية المتخصصة بالآثار المسيحية، بقولها: «هكذا بدأ عهد الكنائس ذات الجناح الواحد مونونف Mononef والكنائس البازيليتية (ذات الأجنحة الثلاثة) فضلاً عن الأماكن التذكارية التي تقام تخليداً للشهداء أو القديسين مثل مار بهنام والقائد الساساني طهمزكرد الذي تنصر قبل مقتله (في كركوك) وذلك خلال النصف الثاني من القرن الرابع الميلادي. وكان موجوداً حتى بداية القرن التاسع عشر قبل أن يدمر بسبب المعارك بين العثمانيين والبريطانيين وتم بناء كنيسة مكانه أطلقت عليها تسمية الكنيسة الحمراء»، لافتة إلى أن هنالك «أماكن زيارة أو مقامات تعتبر مقدسة عند المسيحيين لما شهدته من أحداث مهمة أو لارتباطها بحياة قديسين».
ويقع مار بهنام قرب قرقوش بمحافظة نينوى.. وترتبط بقصة الأمير الآشوري مار بهنام الذي أصبح مسيحياً مع أخته سارة وأربعين من أتباعه على يد متى الناسك، ولما علم والده الملك سنحاريب بالأمر أمر بقتلهم جميعاً ومن ثم ندم على ذلك، وتكفيراً عن ذنبه قام ببناء دير في مكان قتلهما.
وذكرت نرمين علي أمين، أن إقليم كوردستان «يضم كنائس مسورة تشبه القلاع مثل دير الربان هرمزد في منطقة القوش بمحافظة نينوى وفي منطقة بازيان في السليمانية، علماً أن مواد بناء هذه الكنائس والأديرة تختلف بحسب طبيعة المنطقة التي تتواجد فيها»، منوهة إلى أن من «الكنائس القديمة في كوردستان كلاً من دير مار متي في جبل مقلوب بمحافظة نينوى وكنيسة مار بهنام في قرة قوش على سبيل المثال لا الحصر».
قلعة أم كنيسة؟
وبشأن موقع بازيان، وما يثار من جدل حوله، وما إذا كان قلعة حربية أو نقطة جمركية أو خاناً أو كنيسة.. قالت عالمة الآثار الكوردية، إن المكان المقصود في منطقة بازيان «عبارة عن موقع أثري مسجل باسم قلعة بازيان وداخلها توجد كنيسة، علماً أن الكنيسة أقدم من القلعة»، مدللة على ذلك بأن «أعمال التنقيب التي قامت بها البعثة الفرنسية - الكوردستانية المشتركة التي عملت في الموقع من 2011 إلى 2016 وكانت برئاسة البروفيسور فانسنت دي روش ومني شخصياً أثبتت أن البناء يعود لمراحل ساسانية وإسلامية مختلفة تمتد للمدة (224 – 651)، وأنها تمكنت من العثور على مسكوكات ساسانية وجرار لخزن الحبوب وصلبان وكسر فخارية ومسارج وقامت بوضع مخطط دقيق وخارطة طوبوغرافية للموقع وعملت مجسمات تجريبية لفهم طبيعة التنقيبات والترميمات السابقة لتحديد المراحل الأولية للموقع».