رائد فهمي: استقرار كوردستان وتطوره من مصلحة العراق
رائد فهمي: استقرار كوردستان وتطوره من مصلحة العراق

في مكتبه المتواضع وسط بغداد، يجلس سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي، الذي تحدث لـ«كوردستان بالعربي» عن العديد من الملفات التي تتعلق بالوضع السياسي، وأجاب عن جميع الأسئلة بلا تردد.

مخرجات انتخابات برلمان إقليم كوردستان

بادئ ذي بدء سألت «كوردستان بالعربي» السياسي رائد فهمي عن تقييمه لانتخابات برلمان إقليم كوردستان، التي جرت في العشرين من الشهر الماضي، فأجاب قائلاً: «تابعنا باهتمام بالغ انتخابات برلمان إقليم كوردستان، وظهر لنا نجاحه واضحاً من خلال ارتفاع نسبة المشاركة التي بلغت 72%. ورغم أن نتائجها أفرزت في معظمها ذات القوى السياسية التقليدية، لكنها شهدت تغييراً طفيفاً، وقد أعطت صورة حقيقية عن إرادة الناخب، على خلاف الانتخابات على المستوى الاتحادي التي تشهد تراجعاً كبيراً في نسبة المشاركة. وقد تكون هناك بعض النواقص وهو أمر طبيعي، لكن الانتخابات بنحو عام جرت بإيجابية، وقد مضت بخطوات مهمة في طريق حرية التعبير عن الرأي.

«وهذه التجربة الديمقراطية التي حصلت في إقليم كوردستان، هل يمكن الاقتداء بها لدى أطراف أخرى في العراق؟»، سألت «كوردستان العربي» فهمي الذي كان ردّه: «نحن معاصرون للحركة التحررية القومية الكوردية التي مرت بمراحل مختلفة، وقد واجهت العديد من الصعوبات حتى وصلت إلى ما هي عليه حالياً، ونتج عنها فيدرالية تم النص عليها في الدستور، ولاقت قبولاً عاماً. والوقائع أثبتت أن تجربة إقليم كوردستان على المستوى العمراني والخدماتي قد أثبتت نجاحاً منقطع النظير. لكن الأهم لدينا هو مستقبل البناء الفيدرالي وآفاقه، فلا يزال هذا الموضوع محل جدل لاسيما بشأن تقاسم الصلاحيات والاختصاصات. وقد نتج عن ذلك خلافات سياسية، وهو أمر طبيعي في ظل التحول من الدولة البسيطة إلى الفيدرالية. ومن هنا ندعو القوى السياسية في إقليم كوردستان إلى توحيد مواقفها من أجل المصالح الكوردستانية أولاً، ومن ثم فإنه من مصلحة العراق أيضاً أن يستقر إقليم كوردستان ويتطور، فليس من مصلحة طرف ما وجود خلافات داخل الإقليم نفسه، أو مع الحكومة الاتحادية. وقد لاحظنا أن وجود مشكلات في إقليم كوردستان أثر سلبياً على بغداد، والعكس صحيح كذلك. لذلك يتعين الحفاظ على التجربة الكوردستانية وتعزيزها بمختلف الأبعاد.

وبخصوص رؤيته للقضية الكوردية ونضالها، قال السكرتير للحزب الشيوعي العراقي إن الشيوعيين طرحوا «منذ أربعينات القرن الماضي ملف الحقوق القومية للشعب الكوردي، وقد خاض الشيوعيون نضالات قوية من أجل تثبيت هذه الحقوق. ووقفنا بالضد من السياسات الشوفينية ومساعي التغييرات الديموغرافية التي لجأت إليها النظم الديكتاتورية. لذا نعتبر أن قضية الشعب الكوردي جزءاً من قضية الشعب العراقي، وقد رفعنا شعار الديمقراطية للعراق وكوردستان».

عن تشكيل الأقاليم و استحداث محافظة حلبجة

«إذاً، هل يمكن تشكيل أقاليم أخرى في العراق؟» سألت «كوردستان بالعربي» اعتماداً على الإجابة عن السؤال السابق، فقال رائد فهمي إنه «يتعين علينا أن نميّز بين إقليم كوردستان والأقاليم الأخرى، على اعتبار أن إقليم كوردستان نتاج نضال امتد لأكثر من ثمانية عقود، بدءاً بالتحول إلى الحكم الذاتي ووصولاً إلى الفيدرالية. وهذه العوامل قد ساعدت في نجاح هذه التجربة. أما بالنسبة لإنشاء أقاليم أخرى، فهو جائز وفق الدستور، لكننا نحذر من تشكيلها على أسس طائفية. وعلى كل حال، فإن إيجاد إقليم جديد غير مطروح حالياً لكنه ممكن في المستقبل».

«هل تؤيدون تحويل حلبجة إلى محافظة جديدة؟» تسأل «كوردستان بالعربي»، فيجيب فهمي «نحن مع تحويل حلبجة إلى محافظة مستقلة، لكننا بالضد من ربط هذا التحويل باستحداث محافظات أخرى. لذا، فإن استحداث محافظة حلبجة يتعين ألا يخضع للمساومات السياسية، فإذا ما توافرت شروط جعلت هذه المدينة محافظة، فإنه يجب المضي في ذلك خصوصاً وأن هذا التحويل من شأنه أن يحسن أوضاع السكان فيها، مع التأكيد على وحدة الموقف الكوردستاني من ذلك، وهو المهم والمطلوب لدينا».

 

ضياع هوية الدولة العراقية

ارتأينا في «كوردستان بالعربي» أن نتطرق إلى موضوع آخر ومهم، وهو هوية الدولة العراقية. فكيف يا ترى يصف السياسي العراقي رائد فهمي شكل الحكومات العراقية بعد 2003؛ هل هي مدنية أم إسلامية؟ فجاء ردّه مراعياً للمكونات القومية والطائفية في العراق، فقال: «إن القابضين على السلطة بعد عام 2003 طرحوا موضوع الديمقراطية التوافقية. والمقصود بها أن العراق بلد المكونات والمواطنة يتعين إشراك الجميع في الحكم، وبهذا نتجت لدينا دولة على أساس قومي وطائفي وذلك بحكم التركيبة السكانية. لذا، فإن المكون الشيعي بوصفه الأكبر مثّلته أحزاب أغلبها بطابع ديني وطائفي. وكذا الحال بالنسبة للأحزاب السنية باستثناء كوردستان فقد جاءت تجربته بأحزاب أغلبها مدنية. ويمكن القول إن السمة الغالبة للأحزاب هي إسلامية وأنا أفضل تسميتها بـ الطائفية. ورغم أن بعض مواضيع الدستور قد جاءت بنصوص مدنية، لكن لا يمكننا القول إن الدولة هي مدنية على اعتبار هناك تباين في النصوص. فتارة يظهر البعد المدني وأخرى يظهر فيها الطابع الإسلامي، ويمكن القول إن هوية الدولة تشهد صراعاً بين الطابع المدني والبعد الطائفي الإسلامي. أما من الناحية البنيوية فإن الدولة غير مستقرة وغير معروفة تماماً، لاسيما على صعيد العلاقة بين مكونات النظام الاتحادي والتقلب الذي يحصل مع تغيير الحكومات.

 

الفساد في مؤسسات الدولة

سألت «كوردستان بالعربي» عن الفساد وحجمه في العراق: «ما هي معلوماتك عن قيمة الأموال المهدورة في العراق؟». فقال رائد فهمي إن «البعض يقول إنها تصل إلى 400 مليار دولار، وهناك من يقدرها بـ500 مليار دولار، عدا ما ذهب إلى الجيوب الخاصة، وعدا الفرص المهدورة على اعتبار أن الفساد يجد مجاله أيضاً في المشاريع غير المنجزة. لذا فإنه من المتوقع أن تصل خسارة العراق من الأموال المسروقة والفرص المهدورة إلى أكثر من تريليوني دولار. والفساد قد جعل العراق مستورداً لا مصدراً، وقد دمر صناعته. والأخطر من ذلك أن الفساد دخل في بناء الدولة وأصبح جزءاً منه، وأصبحت العملية أشبه بأننا نخصص أموالاً للفاسدين في الموازنة السنوية، إضافة إلى استشراء ظاهرة الرشوة في دوائر الدولة». أما عن دور هيئة النزاهة في محاربة الفساد فيرى أنها «لا يمكنها حل المشكلة بعد حصول الفساد، لكننا نبحث عن وسائل وقائية وأبرزها أن يفعل مجلس النواب دوره الرقابي».

 

الانتخابات وتجربة التحالف مع الصدريين

على عكس إقليم كوردستان فإن ثقة العراقيين بالانتخابات في المناطق الأخرى ضعيفة جداً. وسألت «كوردستان بالعربي» رائد فهمي عن سبب ذلك فقال: «بلغت نسب العزوف عن المشاركة في الانتخابات على المستوى الاتحادي 70 إلى 80%، صحيح أن نصف هذه النسبة تعبر عن أشخاص غير مبالين للوضع السياسي وغير مكترثين بالانتخابات. لكن النصف الآخر عبر عن موقف، وهذا يعني فقدان الثقة بقدرة الانتخابات على التغيير، وتظهر المشكلات الانتخابية في القانون الانتخابي الذي يتم تعديله مع كل دورة نيابية بجعله وفق مقاسات معينة. في حين يتعين أن يسن القانون بما يحقق العدالة. ورغم أن هناك تطوراً ملموساً في مفوضية الانتخابات على مستوى رأس الهرم بتعيين قضاة مستقلين، لكن هل هذه المفوضية مستقلة على مستوى مكاتب المحافظات؟»، ويضيف أنه «ينبغي أن ندعو إلى أن يشمل الاستقلال جميع مستويات المفوضية، كما أن عدد المشاركين يتأثر أيضاً بمن لديه بطاقة الناخب الموزعة على 8 ملايين عراقي. وهذا يعني حرمان عدد كبير من المشاركة. لذا يجب أن تكون هناك حملة تثقيفية من أجل الإسراع في تسجيل الناخبين وصولاً على اعتماد البطاقة الوطنية في المشاركة في الانتخابات». ويتطرق فهمي لمشاكل أخرى «تتعلق بالمال السياسي واستخدامه من الأحزاب الكبيرة الحاكمة، كما أن الكثير من تعليمات المفوضية غير مطبقة من بينها مشاركة أحزاب لديها أذرع مسلحة في الانتخابات، وكذلك الحال بالنسبة للنصوص التي وردت في قانون الأحزاب التي تلزم الأحزاب بالكشف عن مصادرها المالية».

وفي يناير 2018، أُطلق تحالف بين الشيوعيين والصدريين وبعض الأطراف الأخرى تحت عنوان «سائرون» لخوض الانتخابات التي جرت في مايو 2018، فسألت «كوردستان بالعربي» السكرتير للحزب الشيوعي العراقي إن كان بالإمكان تكرار تجربة التحالف مع الصدريين مرة أخرى؟ فقال إن «تجربة التحالف مع التيار الصدري ضمن قائمة «سائرون» كانت لها ظروفها الخاصة لأنها جاءت بعد الحركة الاحتجاجية لعام 2015، وظهرت أرضية وشعارات وعلاقات مشتركة وفّرت الأساس لتحالف «سائرون». وتحول ذلك إلى برنامج مدني إصلاحي، لكن الموقف تغيّر بعد ذلك، وأعتقد بأن الأرضية لتكرار هذا التحالف غير متوفرة حالياً. ولكن ليست لدينا خصومة مع الصدريين، كما أنهم انسحبوا من الحياة السياسية مع أنه هناك مؤشرات معينة توحي بعودتهم. أما بالنسبة لنا سندخل في تحالف مدني وطني ديمقراطي».

 

العراق ومستقبل التغيير السياسي

«هل العراق مقبل على تغيير جذري يشمل النظام السياسي، كما يقول بعض المحللين السياسيين؟»، سؤال يتردد كثيراً هذه الأيام على السياسيين وأصحاب القرار. أحببنا أن نأخذ رأي رائد فهمي عن الموضوع فقال: «الذين يتحدثون عن التغيير يراهنون على أن يأتي من الخارج، وهناك من يربطه بأحداث غزة ولبنان. لكننا نرى أن حدوث تغيير من الخارج سوف يعزز إحباط العراقيين، فأي تغيير خارجي له ثمن، وهو خيار غير صحيح لأننا قد خضنا هذه التجربة، ولكن هذا لا يعني أننا لسنا بحاجة إلى التغيير من الناحية الموضوعية، على اعتبار الأخطار التي تواجه الاقتصاد الوطني مع تزايد أعداد العاطلين عن العمل والتراجع في ملفات الخدمات. لذا يتعين الاعتماد على العوامل الاجتماعية في التغيير وهي كثيرة منها الانتخابات».

 

تعطيل المادة 140

بصفته سياسياً عراقياً يمثل حزباً عريقاً في العراق، كان من المهم أن نسأل فهمي عن رأيه حول السبب في عدم تنفيذ المادة 140 من الدستور، التي تشكل أحد المعوقات المهمة في حلحلة المسائل العالقة بين إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية. فكان رأيه أن «عدم وجود إرادة سياسية هو الذي يعرقل تطبيق المادة 140 من الدستور، على اعتبار أن المعرقلات المالية يمكن معالجتها. فهناك سوء فهم لتطبيق هذه المادة، على اعتبار أن البعض يصورها بأنها لمصلحة الكورد، لكن الواقع يقول إن المادة 140 جاءت لظروف معينة والظلم الذي لحِقَ بأهالي كركوك وغيرها سواءً بالتغيير الديمغرافي أو الاستيلاء على الأراضي أو غير ذلك. وهذه المادة قد أقرت في دستور دائم واكتسبت شرعيتها القانونية منه، لكن بعض القوى السياسية تنصلت وتتنصل لحد الآن عن تطبيقها. والمادة 140 لم تأتِ لمعالجة أوضاع الكورد أو قومية من دون الأخرى، إنما لرفع الظلم عن المتضررين من جميع القوميات وتحقيق العدالة. أما بالنسبة للاحتياجات المالية فقد خمّنت رئاسة اللجنة المكلفة بهذه المادة أن تكلفتها المالية هي ملياري دولار سنوياً. لكن بعد التوسع الذي حصل فيها وشمول المتضررين من محافظات أخرى فإن إعمال هذه المادة يتطلب أضعاف هذا المبلغ. ولا بد من الإشارة إلى أن الموضوع لا يتعلق بالربح والخسارة، وأن المُضي في تنفيذ التزامات هذه المادة يتطلب تغيير المناخ الفكري وأن يحصل هناك فهم مشترك بعيداً عن الاستغلال السياسي، على أساس أن الغرض منها هو تعويض المتضررين».

رائد فهمي:

- رائد جاهد فهمي صالح مواليد بغداد عام 1950

- سياسي واقتصادي ووزير وعضو مجلس نواب سابق

- تخرج من كلية لندن للاقتصاد، وحصل على شهادة الماجستير في الاقتصاد من جامعة لندن عام 1977 وشهادة الدبلوم العالي من جامعة السوربون في باريس عام 1984 

- عمل باحثاً اقتصادياً في جامعات ومؤسسات أكاديمية وشركات عدة خارج العراق


هيمن بابان رحيم

صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved