في خطوة غير مسبوقة على مستوى كوردستان والعراق، تطلق شركة محلية كوردستانية في أربيل أكبر مصنع لصناعة وتجميع الهواتف الذكية في الشرق الأوسط. يحقق المصنع إنتاجاً يومياً يصل إلى 1000 جهاز يتم توزيعه في جميع أنحاء العراق، ويتطلع لتعزيز الإنتاج وافتتاح خطوط إضافية في المستقبل.
الكوادر الكوردية تغزو عالم الخوارزميات والتكنولوجيا
في قلب مدينة أربيل النابض بالحياة، ينشغل العشرات من الشباب الكورد في مصنعٍ مميزٍ يتفرد بتجميع هواتف ذكية بمعايير جودة عالمية، تضاهي تلك المصنعة في بلدان المنشأ والمصدَّرة إلى أوروبا وأمريكا، وفق القائمين على المشروع. لأول مرة في تاريخ كوردستان، يُجمع هاتف ذكي يعمل بنظام أندرويد في مراحل إنتاج دقيقة تبدأ بتركيب وتجميع المواد المستوردة من الصين، وتنتهي بطرح المنتج في الأسواق الكوردستانية والعراقية.
يدير هذا المشروع الكوردي شخصية محلية من الطائفة الأيزيدية، حيث تعكس هذه التجربة قفزة نوعية في الصناعات المحلية المتقدمة في إقليم كوردستان. وتعتبر شركة «التكنولوجيا الذهبية للأجهزة - إنفينيكس» صاحبة المصنع الأكبر من نوعه لتجميع الهواتف الذكية في الشرق الأوسط، إذ تنتج بين 900 إلى 1000 جهاز ذكي يومياً، تُوزع على كافة المحافظات العراقية.
قيادة محلية تدعم المواهب الكوردية
بدأت مجموعة ZMC مسيرتها في تجارة الهواتف الذكية منذ عام 2004، حيث ركزت أعمالها في أربيل وبغداد، مما مكنها من اكتساب خبرة كبيرة في هذا المجال وأتاح لها الفرصة لإقناع إحدى كبرى الشركات الصينية بفتح مصنع في كوردستان. في عام 2019، حصلت الشركة على وكالة رسمية من شركة Infinix الصينية، وبدأت بتسويق منتجاتها وفتح مراكز صيانة في عدة محافظات عراقية.
بدأت شركة ZMC أنشطتها في سبتمبر من العام الجاري، وتضم أكثر من 100 شاب وشابة من خريجي الجامعات الكوردية المتخصصين في مجالات هندسة وعلوم الحاسوب، ويشمل نشاطهم تجميع الهواتف الذكية وبيعها في الأسواق المحلية. وأوضح هيمن محمد حمد، مدير الموارد البشرية في الشركة، في حديث لمجلة «كوردستان بالعربي»، أن نسبة العمالة المحلية في المصنع تبلغ 97% من إجمالي الأيدي العاملة. وأضاف أن معظم العاملين في المصنع من خريجي الجامعات وأقسام البرمجيات، وأن هناك خطة للتعاون مع الجامعات من أجل توفير فرص تدريبية للخريجين الشغوفين بهذا المجال.
وأشار حمد إلى أهمية أن تعمل الجامعات على فتح أقسام متخصصة بصناعة الهواتف الذكية، مما يسهم في تطوير كفاءات محلية قادرة على الانخراط في هذا القطاع المتقدم، ويخفف العبء عن الحكومة في مجالات التوظيف.
إنتاج ذو دقة عالية وصناعة متعددة المراحل
تعد صناعة الهواتف الذكية من أكثر الصناعات تعقيداً وتطلباً للدقة، حيث يمر الجهاز بعدة مراحل معقدة ومتداخلة. وتبلغ الطاقة الإنتاجية الحالية للشركة نحو25,000 إلى30,000 جهاز شهرياً، مع خطة للوصول إلى إنتاج60,000 جهاز شهرياً مستقبلاً، لتلبية الطلب المحلي. ووفقاً لحمد، تُصنف الهواتف المصنعة ضمن الأكثر مبيعاً في العراق، بفضل متانتها وجودتها العالية، بالإضافة إلى تقديم الشركة ضماناً لمدة سنة، وأسعاراً تنافسية تتراوح بين68 إلى 81 دولاراً.
يتميز المصنع بمراحل إنتاج دقيقة تعكس التطور الملحوظ في قطاع الصناعات الناشئة في كوردستان، مما يمنح زائريه شعوراً بالفخر. وأوضح أحمد زبير خضر، مدير الإنتاج، أن عملية تصنيع الهواتف الذكية تمر بنحو 70 مرحلة، تشمل 30 مرحلة لتركيب الأجزاء، و18 مرحلة للفحص، و15 مرحلة للتغليف، حيث تُدار هذه المراحل بعناية فائقة لضمان أعلى درجات الدقة والجودة.
يقدم المصنع حالياً نوعاً واحداً من الهواتف الذكية يدعم شريحتي اتصال ويأتي بألوان: الأبيض، والأسود، والذهبي، والأخضر. ويتميز بكاميرتين أمامية وخلفية، وشاشة بتردد 90 هرتز وبطارية سعة 5000 ملي أمبير تدعم الشحن السريع. وأشار خضر إلى أن جميع مكونات الهاتف، بما في ذلك الغلاف الخارجي وكابل الشحن وملحقات أخرى، تطابق مواصفات الهواتف المصنعة في الصين، ويخضع كل جهاز لعدة اختبارات لضمان جودته وخلوه من الأخطاء الفنية.
دعم العمالة المحلية
استقطبت الشركة في مشروعها هذا العديد من الكوادر المحلية، ومنهم المهندس برزي زانا، الذي يشرف على بعض مراحل الإنتاج، معرباً عن فخره بالعمل في شركة محلية، وقال: «أشعر بسعادة كبيرة لأني أعمل في مجال نادر بكوردستان والعراق وهو صناعة الهواتف الذكية. إن هذه التجربة تختلف عن الصناعات التقليدية، فنحن هنا نصنع المستقبل بأيدينا وندعم الاقتصاد المحلي».
خطط توسعية نحو مستقبل مشرق
أثناء الجولة داخل المصنع، استعرض مدير الموارد البشرية خطط الشركة المستقبلية، حيث أكد عزم الشركة على زيادة الإنتاج وبناء مصنع جديد بمساحة10,000 متر مربع، بالإضافة إلى زيادة عدد العاملين إلى نحو1,000 شخص لتعزيز القدرة الإنتاجية وتلبية الطلب المتزايد.
واختتم حمد حديثه بالإشارة إلى الدعم الذي تحظى به الشركة من مستخدمي الهواتف المصنعة في المصنع، إضافة إلى دعم الجهات الرسمية وغير الرسمية، ولكنه أشار إلى أن بعض التحديات تأتي من النظرة التقليدية للصناعة المحلية، مؤكداً أن الشركة تسعى بثبات نحو التقدم وترسيخ مكانتها في مجال التصنيع المحلي.
هيمن بابان رحيم
صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية