فرهاد سيدا «لو عشنا كالأشجار مستقلين وكالغابة متوحدين»
فرهاد سيدا «لو عشنا كالأشجار مستقلين وكالغابة متوحدين»
December 27, 2024

ولد البروفيسور فرهاد سيدا عام 1950 في عامودا التابعة لمحافظة الحسكة في كوردستان سوريا. هاجر إلى ألمانيا بغرض الدراسة في 1970. عين أستاذاً مساعداً في قسم الشرق الأوسط بجامعة برلين الحرة.

عمل أستاذاً زائراً في الجامعة الأردنية في عمان وفي عام 2012 دعته جامعة إيرفورت لإدارة مركز مصطفى البارزاني للدراسات الكوردية حتى عام 2020. 

لديه ما يقرب من عشرين كتاباً في التاريخ الحديث والعلوم السياسية، ومئات المقالات والأبحاث المنشورة في الدوريات العلمية الألمانية والإنجليزية. 

من خلال هذا اللقاء، يحدثنا البروفيسور سيدا عن أهم النقاط الرئيسية حول العلاقات العربية - الكوردية في المنطقة، ويوضح بدايات تشكل القضية الكوردية خلال الحكم العثماني في المنطقة التي ضمت أراضي كوردستان الحالية المعروفة باسم كوردستان العثمانية التي ضمت كلاً من كوردستان تركيا أو كوردستان الشمالية وجنوب وغرب كوردستان التي كانت جميعها تحت الحكم العثماني كسائر الولايات العربية، ومع ضعف الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، شارك الكورد إلى جانب جيرانهم العرب في ولايات بغداد والموصل وسوريا، وبشكل فعال في الأحداث التي وقعت على الساحة العثمانية الآيلة للسقوط.

كانت العاصمة اسطنبول هي المسرح الرئيسي الذي تشكلت فيه الجمعيات السياسية من العرب والكورد وغيرهم من شعوب الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين للمطالبة بالإصلاح ضمن الدولة العثمانية. وليس لدينا - كما يقول الدكتور سيدا - إشارات واضحة على وجود حوار بين النخبة العربية العثمانية والنخبة الكوردية العثمانية من خلال هذه الجمعيات، أو تبادل الأفكار حول مصير هذه الشعوب التي تعرضت للاضطهاد العرقي من قِبل الأتراك. لكن الشيء المؤكد هو أن الساحة كانت تضم لاعبين آخرين على مسرح السياسة العثمانية إلى جانب القوميين الكورد وزملائهم القوميين العرب.

وفي إجابته عن طبيعة العلاقات العربية - الكوردية في التاريخ الإسلامي قبل وصول الأنظمة البعثية والقومية العربية إلى سدة الحكم، يشير البروفيسور سيدا إلى الدور الكوردي في الحضارة الإسلامية وبشكل خاص في العصر العباسي وما بعده، حيث كانت هناك مشاركة ثقافية كوردية في مجالات التاريخ والفقه والفنون وأبرزها الموسيقى. ولعل اسم المغني والموسيقي زرياب (الذي يعني بالكوردية ماء الذهب) في كتب التاريخ والأدب العربية الإسلامية علامة مميزة على ذلك، أضف إلى ما سبق مقام الكورد في الموسيقى العربية مما يدل على الحضور الكوردي فيها.

ولم يستثنِ البروفيسور سيدا من التأثير الكوردي على الحضارة الفارسية أيضاً، مشيراً إلى الأصول الكوردية لإسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية في إيران. كذلك الأمر بالنسبة لكريم خان زند، مؤسس الدولة الزندية الكوردية في بلاد فارس التي استمرت بين عامي 1750 - 1794. أما فيما يتعلق بمنطقة بلاد الشام ومصر، فقد ساهمت العائلات الكوردية في تلك المناطق في جميع مجالات الحياة في البيئة العربية، لذا نرى هناك آلاف العائلات الشامية والحلبية والفلسطينية والمصرية من أصول كوردية، وهذه ظاهرة طبيعية لكونهم مسلمين أولاً، وشعوباً متجاورة ثانياً. 

 من وجهة نظر البروفيسور سيدا، فإن القضية الكوردية بدأت مع انهيار الدولة العثمانية وإعادة ترسيم حدودها من جديد، حيث أصبح 20 % من كورد الدولة العثمانية يعيشون في دول يحمل غالبية سكانها الهوية العربية، وقد حاول الكورد بالفعل تشكيل دولتهم القومية بعد الحرب العالمية الأولى عندما أعلن الوفد الكوردي برئاسة الضابط والدبلوماسي العثماني عثمان باشا في مؤتمر الصلح في باريس عام 1919، وبوضوح، أن الكورد وبناءً على مبادئ الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون، وميثاق عصبة الأمم، يحق لهم تشكيل دولتهم القومية كسائر الشعوب العثمانية، كما اعترفت دول الحلفاء بهذا الحق في اتفاقية سيفر المنعقدة عام 1920. 

إلا أن دولتي الانتداب بريطانيا وفرنسا لم تكونا جادتين في تلك الوعود على أرض الواقع، فعملت بريطانيا على إجهاض حركة التحرر الكوردية في جنوب كوردستان، فيما أهملت فرنسا بنود اتفاقية سيفر عندما وقعت اتفاقية جديدة مع تركيا عام 1921 ووضعت مشروعاً لترسيم الحدود بين تركيا والدولة السورية العربية - التي كانت آنذاك لا تزال مشروعاً وليست واقعاً - فقامت فرنسا بإرسال الموظفين العرب إلى غرب كوردستان باعتبار أراضيهم تابعة للدولة العربية رغم الاحتجاجات الكوردية على ذلك.

أما بريطانيا، فقد وظفت جيشها جنوب كوردستان لتحطيم إرادة الشعب الكوردي، ولم تتجاوب مع مطالب الوطنيين الكورد هناك. أما دبلوماسياً، فقد قدمت حججاً سياسية في مؤتمر لوزان عام 1922 لإلحاق كوردستان الجنوبية بالدولة العربية في العراق، كما عملت بالاتفاق مع الدولة التركية على تحويل مسألة مدينة الموصل إلى لجنة تعينها عصبة الأمم المتحدة. 

بشكل عام، يصف البروفيسور سيدا موقف السياسيين العرب من الكورد - بعد تشكيل دول الانتداب - بأنه لم يكن ودياً، حيث اعتبرت هذه القيادات العربية أراضي الكورد حتى تخوم ديار بكر وبحيرة وان إلى أورفا والبحر المتوسط مروراً بأضنة، حقاً لهم، متسائلاً عن مصدر هذه الفكرة الغريبة، ومع استقلال سوريا بدأت حكوماتها تحارب الثقافة والهوية الكوردية.

وفي إجابته عن رؤيته للعلاقات العربية - الكوردية مستقبلا كما يجب أن تكون، يرى البروفيسور سيدا أن فرصة التقارب العربي - الكوردي في العراق ضاعت مرة أخرى عام 2017 عندما اختار 90% من سكان إقليم كوردستان التصويت لصالح الاستقلال، إلا أن الحكومة العراقية في بغداد خاصة والعرب عامة عارضوا هذا القرار لأنهم لا يعترفون من حيث المبدأ بكوردية هذه الأراضي، ومن وجهة نظره، لن تقوى هذه الروابط العربية - الكوردية إلا إذا تغيرت نظرة العرب الكولونيالية إلى الكورد.

كريم خان زند شاه إيران ذو الأصول الكردية

 

وفي إجابته عن سؤال حول العناصر الثقافية المشتركة التي تربط بين الكورد وجيرانهم العرب، يقول سيدا إن الكورد والعرب تجمعهم الجغرافيا حيث يسكنون غرب آسيا، كما تجمعهم التيارات الثقافية في الآداب والفنون. أضف إلى ذلك تجربتهم المشتركة في التاريخ الإسلامي ومنها الحياة الاقتصادية والاجتماعية في ظل الدولة العثمانية، إلا أن الكورد لم يتمكنوا من إقامة دولة قومية خاصة بهم كما فعل العرب، ولعل أسباب ذلك يذكرها الشاعر الكوردي أحمد خاني في ملحمته الشهيرة (مم وزين)، وهي من الشعر الكلاسيكي الكوردي كتبت قبل ثلاثة قرون، عالج فيها الشاعر القومي فشل قومه في تكوين دولتهم الخاصة بهم، مُرجعاً الأسباب إلى ظاهرة التشرذم وعدم اتفاق الكورد على الاستقلال.

أخيراً، فيما يتعلق بمستقبل العلاقات العربية – الكوردية، يرى سيدا أن عملية تكوين روابط بين الأمم والشعوب قضية تاريخية معقدة لا تتكون بقرار سياسي أو اتفاقية اقتصادية أو تجارية أو مهرجان أدبي، بل بالإقرار بحق تقرير المصير المتبادل فهو الأساس لعقد روابط أخوية بين الشعوب. فقد انفصل السلوفاك عن التشيك بعد سبعين سنة من تكوين تشيكوسلوفاكيا، وانفصلت النرويج عن السويد بعد أن كونوا دولة واحدة لعدة قرون. لأن هذه الشعوب لم تجد روابط تجمع بينها. وفي السودان اقتنع الشمال بعد أربعين سنة من الحروب أن الانفصال أفضل من الحرب. وفي الشرق الأوسط لم تُقنع الحرب الداخلية منذ عام 1984 تركيا أن السلم أفضل من الصراع الدموي، ستقوى الروابط، كما كتب الشاعر التركي ناظم حكمت «لو عشنا كالأشجار مستقلين، وكالغابة متوحدين».

 


أروى الجعبري

ماجستير في التاريخ الاقتصادي الإسلامي، دكتوراه في العلاقات العربية الأمريكية، باحثة تاريخية من الأردن




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved