رواندز.. جنة كوردستان المعلّقة بين السحاب والتاريخ
رواندز.. جنة كوردستان المعلّقة بين السحاب والتاريخ
December 30, 2024

على بُعد 111 كيلومتراً من مدينة أربيل، وعبر طرقٍ جبلية متعرجة، تنتصب مدينة رواندز العريقة - أقدم أقضية المحافظة - على سفحٍ جبلي شامخ. وبالرغم من أن المسافة الهوائية المباشرة بين المدينتين لا تتجاوز 70 كيلومتراً، إلا أن الطبيعة الجغرافية فرضت مساراً أطول على الطريق الرئيسي المؤدي إلى معبر حاج عمران الحدودي مع إيران.

يمتد القضاء على مساحة إدارية تبلغ 484 كيلومتراً مربعاً، وتتبع له ناحية واحدة هي «ورتي»، إضافة إلى 40 قرية مجهزة بكافة الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وشبكة طرق حديثة. وتدرس الإدارة المحلية حالياً مقترحاً لإنشاء ناحيتين جديدتين هما «برزيوه» و«آكويان»، حيث تضم كل منهما أكثر من عشر قرى، في خطوة تهدف إلى تيسير المعاملات الإدارية والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للسكان.

قبل ثلاثة قرون أو أكثر كانت رواندز عاصمة إمارة سوران الكوردية التي انهارت عام 1838 على يد الجيش العثماني، رغم المقاومة الشعبية لسكانها. ومنذُ ذلك التاريخ وحتى عام 1870 كانت الهيكلية الإدارية لرواندز مستقلةً كمحافظة نُصِب لها أربعةُ محافظون تباعاً، قبل أن يُصيّرها التُرك قضاءً  تابعاً للواء كركوك.


صورة: محمد دركَليي

 

قائممقام قضاء رواندز أحمد قادر حمد أمين خلال حديثه لمجلة «كوردستان بالعربي» تحدث عن تاريخ المدينة قائلاً: «مع دخول البريطانيين إلى العراق وتأسيس الدولة العراقية، تولى السيد طه النهري منصب أول قائممقام للمدينة». وعلى مدى قرنين من الزمن، حافظت رواندز على مكانتها كقضاء، بعد أن كانت ولاية. وقد تميزت المدينة بموقعها الاستراتيجي المنيع الذي شكَّل حصناً منيعاً في وجه الغزاة والطامعين، مشيراً إلى أنها كانت «موقعاً مثالياً لإقامة حكم مستقر».

ما أن انتهى الانتداب البريطاني وتأسست المملكةُ العراقية التي استحدثت لواء أربيل عام 1923 حتى ألحقت به قضاء رواندز وتبعتهُ إدارياً مناطق «چومان» و«ميرگه سور» و«ديانا» قبل تحويلها إلى أقضية مستقلة تابعة لأربيل. ويشير حمد أمين إلى أن رواندز بقيت حتى عام 1981 «معقلاً للحركة الكوردية»، قبل أن يعمد نظام البعث إلى تقليص دورها وتحويلها إلى ناحية، وإنشاء قضاء بديل، في محاولة «لإضعاف الحركة الكوردية فيها»، غير أن انتفاضة عام 1991 أدت إلى إلحاقها بقضاء سوران. وفي عام 2008 «أعادت حكومة إقليم كوردستان اعتبارها قضاءً تابعاً لمحافظة أربيل، مع تحسين الخدمات المقدمة للسكان».


تاريخ عريق في صناعة الأسلحة وتراث يستحق الاحتفاء

برزت مدينة رواندز، العاصمة السابقة لإمارة سوران، كمركزٍ مهم لصناعة الأسلحة التقليدية في عهد حاكمها «الباشا الكبير» محمد الرواندزي. وشهدت المدينة نهضة صناعية متميزة في مجال تصنيع البنادق والبارود والسيوف والخناجر، حيث أنشأ الأمير مصنعاً متخصصاً أداره الحرفي البارع «الأسطة رجب مير أحمد الرواندزي» الذي اكتسب خبرته في صناعة الأسلحة من روسيا.

وكشف قائممقام قضاء رواندز، السيد أحمد قادر حمد أمين، عن تاريخ المدفع الشهير الذي صنعه «الأسطة رجب» قبل أكثر من قرنين من الزمان، قائلاً: «نجح الأسطة في تصنيع 222 نسخة من هذا المدفع على مدى سنوات عمله، لم يتبقَ منها سوى نسختين فقط؛ واحدة في رواندز وأخرى في بغداد».

وقد لعب هذا المدفع دوراً تاريخياً مهماً في معارك المدينة ضد الجيشين الروسي والعثماني، كما استُخدم لاحقاً للإعلان عن موعد الإفطار خلال شهر رمضان المبارك. وحرصاً على إبراز هذا الإرث التاريخي، قامت بلدية رواندز بنصب النسخة المتبقية من المدفع في حديقة عامة عند مدخل المدينة، حيث أصبح معلماً سياحياً بارزاً يجذب الزوار المهتمين بالتراث والتاريخ.

وفي إطار الجهود المبذولة للحفاظ على التراث العمراني للمدينة، أكد حمدأمين أنه «تجري حالياً أعمال ترميم للمنازل التاريخية التي يتجاوز عمرها مائتي عام، مع التركيز على الحفاظ على طابعها الأصيل». كما تشمل خطط التطوير «إعادة ترميم مدفع محمد باشا الكبير وتزويده بلوحة تعريفية توثق أهميته التاريخية».

وتتجه الأنظار حالياً نحو مشروع طموح لإعادة بناء سوق المدينة التاريخي وفق الطراز التقليدي، في «خطوة تهدف إلى تعزيز الهوية التراثية للمدينة وترسيخ مكانتها كوجهة سياحية متميزة تجمع بين عراقة الماضي وتطلعات المستقبل» بحسب حمدأمين.


وادي خرند... تحفة طبيعية تخطف الأنظار بجمالها الساحر

وادي خَرَند (خەرەند)، الواقع في قضاء رواندز، تحفة طبيعية تخطف الأنظار بجمالها الساحر. ويتميز هذا الوادي بمناظره الخلابة التي تجمع بين روعة الجبال الشامخة والمياه المتدفقة والخضرة الوارفة.

وتحيط بالوادي جبال شاهقة تكسوها الأشجار الكثيفة، مما يخلق مشهداً بانورامياً مذهلاً. تتساقط الشلالات من أعالي الجبال، مشكِّلة جداول صافية تتدفق عبر الوادي، مضيفة إلى جماله الطبيعي مناظر خلابة، إضافة إلى خلق بيئة صوتية هادئة ومنعشة.

في فصل الربيع، يزدان الوادي بالأزهار البرية الملونة التي تنتشر على ضفاف الجداول وبين الصخور، مضيفة لمسات من الألوان الزاهية إلى المشهد الطبيعي الأخاذ. أما في الخريف، فتتحول أوراق الأشجار إلى لوحة من الألوان الذهبية والبرتقالية والحمراء، مما يجعل المنظر أكثر سحراً وجاذبية.

ورغم جمال الوادي الساحر، إلا أن تاريخه يحمل قصصاً مأساوية أدت إلى تسميته بأسماء مختلفة. فقد عُرف بـ«وادي الموت» نتيجة الحادثة التي وقعت خلال الحرب العالمية الأولى، حين سقط فيه ما يقارب 670 جندياً روسياً بسبب جهلهم بطبيعة المنطقة. كما عُرف أيضاً باسم «وادي الانتحار» بسبب حوادث انتحار العشاق التي وقعت فيه قديماً نتيجة لرفض زواجهم بسبب التقاليد الموروثة.

اليوم، يعد وادي خرند وجهة سياحية مميزة تجذب من مختلف أنحاء العالم، الزوار الراغبين في الاستمتاع بجمال الطبيعة الخلابة والتعرف على تاريخ المنطقة الغني. ويوفر الوادي فرصاً رائعة للتنزه والاسترخاء وسط أحضان الطبيعة، والتقاط الصور التذكارية للمناظر الخلابة التي تحيط بالمكان من كل جانب.

 


رياض الحمداني

صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved