خط عربي وإبداع كوردي
خط عربي وإبداع كوردي
January 02, 2025

يعد الشكل الدائري محور حركة رسم أحرف الأبجدية العربية، وهو سرّ الليّونة والطراوة التي تتمتع بها الكتابة بهذه الأبجدية. لقد كتبت العديد من لغات الشعوب الإسلامية طوال الألفية الثانية للميلاد بهذه الأبجدية، وما زال الكثير منها تعتمد هذه الأبجدية في كتابة لغاتها. وكل لغة تكتب بهذه الأبجدية، تتمتع بميزة دمج جمالية الفن مع نصوصها الكتابية سواء كانت قصيرة أم طويلة.

فن الخط العربي (هكذا يعرف لدى العرب) وفن الخط (بحسب التسمية لدى بقية الشعوب التي تستخدم الأبجدية العربية المحوّرة في كتابة لغاتها) هو عنوان الجمالية التي تمتزج بالنصوص عبر وسيط طراوة الأحرف العربية.

ولفن الخط تاريخ طويل يمتد إلى مدى 14 قرناً خلت. البداية كانت بالخط الذي عرف بالكوفي، هذا الخط الهندسي الذي قال عنه كبير الخطاطين العراقيين هاشم البغدادي، بأنه يتوزع على 72 نوعاً، فهو خط يعتمد الخطوط الهندسية (الأفقي والعمودي بشكل خاص). ونظراً لصعوبة الكتابة بهذا النوع من الخط فيما يتعلق بالنصوص الطويلة، استوجب الأمر تطوير هذا الخط وتطويع الأحرف، وبذلك ظهرت الخطوط الليّنة، والليونة هنا تعني الطراوة في الحركة.

ويعد العهد العباسي مهماً فيما يتعلق بظهور نوعين من الخطوط الليّنة، النسخ والثلث، ونال ابن البواب الشهرة في تطويره لخط الثلث. وتوالي تأسيس الدول والممالك في العصر الإسلامي، مهد الدرب لظهور جملة من الخطوط الجديدة حتى استقرّ المقام على الخطوط الشهيرة التالية (الكوفي، النسخ، الثلث، التعليق، الديواني، الجلي ديواني، الإجازة، الرقعة، المغربي، الشكستة، الريحاني) وأصناف أخرى أقل شهرة واستخداماً.

ومن خلال نظرة لانتشار فن الخط العربي في بلدان العالم الإسلامي التي تشغل مساحات شاسعة من آسيا الغربية والوسطى وأفريقيا الشمالية والشرقية والوسطى، نلاحظ ثلاث مناطق تكتسب الخصوصية من حيث نمط الخطوط الشائعة فيها. أبرزها مدرستا شرق زاگروس وغرب زاگروس. ومدرسة شرق زاگروس نقصد بها كافة البلدان التي تكتب لغاتها بالأبجدية العربية والكائنة شرق سلسلة جبال زاگروس التي تمتد ما بين قمّة جبل آرارات أقصى شرق الأناضول والضفة الشمالية الشرقية للخليج العربي. هذه المنطقة التي تمتد حتى الهند وأعماق وسط آسيا تمتاز بشيوع خطوط التعليق والنستعليق والشكستة، وهي أنماط من الخطوط الليّنة التي تعتمد المد والتمركز والامتزاج. ولا يجيد خطاطو هذه الجغرافية الواسعة كتابة الخطوط إلا بهذه الأنماط الشائعة في بلدانهم.

أما مدرسة غرب زاگروس التي تمتد بدءاً من الخط الفاصل الممتد من جبل آرارات حتى الخليج العربي، نحو الغرب باتجاه العالم العربي وهضبة الأناضول وشمال أفريقيا وأعماقها الوسطى والشرقية، فنرى شيوع أنماط أخرى من الخطوط الليّنة مثل النسخ، والثلث، والرقعة، والديواني، والجلي ديواني والإجازة. وخطاطو هذه الجغرافية مبدعون في هذه الأصناف من الخطوط، لكن تتعذر عليهم إجادة خطوط مدرسة شرق زاگروس (التعليق، النستعليق، الشكستة).

ومن المفيد الإشارة إلى الخط المغربي بما له من خصوصية وحيّز جغرافي محدود يقتصر على بلدان المغرب العربي، امتداداً نحو غرب أفريقيا، باعتبارها المنطقة الجغرافية الثالثة لجهة أنماط الخطوط الشائعة، وهي الأقل مساحة وانتشاراً.

وبيت القصيد فيما يتعلق باستعراض التوزيع الجغرافي لفن الخط العربي، هو الاقتراب من سرّ الإبداع الكوردي في هذا الفن. فإن أكبر مدرستي فن الخط العربي تلتقيان في الجغرافية الكوردية، وإن سلسلة جبال زاگروس التي تعد العمود الفقري لموطن الكورد، تشكل - مثلما قلنا - الحد الفاصل بين أشهر مدرستين للخط العربي، وقلنا إن خطاطي أي من المدرستين لا يمكنهم امتلاك سرّ التفنن الشائع في المدرسة الأخرى. لكن اللافت أن الخطاطين الكورد هم الوحيدون الذين يشذون عن هذه القاعدة. وربما كان للجغرافية دور حاسم في ذلك، حيث إن خطاطي كوردستان يمتلكون ملكة إجادة رسم خطوط كلتا المدرستين.

ولعل معرض الخط الذي أقيم للفيف من خطاطي كوردستان إيران في السليمانية وتالياً في أربيل في أكتوبر / تشرين الأول من هذا العام، يعد الشاهد على ذلك بما قدم من نماذج طيّبة لامتلاك خطاطي كوردستان ملكة الإبداع في خطوط مدرستي شرق وغرب زاگروس، فقد شهدنا عرض نماذج لوحات راقية لأنماط خط النسخ والثلث والديواني والجلي ديواني، بموازاة نماذج جيدة وجذابة لأنماط التعليق والنستعليق، عرضت على شكل لوحات مزجت ما بين الخط واللون بشكل باهر.

ومن الملاحظ ‌أن الخطاطين المشاركين في المعرض حاولوا تقديم تشكيلات تتخطى الأنماط التقليدية في لوحات الخط من خلال الاستفادة من عناصر شتى كاللون والزخرفة والمزج بأنماط جديدة من الخطوط، وتقديم لوحات تركيبية لأنماط خطوط لم يسبق أن تم تطويعها لتقديم لوحات خطوط مركبة. فالمعهود أن خط الثلث - مثلاً - هو الأكثر شيوعاً في تقديم اللوحات بخطوط مركبة، لكن المعرض قدم لوحات تركيبية بخطوط أخرى تخطت الثلث.

ويجدر ذكره أن النصوص الخطيّة التي قدمها الخطاطون توزعت ما بين آيات من الذكر الحكيم وأشعار ومقولات كوردية ومقولات دينية وحكم باللغتين العربية والكوردية.

 


طارق كاريزي

كاتب كوردي




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved