«عنايت عطار» ألوان من عفرين في سماء باريس
«عنايت عطار» ألوان من عفرين في سماء باريس
January 08, 2025

عنايت عطار اسم فني لمع نجمه في سماء الفن التشكيلي السوري أواخر الثمانينات، وعرف بلوحاته التي تعكس روح الحياة الكوردية في قرى منطقة عفرين ووديانها الساحرة. هاجر في أوائل التسعينات إلى أوروبا واستقر في فرنسا بمدينة إنجيه Angers بالتحديد، ليواصل من تلك المدينة الواقعة في الغرب مشواره الفني الطويل. «كوردستان بالعربي» حاورته وحاولت الاقتراب من ملكوته الإبداعي الزاخر بالألوان الكوردية. وكان السؤال المفتاحي هو لماذا فرنسا بالذات؟ وهل كانت فرنسا خياراً من جملة خيارات أوروبية؟ أجاب الرسام المخضرم بأن الرحلة إلى أوروبا كانت محض اختيار أما فرنسا «فلأنها فتحت لي أفقاً أوروبياً إن لم أقل عالمياً بالمعنى الدقيق. وقد عرضت أعمالي في فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية».

 

لقد اخترت فرنسا، يقول عطار، لأنها بلد الفن التشكيلي وقد هاجر إليها كبار الرسامين العالميين مثل فان غوخ وبابلو بيكاسو وسلفادور دالي. ويعترف عطار الذي ولد عام 1948 بقرية بريمجة من قرى عفرين أن التفاعل مع الأوروبيين أثر على تطوير أساليبه الخاصة في الرسم. وقد انتبه النقاد، كما يقول، إلى أسلوبه الخاص بالتلوين من دون الانصهار مع التشكيل.

وكانت مدينة الرقة السورية من محطاته الفنية المهمة، حيث قضى فيها ثلاثة عشر عاماً. فقد انتقل الفنان عنايت إلى الرقة عام 1970 وعرض في مركزها الثقافي معرضه الفردي عام 1981 وكذلك شارك في معرض الندوة الجماعي في الرقة عام 1983. يقول عطار عن فترة وجوده بالرقة «إنه ذهب إليها مدرساً، لكنه استقال فيما بعد وانصرف إلى فنه إلى جانب عمله في أشغال الديكور. وهناك افتتحنا فرعاً لنقابة الفنون بشكل رسمي».

حصل الرسام التشكيلي عنايت عطار الذي يصعد صوب الثمانين على جوائز عديدة منها جائزة «لوفران بورجوا» عام 1999، وجائزة «فرانس تيليكوم» عام 2000، وجائزة «فرناند دوبريه» عام 2002، وهو يؤكد أن اهتمام النقاد به جاء على خلفية خصوصيته ومحافظته على تميزه من دون الانجراف إلى التقليد، وبكلامه الحرفي «حرصت على مشرقيتي بالرغم من حداثة التشكيل والتلوين».

حاولت إثارة موضوع المركزية الغربية وتجليات ذلك على الفنون، فكان للفنان رأي مختلف: «إذا كان القادم - إلى أوروبا - مبدعاً فلا بد من أن يتقبلوه». ويضيف عطار الذي عاد إلى عفرين في عهد الوحدة بين سوريا ومصر، «بالنسبة لي، ربما وجدوا لديّ جديداً. لقد ابتعدت عن التقليد الأعمى على الرغم من مجاراتهم في التشكيل». 

كان الفنان التشكيلي السوري سامي برهان الذي توفي في روما عام 2021 أحد الذين أثروا في عنايت عطار في بداية مشوراه الفني حين انتقل إلى عفرين منفياً. ونظراً لموهبته الطاغية فقد سجل في كلية الفنون الجميلة أثناء خدمته العسكرية. بعد ذلك سافر إلى بيروت للعمل في مجال الإعلانات والرسوم السينمائية حين كانت بيروت حاضرة عربية تستقطب المواهب الفنية من كافة الأقطار. في بيروت تسنت له الدراسة في الجامعة اللبنانية واختار فرع الديكور ليرجع إلى سوريا بعد اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية.

سألته عن «الملحمية الفنية» في لوحاته، إن صح هذا التعبير، وقلت: إن البيئة الكوردية بنسائها الجميلات وأثوابهن المزركشة حاضرة بقوة في لوحاتك. وهناك من يصف طريقتك في الرسم بأنها ملحمية. هل لك أن تحكي لنا سر هذه البهجة اللونية في رسمك؟ فأجاب باختصار شديد أنه بدأ رسم الملاحم الكوردية حتى قبل قدومه إلى أوروبا. «لقد عرضت لوحات مم وزين، سيامند وخجى وغيرها في معارض حلب. أنا حريص على نقل الأصالة إلى لوحاتي. أتذكر جيداً الوسائد واللحف المنقوشة لدى أمهاتنا». يقول التشكيلي الكوردي الذي لم تبق لديه لوحات كثيرة. «لوحاتي اقتناها الكثيرون في العديد من دول العالم. صارت في كثير من الأماكن». يضيف عطار، فأسأله عن سر الألوان الدافئة في لوحات الفنانين الكورد والشرقيين عموماً وأنقل له كلام الرسام التشكيلي رحيمو حسين في حوار مع «كوردستان بالعربي»: الشمس مفتاح الألوان في لوحاتنا. «هل توافقه على هذا التفسير؟». 

«نعم». يقول عنايت عطار. «صديقي الفنان رحيمو على حق. ولو ابتعدت عن الخصوصية، فسأقول هذه هي السمة الكوردية المميزة أينما كانت».

طالما كان الفولكلور معيناً للرسامين التشكيليين. والكورد مثل غيرهم حريصون على المزج أو بالأحرى الاقتباس من القصص الفولكلورية وملاحم الحب والبطولة في لوحاتهم. الفنان الذي يعاني من مرض القلب، و«يقيم يوماً في البيت ويومين في المستشفى بسبب انسداد شرايين القلب» على حد قوله، لا يبخل بالأجوبة. يكتب بدقة، يتريث، يرسل لي توضيحات ويصحح بعض الأخطاء المطبعية الواردة في أجوبته. أسأله إلى أي مدى يمتزج الفولكلور الكوردي الغني بموضوعاته وملاحمه باللوحة الفنية عندك؟ أو بتعبير آخر «كيف تستفيد من الفولكلور وتجعله مادة أساسية في فنك؟ خاصة أن عفرين منطقة مشهورة بفولكلورها الخاص». 

يحيلني الفنان إلى لوحة تزين غلاف صفحته الفيسبوكية. لا يتوسع في الجواب. فقط يقول أدعوك لمشاهدة تلك اللوحة التي تصور مشهداً من ملحمة مم وزين.

لأختم الحوار أسأله عن مدينته عفرين التي عبثت بها الحرب فوقعت ضحية مثل غيرها من مدن وبلدات المنطقة الكوردية في سوريا. يحيلني مرة أخرى إلى لوحة من لوحاته، ويقول: هذه اللوحة خير جواب على سؤالك الأخير. هؤلاء النسوة عند أطلال البيوت يودعن أو ينتظرن مرور أزواجهن لأن أغلبهم هاجر. 

لوحة جميلة حقاً وتعبر تماماً عن حالة التشرد والضياع الذي شهده الكورد في معمعان الحرب السورية، يستدرك الفنان عنايت عطار ليضيف إلى جوابه السابق أن لوحته هذه مهمة لأن الرجال غادروا بينما بقيت النساء اللواتي صرن كلما سمعن صوت سيارة أو حركة ما يصعدن إلى السطوح وينظرن بعيداً يترقبن القادمين.

ينتهي الحوار، نترك الرسام لريشته وقلبه المثخن بالحنين والألم ونترقب مثل نساء لوحته عودة الأهالي إلى بيوتهم، والبيوت إلى أهلها.


جان دوست: شاعر وروائي ومترجم كوردي، صدر له العديد من الكتب والروايات وترجم العديد من الروائع الكوردية إلى العربية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved