على بُعد خطوات من قلعة أربيل التاريخية، يستقطب سوق غير عادي انتباه المارة، حيث يجتمع العشرات من العمال البنغال وآخرون من جنسيات آسيوية مختلفة. وتمتد هذه السوق المتواضعة، المعروفة محلياً بـ«سوق الجمعة للبنغال»، على رصيف بطول20 متراً. لكن اللافت هنا أن الصيحات والنداءات ليست بالكوردية أو العربية؛ إنها بلغة البنغال، مما يضفي على السوق طابعاً فريداً من نوعه وسط المدينة.
تأسست السوق قبل نحو عامين ونصف العام، وجاءت فكرتها من حاجة العمال الأجانب، وبالأخص القادمين من بنغلاديش، لتوفير مواد طازجة تتلاءم مع مطابخهم التقليدية. وفي حديث لمجلة «كوردستان بالعربي»، يشرح سمير محمد، وهو بائع بنغالي، قائلاً: «المطبخ البنغالي يعتمد على أنواع عديدة من الخضار، لذا فإن هذه السوق ضرورية لنا». وعرض سمير خضروات غير مألوفة لزوار السوق من الكوردستانيين، مثل «الكورولا»، وهي خضار مفيدة لمرضى السكري، وتلقى رواجاً بين الزبائن المحليين.
تجربة مغايرة تماماً للزوار
يتجول الزائر في السوق فيجد نفسه أمام ألوان وأشكال غريبة وغير مألوفة من الخضراوات والفواكه، فهناك طماطم خضراء، وفول صغير الحجم، وبطاطا غير تقليدية، وحتى البامياء بطعم مختلف. ومعظم هذه المنتجات تُستورد من بنغلاديش وتتناسب مع ذائقة العمال البنغال. وعلى الرغم من ذلك، اكتسبت بعض المنتجات اهتماماً خاصاً لدى أهالي كوردستان، خصوصاً أولئك الذين يبحثون عن مأكولات ذات فوائد صحية مثل مرضى السكري.
سوق نابض بتفاصيل الحياة البنغالية
في أحد أركان السوق، يبرز مكان مخصص لبيع الأسماك والمأكولات البحرية مثل الروبيان، الذي يعتبر مكوناً رئيسياً في المطبخ البنغالي. عثمان أحمد، أحد رواد السوق من الجالية البنغالية، يقول لمجلة «كوردستان بالعربي»: «هذه السوق تشمل كل ما نحتاجه لإعداد أطباقنا التقليدية، وبدون هذه المكونات نشعر بفقدان جزء مهم من حياتنا».
وتضيف الأسماك طابعاً خاصاً على السوق، حيث تستورد خصيصاً من بنغلاديش، «بلد الأرز والسمك»، كما هو معروف. وهنا تجد سمك «الهيلسا» الذي يشتهر في المطبخ البنغالي ويُعد من الأطباق الأساسية.
التوابل... رائحة الذكريات وعبق الوطن
البهارات البنغالية لها حضور قوي في السوق، فمن الصعب ألا تلفت الانتباه تلك الرائحة المميزة للتوابل التي جلبها الباعة من وطنهم. يقول عقلم علي، وهو بائع توابل بنغالي يقيم في أربيل منذ ست سنوات، لمجلة «كوردستان بالعربي»: «بلدنا غني بالبهارات، وهناك أنواع من التوابل لا تتوفر هنا في كوردستان. لذا نضطر لاستيرادها لتلبية الطلب الكبير عليها». يوضح علي أن المطبخ البنغالي يعتمد على خلطات فريدة من البهارات التي تمنح الأطعمة نكهتها المميزة، ويضيف: «طلبات الناس من هنا تزداد على التوابل، خاصة من محبي الطعام الحار».
ملتقى ثقافي أسبوعي لأبناء الوطن
سوق الجمعة للبنغال ليست مجرد مكان للتسوق، بل هي نقطة تلاقٍ اجتماعي لعمال بنغلاديش الذين يعملون في شركات ومصانع أربيل، حيث يرون في السوق فرصة لاستعادة أجواء وطنهم. وكما يقول عثمان أحمد، فإن السوق «تجعلنا نشعر بأننا نعود إلى بنغلاديش ولو ليوم واحد كل أسبوع، لنلتقي بأصدقائنا ونعيش ثقافتنا ونتذوق طعامنا التقليدي».
وبحسب إحصاءات منظمة الثقافة والدفاع عن العمال الأجانب، هناك حوالي 42 ألف عامل أجنبي في محافظات إقليم كوردستان، ونحو نصفهم من بلدان آسيا، معظمهم من العمال البنغال الذين وجدوا في هذه السوق نافذة ثقافية واجتماعية تعزز هويتهم وتساهم في إدخال نكهة جديدة إلى أربيل.
تجربة ثقافية لزوار أربيل
رئيس منظمة الثقافة والدفاع عن العمال الأجانب، محمد هژار، يرى أن سوق الجمعة للبنغال هي نموذج حيّ للانفتاح على الثقافات، مشيراً إلى أهمية تنوع الأكلات الشعبية والبضائع التي يقدمها العمال الأجانب، والتي تعكس ثقافة بنغلاديش العريقة. وأكد في حديثه مع مجلة «كوردستان بالعربي»: «هذه السوق مثال للتعايش الثقافي، بل تتجاور الثقافات، فيصبح الطعام والتسوق جسراً للتفاهم والتقارب بين الناس».
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية