«مركز القلب» يستقطب المرضى من زاخو إلى الفاو
«مركز القلب» يستقطب المرضى من زاخو إلى الفاو

حققّت تجربة فريدة لمرفق صحي في إقليم كوردستان نجاحاً كبيراً، حيث يهيأ مركز طبي متخصص بأمراض القلب ومجهز بـ 140 سريراً والعشرات من الطواقم، خدمات عالية المستوى إلى المراجعين من مختلف المحافظات العراقية، برسوم رمزية.

نصف المراجعين من خارج إقليم كوردستان

يعد مركز القلب في مدينة أربيل، أحد أفضل مراكز علاج أمراض القلب في العراق وينافس نظراءه في الشرق الأوسط.

ويقدم المركز، الذي يحظى بدعم رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، الخدمات المشابهة لما يقدمه أي مركز عالمي.

رئيس قسم العمليات القيصرية وأمراض القلب في المركز شوان عثمان، الذي  يعدّ القلب بمثابة «جزء كبير من الأمن القومي»، وذلك لأهميته الكبيرة على صحة الإنسان، قال في حديث مع «كوردستان بالعربي»، إن «المركز بدأ بإمكانيات متواضعة في عام 2007». وأشار إلى أن «الوضع قد تغيّر حالياً، لأننا نقدم الخدمات الطبية والجراحية على وفق النظام المتبع عالمياً».

وأكد عثمان أن «المراجعين من مختلف أنحاء العراق من زاخو إلى الفاو، ونصفهم من سكنة خارج إقليم كوردستان، ولديهم ثقة عالية بعملنا». ونوّه إلى أن «الأجانب في إقليم كوردستان، هم الآخرين يراجعون المركز»، متابعاً أن «الزخم الحاصل على المستشفيات في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية والتكلفة العالية تجعل العراقيين المتواجدين في تلك البلدان يلجأون إلى هذا المركز في الفحوصات والعمليات الجراحية».

وأوضح عثمان، أن «الفئات التي تراجع المركز، تشمل أيضاً أعضاء الوفود والبعثات الدبلوماسية والسواح الأجانب المتواجدين في إقليم كوردستان».

وشهد مركز القلب خلال الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان تطوراً على مختلف الأصعدة، بعد ارتفاع عدد الأسرّة من 52 إلى 140 سريراً، مع إضافة جناح خاص بالأطفال، كما يخضع المراجع إلى نظام «أتمتة» اعتباراً من لحظة دخوله إلى المركز.

وفي الوقت نفسه، تم تفعيل نظام إعادة تدوير المياه لاستخدامها في إرواء حديقة المركز، وإنشاء مستودع حديث مزود بالعشرات من الأجهزة وموادها الاحتياطية، وتجهيز المركز بنظام فعّال لإطفاء الحرائق والإنذار المبكر. وللمركز نفق تحت الأرض مزود بجميع المتطلبات، وتوفر الطاقة الشمسية نحو 75% من احتياجاته للكهرباء.

أجور رمزية

إضافة إلى الثقة التي اكتسبها المركز من مواطني إقليم كوردستان وخارجه، يقدم خدماته بأسعار مناسبة أقل بـ80% من الخدمات نفسها المقدمة في المستشفيات الأهلية. ويقول عثمان، إن «تلك المبالغ المخفّضة لا تؤثر في جودة الخدمات... وعليه، وفرت لحكومة إقليم كوردستان مبالغ لا بأس بها لاستخدامها في القطاعات والمشاريع الأخرى».

وأعرب عثمان عن أسفه، لأن «الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية العراقية التابعة للحكومة الاتحادية (كيمياديا) تمتنع عن إرسال الأدوية لنا منذ حوالي أربع سنوات». ويؤكد «شراء أدوية من شركات عالمية عالية المستوى»، وأوضح أن «الأدوية الموجودة في المركز تعد من أجود وأفضل الأنواع، ولا نشتري الأدوية من أي شركة ترفض وضع علم بلادها على المنتج»

ويضم مركز القلب في أربيل ثلاثة مراكز لتقديم الاستشارة إلى المرضى، وقسماً لتركيب الشبكة والبالون والقسطرة. ويتم معالجة تنظيم ضربات القلب مع إجراء العديد من العمليات الجراحية من ضمنها فتح الصدر وتغيير الشرايين والصمامات وتبديل الشريان الأبهر، وهي من العمليات فوق التخصصية، وقسطرة كهربائيات القلب وتنظيم كهربائيات القلب للكبار والصغار أيضاً.

وبيّن عثمان، أن «المركز يضم خيرة الأطباء من أصحاب الكفاءة والسيرة الحسنة ولهم الخبرة والباع الطويل في مجال الأمراض القلبية»، مؤكداً «اعتماد المركز في تقديم خدماته على الملاكات المحلية، وأن له خمسة أطباء وممرضين مخصصين للحالات الطارئة».

نحو 6 آلاف عملية جراحية منذ عام 2021

كما يضم مركز القلب في أربيل 540 موظفاً و120 طبيباً و420 ممرضاً، وآخرين ضمن الملاكات الصحية والخدمية. ويراجع المركز 200 مريض ويجري في صالاته بين 10 إلى 15 عملية جراحية في اليوم الواحد، أي أكثر 1500 عملية جراحية خلال السنة الواحدة، ويرقد فيه 140 مريضاً، أي بكامل الطاقة الاستيعابية.

ويرى مدير حسابات المركز فرهاد مولود صادق، أن ذلك «دليل على الثقة بكفاءة العمل والملاكات الطبية والصحية». وتظهر إحصاءات رسمية أن المركز أجرى خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، أي منذ عام 2021 أكثر من 5500 عملية جراحية.

وذكر صادق، في حديث لـ«كوردستان بالعربي»، أن «أعمال هذا المركز تتم من خلال 740 جهازاً كبيراً أو متوسطاً أو صغيراً، وهناك أجهزة بديلة ومواد احتياطية؛ لتلافي أي أخطاء قد تلحق بالأجهزة المنصوبة». وأشار إلى أن «للمركز خزيناً كبيراً من الأجهزة والمواد الاحتياطية والأدوية والمستلزمات الطبية، التي تكفي لعام كامل من دون الحاجة إلى استيرادها».

وأضاف صادق أن «المركز أشبه بمدينة للطب، فلا يحتاج المريض الذي يعاني من مشكلات في القلب اللجوء إلى مستشفيات أو مختبرات خارجية لإجراء الفحوص والعمليات، فلدينا جميع الأقسام المتعلقة بالقلب ونجري مختلف العمليات».

خدمات من زاخو إلى الفاو

جودة الخدمات ومهارة الأطباء والتعامل الجيد للعاملين مع المراجعين، وغيرها من العوامل دفعت مخلف أحمد حسين، 81 عاماً، لقطع مسافات طويلة تصل إلى 500 كلم حتى يصل إلى المركز ويرقد فيه. وقال حسين الذي أجرى له عملية ناجحة للقسطرة وفتح الصدر لـ«كوردستان بالعربي» إن «الراقدين هنا يشكرون إقليم كوردستان وحكومته وكافة العاملين في مركز القلب بأربيل الذين أولوا عناية فائقة بهم».

وتابع حسين أن «الجميع يشعرون بأنهم في مدينتهم، وليسوا ضيوفاً على إقليم كوردستان»، مبيناً أن «الخدمات هنا لا تقل عن تلك المقدمة في البلدان الأجنبية».

ولأقارب حسن مصطفى، من سكنة محافظة البصرة، 58 عاماً، تجارب ناجحة مع مركز أربيل للقلب، فقد شجّعته في اللجوء إليه لإجراء عملية فتح الصدر، وأشاد في الوقت ذاته بما تلقاه من عناية وتعامل جيدين.

وأضاف مصطفى في حديث مع «كوردستان بالعربي أن «المركز يوفر عناية وأجهزة وخدمات تشابه تلك التي يتلقاها المريض في الدول الأوروبية»، مشدداً على أن «الكثير من المراجعين الذين التقينا بهم، من سكنة محافظات خارج إقليم كوردستان منها ذي قار وبابل وكربلاء وبغداد».

ويعود صادق ليقول إن «التحول من النظام التقليدي إلى الإلكتروني كان من ضمن أولويات العمل في المركز»، مشيراً إلى أن «جميع مفاصل المركز بداية من بوابة الاستعلامات، ووصولاً إلى غرفة العمليات والأدوية، فضلاً عن الخدمات الأخرى تعمل وفق نظام إلكتروني عالمي».

وعدّ صادق هذه التجربة «فريدة من نوعها من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات؛ لتسريع المعاملات تماشياً مع سياسة الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان».

أسباب ازدياد الإصابات بالأمراض القلبية

تعد منظمة الصحة العالمية الأمراض القلبية الوعائية السبب الرئيس للوفاة في العالم، إذ تتسبب في وفاة نحو 17.9 مليون شخص كل عام. والأمراض القلبية الوعائية هي مجموعة اضطرابات تصيب القلب والأوعية الدموية وتشمل مرض القلب التاجي، ومرض الأوعية الدماغية، وداء القلب الروماتيزمي واعتلالات أخرى.

ويعزى أكثر من أربعة أخماس وفيات الأمراض القلبية الوعائية إلى النوبات القلبية والسكتات، ويحدث ثلث هذه الوفيات مبكراً عند أشخاص تقل أعمارهم عن 70 عاما.

ويعد النظام الغذائي غير الصحّي والخمول البدني وتعاطي التبغ وتعاطي الكحول على نحو ضار من أهم عوامل الخطر السلوكية للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، كما يمثل تلوّث الهواء عاملاً مهماً من بين عوامل الخطر البيئية.

ويؤكد شوان عثمان ازدياد الأمراض المتعلقة بالقلب، عازياً السبب إلى «الحضارة والتطور، لأنهما قد جاءا بسلبيات وإيجابيات كثيرة». وأوضح أن «أجهزة الهاتف المحمول وغيره من وسائل التكنولوجيا تعد من النتاجات البشرية المهمة، لكن الإفراط في استخدامها أدى إلى زيادة الأمراض القلبية».

ويعد انشغال الناس بالحياة بنحو أكبر وازدياد القلق النفسي والطعام غير الصحي وكثرة دهونه مع تلوث البيئة إلى جانب تدخين السجائر الإلكترونية والأراجيل وقلة النوم والحركة، عوامل أخرى أدت إلى زيادة أمراض القلب.

ويضيف عثمان أن «نتائج البحوث العلمية في مركز القلب بأربيل على الأشخاص الذين يعانون أمراض القلب، الذين هم دون السن الـ36 عاماً، أظهرت أن سبب هذا المرض هو نسبة الدهون الكبيرة في الأطعمة غير الصحية والتدخين، وهذا أمر يمتد إلى بلدان أخرى مثل تركيا وإيران وأوروبا». ودعا «الشباب إلى ممارسة الرياضة بنحو مستمر والابتعاد عن التدخين وتناول الوجبات السريعة والاستخدام المفرط لوسائل التكنولوجيا، لتلافي خطر الإصابة بأمراض القلب مستقبلاً».

 


هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved