عنوان يختزل كثيراً من المعاني، ويتركب من مفردتين كبيرتين، والعلاقة بين هاتين المفردتين يتدخل بها كثيرٌ من العوامل، منها ما هو اقتصادي، ومنها ما هو سياسي، ومنها ما هو اجتماعي وخارجي وداخلي.. وسوف نركز على بعض الوثائق التي بحوزتنا وفي مركزنا ـ مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر ـ بشكل مختصر.
تمهيد:
قبل الدخول في صلب هذه الوثائق لا بد من تقديم مقدمة مختصرة يتضح بها بعض الأمور.
إن هذه الأرض المحددة بحدود قد ضمّت مختلف القوميات والمذاهب، لكنْ هناك روابط بينها من عادات وتقاليد واقتصاد واجتماع وغيرها، قد جمَعت المجتمع وصهرتْه وجعلتْه مجتمعاً واحداً.
ومن هذه القومياتِ القوميةُ الكوردية والقومية العربية، فقد اجتمعوا على هذه الأرض، أعني العراق، وكانت بينهم روابط كثيرة، وأهم هذه الروابط هو الإسلام الحنيف.
حوزة النجف الأشرف والقضية الكوردية عام 1961
كان عبد الكريم قاسم يعتقد أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يشكل عقبة في طريق حكمه الفردي، فبدأ يطارد قادته ويعتقلهم، وأُغلقت صحيفته «خَبات»، في مارس 1961م، بتهمة نشرها مقالاً، ناقشت فيه المادتين الثانية والثالثة من الدستور المؤقت.
فتوجه الجيش العراقي لضرب التجمع الكوردي المسلح في المنطقة الشمالية، الذي يقاوم سياسة الحكومة، لكن البارزاني حاول تخفيف حدة التوتر، والحيلولة دون وصولها إلى تصادم مسلح.
لم أشاهد أثراً للنجف الأشرف في القضية الكوردية في هذه المرحلة ما عدا موقف للإمام الشيخ علي كاشف الغطاء عندما نشر في مجلة «الغري» مقالة بعنوان «الأخوة بين العرب والكورد» وذكر صاحب المجلة أنّ «الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء يؤكد الأخوة بين العرب والأكراد، فقد ألقى سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء في محضره الديني بعد التدريس مرة ثانية عندما تعرض للأخوّة التي ناشدها الإسلام وأكد في أخوّتها، محاضرة قيمة حول «العلاقة الدينية والودية بين العرب وإخواننا الأكراد» وسوف نذكرها بالتمام في موقف الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء من القضية الكوردية.
القضية الكوردية في زمان عبد السلام عارف
شهد عام 1963 بداية جديدة لتطور المسألة الكوردية؛ إذ ظهرت معسكرات تدريب البيشمركة الأكراد، سواء في إيران أو في كوردستان العراق.
موقف الإمام السيد محسن الحكيم من القضية الكوردية
وكان موقفه بالنسبة لهذه القضية موقفاً معارضاً مع الدولة، وله تدخلات كبيرة ولابنه اجتماعات وخطوط مع موفد الأكراد.
ونحن في هذا المضمار نعرض الوثائق والمراسلات التي جرت بين الطرفين، وقد حصلنا على الوثيقة التي بعث بها ملا مصطفى بارزاني للسيد الإمام الحكيم طالباً منه الوقوف ضد قرار الحكومة بالقتال والمؤرخة في 5/3/1965، وجوابها وسوف نلحقها بآخر هذا المقال، وقد جاء فيها:
(بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة حجة الإسلام السيد محسن الحكيم أدامه الله ذخراً للمسلمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأرجو لسماحتكم أن تكونوا بخير على الدوام.
قال سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا * فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ * فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ» صدق الله العظيم
لا شك أن سماحتكم على علمٍ تام بأن القتال بين المسلمين في العراق قد فرض علينا أيام قاسم وأيام البعثيين الظالمين رغم محاولاتنا المتكررة في العمل المتواصل من أجل وقف إراقة الدماء بين المسلمين).
موقف الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء من القضية الكوردية
حاول الشيخ الإمام كاشف الغطاء بكل الوسائل التركيز على الأخوّة بين الكورد والعرب، فتراه في كل محفل وفي كل فرصة يغتنمها ليذكِّر بهذه الوحدة، فقد جاء في مقالةٍ له في مجلة الغري، عدد كانون الأول 1958.
«الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء يؤكد الأخوّة بين العرب والأكراد»
ألقى سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء في محضره الديني بعد التدريس مرة ثانية عندما تعرض للأخوّة التي ناشدها الإسلام وأكد في أخوتها، محاضرة قيّمة حول العلاقة الدينية والودية بين العرب وإخواننا الأكراد.
وذكر سماحته ما قام به الأكراد من التضحية في سبيل الإسلام والمسلمين، وما قاموا به من الجهود العظيمة في الذبّ عن العرب وحقوقهم، واستشهد على ذلك بعدة قضايا جبارة قام بها الأكراد».
موقف السيد الشهيد الصدر تجاه القضية الكوردية
شهد العراق في بدايات مرجعية الإمام السيد الصدر تجدُّد القتال في کوردستان العراق في آذار1974، وكان للإمام السيد الصدر رؤيته الإسلامية للمشكلة وطريقة حلها، وقد طرحها في محاضراته عام 1969 بعنوان «المحنة» وقد تطرق الإمام الصدر في محاضراته تلك إلى موضوع الأكراد والذي يقول فيه:
«مثلاً هناك محنة يعيشها العراق منذ سنين وسنين، محنة صراعٍ مسلح بين أخوين مسلمين في الشمال، بين بعض الأكراد وبعض العرب، هذه المحنة يعيشها العراق. قد يكون شعور بعض الناس إزاء هذه المحنة أن هذه المحنة كلفته ولده، كلفته أخاه، كلفته صديقه؛ لأنه أُخذ أخوه أو أُخذ صديقُه إلى المعركة فقُتل، قد يعيش هذه المحنة على هذا المستوى، ويشعر بها بهذه الدرجة. وهذا هو الشعور الشخصي المحدود بالمحنة، وأخرى يتعمق هذا الشعور أكثر فأكثر، فيكون شعوره إزاء المحنة شعوراً إقليمياً على أساس أن أبناء البلد الواحد يتصارعون ويتنازعون فيما بينهم، وهذا الشعور والانفعال الإقليمي تجاه المشكلة يؤدي إلى اتخاذ موقف أوسع من الموقف الأول»، إلى آخر ما ذكره .
وقد صَرَّح لشبابٍ يستفتونه حول هذه المسألة لكي ينقلوها إلى غيرهم، ففي نهاية عام 1974 زاره مجموعة من الشباب من خريجي الجامعات والمعاهد ـ وكان عددهم 20 شخصاً ـ في مكتبه وكانوا من الجنود الاحتياط، وقد نُقلوا إلى شمال العراق. فجاءوا يأخذون الموقف الشرعي، فسأله الشهيد كاظم جودة: نسبنا إلى شمال العراق، فهل يجوز قتال الأكراد؟
الشهيد الصدر: لا يجوز، لأنهم مسلمون.
کاظم عودة: قد يجبروننا على القتال، ويزجوننا في الخطوط الأمامية؟
الشهيد الصدر: إذا اضطررتم فوجهوا أسلحتكم إلى الأعلى، وأطلقوا النار في الهواء؛ لأنه لا يجوز قتلهم).
وبعد استشهاد السيد الشهيد برزت مواقف لعلماء النجف الأشرف، ولكنْ ليس من الحوزة النجفية؛ بسبب الضغط الإجرامي الذي استخدمه صدام ضد هذه الحوزة المباركة.
المرجع الأعلى آية الله العظمى الإمام السيستاني دام ظله
واستمر الموقف إلى أن استلم الراية المرجع الأعلى الإمام السيستاني دام ظله، وقد أصدر بيانات وتوجيهات كثيرة إلى الإخوة الكورد ليس في وسعنا حصرها، ونذكر نموذجاً لها.
(أسئلة مجلة «دير شبيغل» الألمانية)
بسمه تعالى
9) الأكراد يطالبون بنظام فيدرالي مبني على أسس قومية وجغرافية، فما ترون في ذلك؟
فولكهارد فيندفور
مراسل العالم العربي لمجلة «دير شبيغل»
بسم الله الرحمن الرحيم
الجواب التاسع:
إن أصل الفيدرالية ونوعها المناسب للعراق مما يجب أن يقرره الشعب العراقي عبر ممثليه المنتخبين لمجلس كتابة الدستور، فعلى الجميع التريث وعدم البتّ في الأمر إلى ذلك الحين. ومن المؤكد أن ممثلي الشعب الكوردي العزيز في مجلس كتابة الدستور سيتوصلون مع سائر إخوانهم العراقيين إلى صيغة مُثلى تحفظ وحدة العراق كما تحفظ حقوق جميع أعراقه وقومياته.
مكتب سماحة
آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)
النجف الأشرف
(24 ذي الحجة 1424هـ)
وعند انتشار قوات عراقية في كركوك اعتبر السيد السيستاني انتشار هذه القوات في كركوك ومناطق أخرى ليس انتصاراً لطرف وانكساراً لآخر، ودعا الحكومة إلى طمأنة الأكراد وحمايتهم والحفاظ على ممتلكاتهم وحقوقهم الدستورية، ودعا القادة الأكراد بالتعاون معها لحل الأزمة الحالية تحت سقف الدستور.
كما نقلت جريدة «إيلاف» من لندن: قال الشيخ عبد المهدي الكربلائي المعتمد الشرعي للمرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله السيد علي السيستاني خلال خطبة الجمعة.
آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله
صدرت من آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله توجيهات ومواقف من القضية الكوردية، حيث جاء ما نصه نقلاً عن الكاتب الأستاذ عباس الكتبي:
(ينقل لنا المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد محمد سعيد الحكيم دام ظله:
أَسمعُ خلال هذه الأيام كلاماً يردده سياسيو الأزمات كالببغاوات، ويسوقونه عبر الفضاء الإعلامي إلى الجماهير، خطاب يحمل في طياته البغض والكراهية، والتهديد والوعيد ضد الأكراد، ومختصر هذا الخطاب: «سنقاتل الأكراد، ونرجعهم إلى الكهوف».
شعب كوردستان العراق شعبٌ ناضل وكافح وجاهد من أجل قضيته الكوردية، ولاقى ما لاقى من الأذى، والظلم، والتعسف، والتهميش، والقسوة، والعنف، والاضطهاد، على مرِّ السنين الطويلة، إلى أن أنعم الله عليهم بإقليم الأمن والاطمئنان).
هذا ما استطعنا أن نكتبه في هذه العجالة لحدثٍ له أهمية كبرى في القضية العراقية التي ما زالت معقدة.
الشيخ محمد الكرباسي: مؤسس ورئيس مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر