بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول عام 2024، بزغ أمل جديد في جزء آخر من كوردستان؛ كوردستان التي تم تقسيمها في ظل حكم الإمبراطورية العثمانية على العراق وتركيا الجديدة وسوريا بموجب اتفاقية سايكس بيكو. ولطالما سعى الكورد منذ ذلك الحين للحصول على حقوقهم بشكل منفصل عن هذه الدول وبشكل جماعي مستخدمين شتى سبل المقاومة وحرب العصابات والنضال المدني والثقافي.
وقد أكد الرئيس مسعود بارزاني في كلمته بالجامعة الأميركية في كوردستان، في تشرين الثاني 2024 أن «مشكلة الأمة الكوردية بعد الحرب العالمية الأولى، كما نعلم جميعاً، هي إعادة تقسيم المنطقة، ولا أعتقد أن هذا التقسيم راق للعرب، والكورد، والأتراك، والفرس. لقد كان ذلك واقعاً وتم فرضه علينا، وتعرض الكورد نتيجة لذلك إلى أكبر انتكاسة وظلم وقمع.
كما صرّح الرئيس بارزاني بأن «إنكار وجود الأمة الكوردية استمر لمدة 100 عام، وأن الكورد قاوموا وناضلوا لمدة 100 عام من دون أن يتمكنوا من تغيير هذا الواقع». «فماذا يعني هذا لنا؟»، سأل الرئيس بارزاني وتابع كلمته مذكّراً الجميع بأنه «يجب أن نجلس ونفكر في حل سلمي وأخوي واحترام وقبول متبادل. هذه هي الطريقة الصحيحة لحل هذه المشكلة».
وكانت حكومة إقليم كوردستان العراق قد أعربت عن تمنياتها بالسلام والاستقرار لسوريا في اليوم الأول من سقوط الأسد، معبرة في نفس الوقت عن مخاوفها من بروز المشاكل العرقية والطائفية بين مكونات سوريا. وأصرت الحكومة على ضرورة التوصل إلى اتفاق يصب في مصلحة جميع مكونات سوريا والتعايش والسلام والاستقرار».
وفي تصريحات مصورة، صرح الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع في دمشق أن «الكورد جزء مهم من سوريا. وقد تعرضوا للكثير من الجور والقمع مثلنا وبإذن الله مع زوال النظام سيزول الظلم عنهم ويحصلون على حقوقهم بموجب القانون. ونأمل أن يبدأ مستقبل جديد للشعب الكوردي».
وفي تعقيب على هذا التصريح قال الرئيس بارزاني: «إننا نرحب بهذه النظرة تجاه الكورد ومستقبل سوريا، ونأمل أن تكون هذه بداية لتصحيح مسار التاريخ وتصحيح المعاملة الخاطئة بحق الشعب الكوردي في سوريا». وأضاف أن «هذه النظرة تفضي إلى بناء سوريا قوية، ويجب على الكورد والعرب وجميع المكونات الأخرى في سوريا أن يغتنموا هذه الفرصة للمشاركة في بناء سوريا مستقرة وحرة وديمقراطية يداً بيد».
يشكل الكورد، ثاني أكبر قومية في سوريا، وتبلغ نسبتهم حوالي 10% من السكان ويتوزع معظمهم في محافظتي الحسكة وحلب. كما ينتشرون في أماكن مختلفة، ويسكن العديد منهم أيضاً مناطق جبل الكورد في اللاذقية وكذلك في دمشق.
بعد إنشاء الدولة السورية في القرن العشرين، واجه الكورد القمع والحرمان والتهميش، ناهيك عن التعريب، وهي عملية مشابهة لنظيرتها العراقية، حيث تم جلب المواطنين العرب ليحلوا محل الكورد الذين أُجبروا على الخروج من قراهم كمحاولة لتغيير التركيبة السكانية للبلاد بشكل كامل. وعلاوة على ذلك، حُظرت اللغة الكوردية في التعليم لعقود طويلة إلى الآن، وجُرد عدد كبير من الكورد من الجنسية السورية، وتمت الإشارة إليهم في بطاقات خاصة كأجانب محرومين من كافة حقوق المواطنة كالتملك والالتحاق بالجيش والسفر إلى الخارج وسوى ذلك.
وقد شهدت المنطقة احتجاجات وانتفاضات عديدة من قبل الكورد للمطالبة بحقوقهم وأبرزها انتفاضة القامشلي عام 2004، التي قُمعت جميعها وقام النظام بتعذيب وسجن نشطاء المجتمع المدني. وفي خضم احتجاجات عام 2011 وثورة الشعب السوري التي تلتها، كان للكورد دور مهم فيها إذ تمكنوا من إدارة ما يصل إلى 40% من سوريا والسيطرة عليها. وفيما بعد تشكلت قوات مسلحة تحت اسم «قوات سوريا الديمقراطية - قسد» (SDF) ولعبت دوراً حاسماً في محاربة تنظيم داعش بالتنسيق مع التحالف الدولي.
شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي (HDS) قمعاً سياسياً ولم يكن يُسمح للأحزاب السياسية المعارضة بأي مجال للنشاط السياسي، مما دفع العديد من الكورد - للأسف - إلى اللجوء إلى إقليم كوردستان ودول أخرى.
وبعد سقوط الأسد، طالب السياسيون والأكاديميون الكورد بمزيد من الدعم من إقليم كوردستان والرئيس بارزاني. وكانوا يأملون في أن يستخدم إقليم كوردستان علاقاته وإمكانياته بما يخدم النضال السلمي في سبيل حقوق الكورد في سوريا. وفي رسالة لافتة، قال قائد «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي: «نأمل أن يكون لإقليم كوردستان دور أكبر في روجافا - غرب كوردستان - حتى نتمكن من حماية إنجازاتنا». وأضاف قائلاً «لإقليم كوردستان دور كبير وخاصة الدور المؤثر للرئيس بارزاني، لذا آمل أن يدعمنا في سبيل توحيد القوى السياسية وتعزيز حقوقنا والقضاء على التهديدات».
بعد هذه الرسالة بالذات، قام الدكتور حميد دربندي الممثل الخاص للرئيس بارزاني، بزيارة روجافا، غرب كوردستان، والتقى مظلوم عبدي. وكشفت «قسد» في بيان لها أن الرئيس بارزاني طالب الأطراف السياسية كافة بتوحيد الصفوف وأكد على أهمية توحيد الصف الكوردي وتعزيز التعاون المشترك لمواجهة التحديات الراهنة في سوريا.
وأعرب مظلوم عبدي من جانبه، عن امتنانه للرئيس بارزاني ودعمه، وأكد أن المرحلة الحالية تتطلب تضافر الجهود بين كافة الأطراف الكوردية لتحقيق الاستقرار والحفاظ على مصالح الشعب الكوردي.
وفي وقت لاحق، اجتمع التكتلان الكورديان الرئيسيان في سوريا، «المجلس الوطني الكوردي في سوريا»، وهو تحالف يضم معظم الأحزاب السياسية الكوردية في سوريا، ووفد من حزب الاتحاد الديمقراطي (الذي تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكوردستاني PKK) عدة مرات. وقد حظيت الاجتماعات بدعم الولايات المتحدة وفرنسا بهدف تعزيز الوحدة من أجل تشكيل وفد موحد للتفاوض مع القيادة الجديدة لسوريا ما بعد الأسد والمشاركة في الدستور السوري لضمان حقوق الكورد وتطلعاتهم.
وفي وقت لاحق استقبل الرئيس بارزاني قائد «قسد» مظلوم عبدي في أربيل، وتم الإعلان عن أن «الزعيمين ناقشا الوضع الحالي في سوريا، بما في ذلك آخر التطورات الأمنية والسياسية». كما تم التداول حول الإطار العام لمعالجة الظروف المستجدة في سوريا وأهمية بناء موقف موحد بين الأحزاب الكوردية.
وأكد الرئيس بارزاني والسيد عبدي على أنه «يتوجب على الأحزاب الكوردية في سوريا أن تحدد مستقبلها بشكل مستقل ومن دون تدخل خارجي، بالاعتماد على الوسائل السلمية لحماية حقوقها». كما اتفقا على «أهمية الوحدة والتضامن مع حكام سوريا الجدد لتحقيق التفاهم المتبادل والاتفاق بهدف تعزيز السلام والاستقرار ومنع تكرار المعاناة التي تحمّلها الشعب الكوردي والمكونات الأخرى في سوريا».
شمال عبد الله
صحفي كوردي شغل عدة مناصب منها مدير أخبار قناة كوردستان 24 ورئيس تحرير موقع باسنيوز