«دافوس» يعكس مكانة كوردستان الاستراتيجية
«دافوس» يعكس مكانة كوردستان الاستراتيجية

في صباحٍ شتوي بارد، حطت طائرة رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني على أرض سويسرا، حيث تتعانق قمم جبال الألب مع السحب البيضاء في منتجع «دافوس» الساحر. لم تكن هذه مجرد زيارة عابرة، بل كانت محطة مهمة في رحلة دبلوماسية بدأت من الإمارات، مروراً بالأردن، لتصل إلى قلب أوروبا حيث يجتمع صناع القرار العالمي في المنتدى الاقتصادي العالمي بدورته الخامسة والخمسين.

وصل بارزاني إلى سويسرا للمشاركة في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس»، الذي يُعقد هذا العام تحت شعار «التعاون من أجل العصر الذكي». وتأتي هذه المشاركة بعد جولة إقليمية شملت لقاءً مع الشيخ محمد بن زايد في الإمارات والملك عبد الله الثاني في الأردن يوم الأحد 19 كانون الثاني 2025.

وتضمن جدول أعمال رئيس الحكومة سلسلة من الاجتماعات المهمة مع قادة العالم وكبار المسؤولين، حيث سيتم التركيز على تعزيز التعاون الثنائي مع إقليم كوردستان، خاصة في المجالات الاقتصادية والاستثمارية. وفي خطوة مميزة، نظم «بيت كوردستان» في دافوس، الذي افتُتح العام الماضي بمبادرة من رئيس الحكومة، مجموعة من الفعاليات للتعريف بإمكانات الإقليم وفرصه الاستثمارية.

وقد حفل اليومان الأول والثاني من زيارة بارزاني بسلسلة من اللقاءات المهمة، إذ التقى برئيس وزراء بلجيكا ألكسندر دي كرو، الذي أكد على أهمية مكانة إقليم كوردستان وحرص بلاده على توطيد العلاقات معه. كما عقد اجتماعاً مع وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، الذي نقل تحيات القيادة السعودية وأكد رغبة المملكة في تطوير العلاقات الثنائية.

وفي لقاء آخر مهم، اجتمع بارزاني مع رئيس مجلس الوزراء وزير خارجية دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، حيث ناقشا العلاقات الثنائية والوضع في العراق وسوريا. كما التقى برئيس وزراء هولندا ديك شوف، وتناول معه سبل تطوير العلاقات الثنائية والتطورات في الشرق الأوسط، خاصة في سوريا.

وتعليقاً على زيارة بارزاني إلى «دافوس»، أكد كفاح محمود، المستشار الإعلامي للرئيس مسعود بارزاني، في حديث خاص لمجلة «كوردستان بالعربي»، أن مشاركة رئيس وزراء إقليم كوردستان، في المنتدى الاقتصادي العالمي في «دافوس» تُعد إنجازاً مهماً، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المضطربة التي يشهدها الشرق الأوسط.

وأشار محمود إلى أن حكومة إقليم كوردستان نجحت في الحفاظ على وتيرة الاستثمار والتقدم الاقتصادي، رغم التحديات الكبيرة التي واجهتها، وخاصة الأزمة مع الحكومة الاتحادية في بغداد وتوقف صادرات النفط منذ آذار 2023. وأضاف: «من المنظور السياسي، تُعد مشاركة رئيس الوزراء في مؤتمر بهذا المستوى نجاحاً للحكومة وبرنامجها الإصلاحي».

وشدد المستشار الإعلامي على أن الإقليم أثبت قدرته على جذب الاستثمارات رغم الضغوط الخارجية التي استهدفت إعاقة مسيرة التنمية. وقال: «نجحت حكومة مسرور بارزاني في تحويل الإقليم إلى بيئة جاذبة للاستثمار خلال السنوات الست الماضية، ويتجلى ذلك في المشاريع الاستراتيجية المنتشرة في مختلف المدن، سواء في القطاع الزراعي أو الصناعي أو البنية التحتية».

وأكد محمود على أن مشاركة رئيس الوزراء في منتدى «دافوس» وما طرحه من رؤى استثمارية سيسهم في دفع عجلة التنمية في الإقليم نحو مستقبل أكثر ازدهاراً وتقدماً.​​​​​​​​​​​​​​​​

العلاقات الدولية وآفاق التعاون مع بغداد

وأوضح المستشار الإعلامي كفاح محمود أن أربيل تمتلك شبكة علاقات دولية واسعة تشمل دول الجوار والمنظومة العربية، لا سيما دول الخليج العربي. وأشار إلى العلاقات المتينة مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا واليابان وكوريا، مؤكداً أن وجود ممثلين دبلوماسيين لهذه الدول في أربيل، «يعكس احترام المجتمع الدولي للتجربة الكوردستانية التي نجحت في الحفاظ على أمن الإقليم وسط منطقة مضطربة بالصراعات».

وحول تأثير زيارة «دافوس» على مستقبل العلاقة مع بغداد، أكد محمود أن لها تأثيراً كبيراً على العديد من الملفات، معرباً عن أمله في أن تسهم مشاركة بغداد وأربيل في مؤتمر «دافوس» في دفع الحكومة الاتحادية نحو حل الإشكاليات القائمة والابتعاد عن سياسة الندية في التعامل مع الإقليم. وشدد على أهمية تبني نهج وطني يخدم العراق بأكمله، موضحاً أن «أي تقدم يحرزه إقليم كوردستان في المجالات الزراعية والصناعية والعمرانية يصب في المصلحة العراقية العامة».

وأضاف محمود أن حكومة إقليم كوردستان برئاسة مسرور بارزاني نجحت خلال السنوات الماضية في إقناع معظم دول الجوار بأن الإقليم لا يضع في أجندته أي نوع من الصراعات أو التدخل في شؤونها الداخلية. وأكد «أن المنظومة الاقتصادية والزراعية والصناعية في الإقليم تركز على التنمية المحلية والعمل المشترك مع جميع الدول بما يحقق المنفعة المتبادلة».

علاقات دولية ناجحة

من جانبه أكد أستاذ العلاقات الدولية، الدكتور مهند الجنابي، في حديث خاص لمجلة «كوردستان بالعربي» أن مشاركة بارزاني، في منتدى «دافوس» الاقتصادي العالمي تكتسب أهمية استثنائية، مشيراً إلى أن المنتدى يمثل منصة عالمية تجمع صنّاع القرار من الدول المؤثرة والشركات والفاعلين الدوليين في النظام العالمي.

وشدد الجنابي على أن الحضور المستمر لإقليم كوردستان في منتدى «دافوس» يعكس أهميته الاستراتيجية ونجاحه في بناء علاقات بعيدة المدى، مما ينعكس إيجاباً على أمن الإقليم وشراكاته المستقبلية مع القوى الكبرى. وأضاف أن هذه المشاركة تفتح آفاقاً واسعة في مجالات التنمية والتطوير الاقتصادي وتنويع مصادر الدخل، معتبراً إياها «بوابة لمعالجة التحديات التي يواجهها الإقليم».

وأوضح أستاذ العلاقات الدولية أن إقليم كوردستان، رغم كونه جزءاً من العراق الاتحادي، لكنهُ يتمتع بتاريخ سياسي يسبق النظام السياسي لما بعد 2003، مستذكراً القرارات المهمة التي أصدرها مجلس الأمن في بداية التسعينات والمتعلقة مباشرة بالإقليم. وأشار إلى أن الاستراتيجية الناجحة التي اتبعها الإقليم في علاقاته الخارجية «مكّنته من تجاوز تحديات جمة وحماية تجربته السياسية من محاولات التقويض الداخلية والخارجية».

وأكد الجنابي على أن العلاقات الخارجية والتواصل المستمر ساهما بشكل كبير في حماية أمن الإقليم وكيانه الدستوري، مشيراً إلى أن «المجتمع الدولي ينظر إلى إقليم كوردستان كواحة استقرار في منطقة مضطربة». ولفت إلى أن «صنّاع القرار في الإقليم نجحوا في تقديم نموذج إيجابي للعلاقات الدولية، مما عزز مكانته على الساحة العالمية».​​​​​​​​​​​​​​​​

تجربة كوردستان نموذجاً للمنطقة

وحول الانعكاسات الاقتصادية والسياسية لهذه المشاركة على المشهد العراقي، أوضح الجنابي أن الفرص متاحة بشكل كبير على المستويات الاقتصادية والسياسية والأمنية، بما يسهم في تحول العراق إلى دولة مصدّرة للاستقرار والتنمية في المنطقة. غير أنه أشار إلى وجود معوقات داخلية تحد من الاستفادة من التجارب العالمية والعلاقات الدولية.

وسلط أستاذ العلاقات الدولية الضوء على أبرز هذه المعوقات قائلاً: «تشكل القضايا التشريعية والخلافات حول القوانين والصلاحيات الدستورية مصدراً لعدم الاستقرار في العراق». وأضاف أن تجاوز الأطراف السياسية العراقية لهذه العقبات من شأنه أن يرسم مساراً صحيحاً في إدارة قضايا التنمية والاستفادة من المبادرات الخارجية.

وفيما يتعلق باللقاءات التي عقدها بارزاني في «دافوس»، أكد الجنابي أنها كانت «منتجة وبناءة للثقة»، مشيراً إلى أن حكومته تحظى بثقة العديد من الأطراف المشاركة في المنتدى. واعتبر هذه الثقة عاملاً مهماً في جذب الاستثمارات وخلق الفرص وصياغة المبادرات.

ونوه الخبير في العلاقات الدولية إلى تركيز بارزاني المستمر على صياغة مبادرات تدعم الأمن الإقليمي، معتبراً إياه «العنصر الأهم في جذب الاستثمارات وتعزيز التجارة الخارجية بين مختلف الدول».

واختتم الجنابي حديثه بتأكيد إمكانية امتداد التجربة الناجحة لإقليم كوردستان إلى العراق ودول المنطقة التي خرجت مؤخراً من أتون الحروب، مشدداً على أن نجاح هذا الامتداد «يتوقف على النوايا الحقيقية من جميع الأطراف في المنطقة».

«بيت كوردستان»

ويُعد افتتاح «بيت كوردستان» في دافوس حدثاً مميزاً في مسيرة مشاركة إقليم كوردستان بالمنتدى الاقتصادي العالمي. وقد عبّر بارزاني، خلال حفل الافتتاح يوم الاثنين 20 كانون الثاني 2025، عن سعادته بالمشاركة للعام الثاني تحت مظلة «بيت كوردستان»، مؤكداً أن مشاركة الإقليم في المنتدى تمتد لسنوات عديدة.

وفي لفتة إنسانية مؤثرة، استذكر رئيس الحكومة مسرور بارزاني الشهيد پيشرَو دزَيي، الذي كان من المقرر أن يشارك في فعاليات العام الماضي، لكن الظروف حالت دون ذلك واستشهد بشكل مأساوي. وأشار بارزاني إلى أن حضور نجل الشهيد، روج، في فعاليات هذا العام يمثل استمراراً لإرث والده.

وخلال كلمته، قدم رئيس الحكومة شكره للمساهمين في تأسيس «بيت كوردستان»، مشيداً بصفة خاصة بجهود خالد خوشناو الذي أشرف على عملية البناء. كما أكد بارزاني على رؤية الإقليم المستقبلية، معرباً عن تطلعه لأن يصبح إقليم كوردستان بوابة للعراق والمنطقة في مجال التنمية الاقتصادية.

وتعكس هذه المشاركة النوعية في منتدى «دافوس»، مع وجود مقر دائم يحمل اسم «بيت كوردستان»، حرص قيادة الإقليم على تعزيز حضورها في المحافل الدولية وتوسيع شبكة علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية على المستوى العالمي.​​​​​​​​​​​​​​​​

يُذكر أن منتدى «دافوس» لهذا العام يجمع نحو 3 آلاف شخصية بارزة من أكثر من 130 دولة، ويناقش تحديات عالمية مهمة، حيث أظهر مسح للمنتدى أن الصراع المسلح يُعد الخطر الأكبر في عام 2025.​​​​​​​​​​​​​​​​


رياض الحمداني

صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية الدولية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved