يُعدُّ شهر آذار من الأشهر المميزة في تاريخ كوردستان، يحمل بين طياته معانٍ وطنية وتاريخية عميقة، حيث تبرز في هذا الشهر العديد من الأحداث المفصلية، التي شكّلت محطات فارقة في مسار الحركة الكوردية، في مقدمتها، ذكرى انتفاضة الشعب الكوردي عام 1991، ثم اتفاقية الحكم الذاتي عام 1970، يليها عيد النوروز ورأس السنة الكوردية.
الانتفاضة الكوردية
انطلقت الانتفاضة الكوردية في 5 آذار عام 1991 ضد النظام العراقي السابق، لتشكّل بداية حقبة جديدة لكوردستان، كانت الشرارة الأولى، من قضاء رانية التابعة لمحافظة السليمانية، حيث تمكّن الكورد من السيطرة على كافة مقرات ومكاتب القوات العراقية العسكرية والأمنية، وانتشر خبر تحرير رانية كالنار في الهشيم، لتتبعها سلسلة انتفاضات في معظم المدن الكوردستانية.
وبعد نجاح الانتفاضة، انبثق أول برلمان في المنطقة الكوردية، بعد إجراء انتخابات حرة، في أيار/ مايو 1992 وتولى بدوره إقرار التشريعات والقوانين، ثم قررت حكومة إقليم كوردستان اعتبار 5 آذار من كل عام عطلة رسمية إحياءً لذكرى الانتفاضة.
وفي تصريح للمصور البريطاني «ريشارد وايمان» الذي عمل مع العديد من الفصائل الكوردية خلال فترة الثمانينيات، يقول: في ذروة الانتفاضة فقدت القوات الحكومية السيطرة على 14 من محافظات العراق الـ 18، ووصل القتال الى مشارف العاصمة بغداد.
الحكم الذاتي
وفي هذا العام، تحتفل كوردستان بالذكرى الرابعة والخمسين لاتفاقية الحكم الذاتي للكورد في 11 آذار عام 1970، وهي اتفاقية تم توقيعها بين الحكومة العراقية وقيادة الثورة الكوردستانية، متمثلة بالزعيم الكوردي مصطفى البارزاني، وفيها اعترفت الحكومة العراقية بالحقوق القومية للكورد، مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في أعمال الحكومة واستعمال اللغة الكوردية في المؤسسات التعليمية.
وفتحت هذه لاتفاقية صفحة جديدة، للعلاقات داخل المجتمع العراقي والكوردستاني، اعتبرها الكورد حينها نقطة تحوّل في فكر وسيرة نظام الحكم العراقي منذ تاسيس الدولة العراقية عام 1921، التي كانت مركزية شمولية نخبوية أحادية الجانب، ولهذه الاتفاقية مكانة بالغة الأهمية في نفوس الكورد، حيث تعتبر اعترفاً رسمياً ودستورياً من الدولة العراقية بحقوقهم.
عيد نوروز
ويعود الاحتفال بعيد النوروز في 21 آذار إلى آلاف السنين، تختلف أسباب الاحتفال المأخوذة من القصص الشعبية بحسب ثقافات الشعوب المختلفة، لكنها تتفق جميعاً على أن النوروز هو عيد الربيع الذي تبدأ مع قدومه دورة حياة جديدة بعد زوال فصل الشتاء البارد، ويتعامل الكورد مع النوروز باعتباره عيداً وطنياً، يعزّز الروابط القومية الكوردية.
وفي الرواية الكردية، يقول الروائي الكوردي السوري «جان دوست» لمجلة «كوردستا بالعربي»: تدور الحكاية كلها حول «كاوا الحداد»، الذي يعتبره الشعب الكوردي فارس الحرية ورمز الثورة، بعد أن قتل الملك الظالم.
ويحكي الروائي «جان دوست» تفاصيل القصة: إن قصة المناضل «كاوا حداد»، تحمل في طياتها جذراً حقيقياً، لكنه غير معروف، تقول الأسطورة: إنه في إحدى مناطق إقليم كوردستان، كان يعيش ملك ظالم، يسمى في المصادر العربية «الضحّاك»، وفي المصادر الكوردية «أجداهاك»، أصيب هذا الملك بمرض، حيث نبت ثعبانين بين أكتافه، ثم تنكّر إبليس بزي طبيب، وقال للملك إن الدواء الوحيد للشفاء من هذين الثعبانين هو إطعامهما أدمغة الشباب.
ويكمل الروائي «جان دوست»: يقرر الملك الاستماع لنصيحة إبليس، يبدأ بقتل شابين كل يوم، وعندما يأتي دور الشاب الكوردي «كاوا الحداد»، الذي تصوّره الحكاية على أنه رجل قويّ مفتول العضلات، يقتل الملك بمطرقته، يُقال: «يهوي كاوا بمطرقته على رأس الملك الظالم»، ثم يخرج إلى الجبل يشعل النار، ليخبر أهل المنطقة أنه قتل الملك الظالم، أي النار على الجبل كانت إشارة إنه تم قتل الملك. ثم يخلع زي الحداد الذي كان يرتديه ويرفعه كالعلم، بالفارسية تلفظ «درفشه كاوا ياني» أي العلم الكاوي نسبة إلى كاوا الحداد.
وصادف قتل «كاوا حداد» للملك الظالم، في 21 آذار، منذ ذلك الحين يحتفل الكورد بعيد النوروز، ويشعلون النيران على الجبال، يقول «جان دوست»: أضافت أسطورة كاوا الحداد، بُعداً قومياً خاصاً بالكورد في عيد النوروز، خصوصاً خلال السنوات الأخيرة، لكن حقيقة عيد النوروز الأصيلة هي الاحتفال بقدوم الربيع وتجدد الحياة وبداية سنة جيدة، مضيفاً: يتم ذكر طقوس النوروز في ملحة «مم وزين» وهي أهم ملحمة كوردية، لكن دون إضافة البُعد القومي المتمثل بـ«كاوا الحداد»، فقط يذكر الكاتب أحمد خاني الاحتفال بتجدد الطبيعة، أي أنه لم يعطي البُعد قومي لعيد النوروز.