كوردستان ملاذ لـ 85% من لاجئي العراق
كوردستان ملاذ لـ 85% من لاجئي العراق

في مكتبه المتواضع بأربيل، يروي الدكتور جلال العبد الله، أستاذ اللغات السوري الكوردي، لمجلة «كوردستان بالعربي» رحلته الملهمة من القامشلي إلى أربيل عاصمة إقليم كوردستان. قصة نجاح بدأت من الصفر، لتتحول إلى نموذج حي عن قدرة اللاجئين على إعادة بناء حياتهم في ظل الظروف الصعبة.

«كنت أدير معهداً للغات في القامشلي لأكثر من سبع سنوات قبل اللجوء»، يستذكر العبد الله بنبرة تختلط فيها مرارة الفراق بأمل البداية الجديدة. كان معهده منارة تعليمية تقدم ست لغات مختلفة: العربية، والكوردية، والألمانية، والتركية، والإنكليزية، والروسية، إضافة إلى الفارسية.

عام 2015 شكل منعطفاً حاسماً في حياة العبد الله، حين اضطر إلى الهجرة وطرق أبواب أربيل كلاجئ. «التحدي الأول كان بيروقراطياً بحتاً»، يوضح العبد الله، مشيراً إلى معركته مع الأوراق الثبوتية والتسجيل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لكن خبرته الأكاديمية الواسعة مهدت له الطريق سريعاً، ليجد فرصاً تعليمية في معاهد اللغات لمدة عامين ونصف العام، قبل أن يقرر التحول إلى التدريس الخصوصي والتركيز على مناهج اللغة العربية.

كوردستان.. ملاذ 286 ألف لاجئ

وأظهر التقرير الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كانون الأول / ديسمبر 2024، أن إقليم كوردستان يستضيف 286,171 لاجئاً ونازحاً، مما يشكل 85% من إجمالي اللاجئين في العراق.

وبحسب التصنيف الديموغرافي للمفوضية، يتوزع اللاجئون على النحو التالي: 147,972 من الذكور، و138,199 من الإناث، و11,101 من كبار السن، و49,116 من الشباب (15 - 24 عاماً)، فيما يشكل النساء والأطفال الشريحة الأكبر بواقع 203,447 شخصاً.

أما التوزيع الجغرافي، فتتصدر أربيل، عاصمة الإقليم، قائمة المدن المستضيفة بـ152,535 لاجئاً، تليها دهوك بـ 91,845، ثم السليمانية بـ 41,791.

ما يميز تجربة العبد الله هو قدرته على بناء جسور التواصل مع طلابه من مختلف المكونات. «نجحت في تكوين علاقات قوية مع الطلاب العرب والكورد على حد سواء»، يؤكد بفخر، مشيراً إلى أن هذا التواصل ساهم في تعزيز فهمه للمجتمع المضيف.

وعن تجربة اللجوء في إقليم كوردستان، يقدم العبد الله مقارنة لافتة: «وضعنا كلاجئين هنا أفضل بكثير مقارنة بالدول المجاورة»، ويشيد بالخدمات المقدمة في المخيمات، خاصة السماح بتدريس المنهاج السوري، مما ساعد في الحفاظ على الهوية التعليمية للاجئين.

قصة الاندماج في المجتمع الكوردستاني تأخذ منحى تصاعدياً في رواية العبد الله. «البداية كانت صعبة»، يعترف، «لكن مع الوقت، أصبحنا جزءاً من النسيج المجتمعي». ويشير إلى أن حاجز اللغة، الذي كان تحدياً في البداية، تم تجاوزه تدريجياً مع تعلم اللاجئين للهجة السورانية الكوردية. «حتى أطفالنا الذين ولدوا وترعرعوا هنا أصبحوا يتحدثون اللهجة المحلية بطلاقة»، يضيف بابتسامة، مقدراً نسبة الاندماج بحوالي 50%.

وعن تطلعاته المستقبلية، يؤكد العبد الله على طموحه في التطوير المستمر لقدراته التعليمية، خاصة في ظل التراجع الحاد في مستوى التعليم في سوريا. «المستقبل يحمل تحديات، لكنه يحمل فرصاً أيضاً»، يختتم حديثه بنبرة متفائلة.​​​​​​​​​​​​​​​​

أرض الملاذ

«هنا أشعر بالأمان لأول مرة منذ سنوات»، بهذه الكلمات بدأت سارة أحمد (32 عاماً)، اللاجئة السورية المقيمة في مخيم دارا شكران في أربيل، حديثها معنا. وأضافت: «رغم صعوبة الحياة في المخيم، إلا أن الشعب الكوردي احتضننا كأننا جزء من عائلتهم».

«فقدت كل شيء في سوريا، لكنني وجدت فرصة جديدة هنا»، يقول محمد علي (45 عاماً)، اللاجئ الذي يعمل في متجر صغير بمحافظة دهوك. ويضيف: «استطعت تأسيس عملي الخاص، وأولادي يذهبون إلى المدرسة. نحن ممتنون لحكومة إقليم كوردستان».

وفي السليمانية، تروي اللاجئة الإيرانية بهار حسين (28 عاماً) قصتها: «عندما وصلت قبل عامين، كنت خائفة وحيدة. اليوم، أعمل كمدرِّسة للغة الإنجليزية وأساعد اللاجئين الجدد في التأقلم»

وفي مخيم دوميز بدهوك، يقول أبو كرم (65 عاماً): «رغم التحديات المالية التي تواجه المنظمات الإنسانية، إلا أن شعب كوردستان لم يتخلَّ عنا يوماً. نشعر أننا في وطننا الثاني».

وفي ختام جولتنا الميدانية، أكد مسؤول في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: «إقليم كوردستان يقدم نموذجاً يُحتذى به في استضافة اللاجئين رغم التحديات الاقتصادية. نحتاج إلى دعم دولي أكبر لمواصلة تقديم الخدمات الأساسية».

هذه القصص الإنسانية تجسد الأرقام والإحصائيات، وتؤكد دور إقليم كوردستان الإنساني في احتضان مئات آلاف اللاجئين الباحثين عن حياة كريمة وآمنة.​​​​​​​​​​​​​​​​

وأوضحت المفوضية في تقريرها أن غالبية اللاجئين وطالبي اللجوء في الإقليم قدموا من كوردستان سوريا وسوريا بعدد 266,605 أشخاص، يليهم 9,183 شخصاً من شرق كوردستان إيران وإيران، و8,116 شخصاً من تركيا، و1,037 شخصاً من فلسطين، و1,230 شخصاً من دول أخرى.

وتشير الإحصاءات إلى أن 20,141 أسرة من أصل 85,142 أسرة لاجئة تقيم في مخيمات الإقليم. وكشف التقرير أن المفوضية طلبت 203.6 مليون دولار لمواجهة أزمة النازحين وطالبي اللجوء في العراق وإقليم كوردستان، إلا أنها لم تتلق سوى 44% من المبلغ المطلوب.


رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved