كشف المؤرخ محمد علي سلمان عن معلومات جديدة تخص بحاراً كوردياً عمل مع الدولة العثمانية، ينسب إليه اكتشاف القارة الأمريكية. وتصدر اسم (پيري رئيس) أو (رئيس پيري) عناوين مواقع التواصل الاجتماعي في كوردستان مؤخراً؛ بسبب كتاب (رئيس پیري.. الكوردي الذي اكتشف أمريكا) الذي يسلّط الضوء على دور باحث كوردي اكتشف أمريكا ورسم أول خريطة محفوظة في تركيا.
واحتفاءً وتقديراً لإنجازاته القيمة وبمناسبة مرور خمسة قرون على الخريطة التي رسمها عام 1513، اعتبرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) عام 2013 عاماً لإحياء ذكرى رئيس پيري، ولكن يبقى السؤال الأهم من هو پيري؟
القبطان پيري
رئيس پيري قبطان ورسام خرائط، وقد كان قائداً فذاً في الأسطول العثماني، يُنسب له أيضاً فضل اكتشاف أمريكا أولاً، وقد ثبت ذلك من خلال خرائط ظهرت عام 1929 في إحدى المتاحف بتركيا.
اسمه أحمد محي الدين پيري البَرازي، والبَرازية من العشائر الكوردية المعروفة في تركيا وسوريا، ولد بين عامي 1465 و1470 في مدينة غاليبولي الواقعة في شبه جزيرة غاليبولي على بحر مرمرة في تركيا، وتوفي بين عامي 1554 و1555.
ويعد پيري من أبرز علماء الجغرافيا والخرائط وانبهر العلماء في القرن العشرين بخرائطه، وقدم خريطتين تعدّان من أدق وأقدم الخرائط التي رُسمت في ذلك الوقت.
يقول محمد علي سلمان، مؤلف كتاب (رئيس پيري.. الكوردي الذي اكتشف أمريكا)، إن «بدأ پيري حياته بالتعود على الخوض في البحار وقد أولع بالسفر والتجوال؛ بسبب ولادته في منطقة مائية».
ويتابع سلمان، في حديث مع «كوردستان بالعربي»، أن «لم يكن پيري كغيره من أطفال جيله، بل كان كثير البحث لاستكشاف الأشياء، ومنذ الصغر تعلّم استخدام اتجاهات القبلة وفن الخرائط البحرية».
وأشار إلى أن «رئيس پيري بدأ بعد بلوغه سن الحادية عشر نشاطه مع خاله، كمال رئيس، الذي أصبح من أهم بَحَّاري الدولة العثمانية، وتتلمذ على يديه وخاض معه العديد من المعارك عند سواحل أفريقيا وإيطاليا وإسبانيا والبحر المتوسط».
وقضى رئيس پيري 34 عاماً من حياته في البحر باحثاً ومحارباً واستطاع أن يرسم ويجمع الخرائط في المناطق التي حارب فيها إلى جانب الدولة العثمانية ضد الأسطول البحري البرتغالي والإسباني والفرنسي والإيطالي غير ذلك، تعلّم الكثير ونشر ما تعلمه وما اكتشفه في كتابه (البحرية).
اكتشاف القارة الأميركية
السائد في علم الجغرافية عن قصة اكتشاف أمريكا هو أن أصل الحكاية يعود إلى الإسبان الذين أرادوا جلب التوابل من الهند بدلاً من أوروبا بسبب أسعارها الغالية فأرسلوا البحار الإيطالي كريستوفر كولومبس عام 1492 ليبحر غرباً بهدف الوصول إلى الهند، وعن طريق الصدفة وصل إلى قارة جديدة سمى سكانها من ذوي لون البشرة الحمراء بـ (الهنود الحمر)، لكن المفاجأة تبينت بعد سنوات عندما ثبت أن البحار أمريكو فسبوتشي قد سبق كولومبس بالوصول إلى هذه القارة، وبهذا سميت على اسمه.
إلا أن الصدفة قادت إلى حقيقة أخرى، وذلك في عام 1929 عندما عُثِرَ على مجموعة نادرة من الخرائط الملاحية تتألف من 31 خريطة مع كتاب (البحرية) الذي وضعه رئيس پيري كانت مخبئة داخل رفوف متحف في إسطنبول.
كانت تلك الخرائط متكاملة ودقيقة في أبعادها، وتتسم بوضوح خطوط الطول والعرض والتضاريس والبحار والقارات، وقد تضمنت أماكن لم يصل إليها كولومبوس.
ويقول سلمان، إن «العالم الألماني جوستاف آدولف ديسمان طالب في التاسع من شهر تشرين الأول عام 1929، مدير المتاحف الوطنية التركية خليل أدهم بك بالبحث في المخطوطات والكتب القديمة في قصر توب قابي».
وأوضح أن «ديسمان عثر على مخطوطات وكتب وخرائط قديمة قيّمة لكن الأهم منها خرائط وكتاب (البحرية) لرئيس پيري الذي غيّر كل شيء عن الخرائط واكتشاف أمريكا».
وتشير المصادر التاريخية إلى أن «خريطة پيري تم رسمها في عام 1513، وتم الكشف عنها في عام 1931، وعُرضت في متاحف مختلفة في جميع أنحاء العالم، وهي محفوظة اليوم في متحف قصر توب قابي».
ويؤكد سلمان أن «الخريطة رُسمت على جلد الغزال بتسعة ألوان، ويبلغ طولها 86 سم، وبعرض 61 سم في الجهة العلوية و41 سم في الجهة السفلية بسبب تعرضها للتلف».
وبيّن أن «الخريطة تُظهر المحيط الأطلسي والقارة الأمريكية، وأمريكا الوسطى، مع خريطة البرتغال وإسبانيا وفرنسا وجزء من بريطانيا مع أماكن وبحار أخرى».
ونوّه سليمان إلى أن «هذه الخريطة تمتاز عن سابقاتها بأنها تُظهر المرتفعات والجبال والبحار وصور الأشجار وحتى الحيوانات وفيها البحيرات السبع (المتوسط، الهندي، فارس، أفريقيا الشرقي، المحيط الأطلسي والبحر الأحمر)».
ويواصل أن «پيري لم يكتفِ بذلك، بل صوّر في خريطته القطب المتجمد الشمالي، وهذا دليل على أنه اكتشفه قبل 300 عاماً من الموعد المتعارف عليه».
وقال سلمان إن «پيري وعلى الرغم من أجادته اللغة الإيطالية والبرتغالية، استخدم في رسم الخرائط أبجديات الرومانية أو اللاتينية مستفيداً من العربية».
وتابع أن «الخرائط لا تحتوي على صور فحسب، بل هناك كتابات وبعض الآيات وأشياء أخرى تم تدوينها على الخرائط».
جهود لطمس هويته
بعد اكتشاف خريطة رئيس پيري احتفت به الدولة التركية وتحدثت عن أصوله التركية وشيّدت له تمثالاً وأطلقت اسمه على جامعة ومؤسسة إعلامية وسفينة حربية كبيرة. لكن الكاتب محمد علي سلمان يرى أن أصول رئيس پيري ليست تركية وهناك «أكثر من دليل بشأن أصوله الكوردية، لكنه تعرض إلى تحريف سيرته أسوة بكثير من العلماء المسلمين».
ويرى الباحث سلمان أن «الادعاء بأصول پيري التركية غير صحيح، فلم يكن الأتراك هم الوحيدين في الدولة العثمانية، بل هناك الكورد والعرب واليونانيون والبلغار والصرب والبوسنين، وأقوام أخرى».
ويضيف سلمان أن «الأتراك غيّروا اسم پيري، من (رئيس پيري) إلى (پيري رئيس)»، موضحاً أن «اسم (رئيس پيري) كوردي مؤلف من كلمتين الأولى تعني القائد، وبيرى تعني الرجل الكبير بالعمر وصاحب الخبرة والتجارب».
ويؤكد الباحث أن «تسمية پيري معروفة لدى الكورد، والمثال على ذلك الشاعر الكبير پيرميرد وأماكن مثل پيرَمگرون في السليمانية وپيرمام في أربيل وپيرسوان وپيرانشار في شرق كوردستان».
وعلى هذا الأساس، يجد سلمان أن «إطلاق اسم باللغة الكوردية من قبل أبوين تركيين أمر غير وراد»، ويعزّز رأيه بـ«عدم وجود شخص تركي يحمل هذا الاسم الذي أطلقه والدا پيري عليه؛ بسبب حبهما لمنطقة پيران التابعة لمحافظة ديار بكر جنوب تركيا».
ويوضح سلمان أن «رئيس پيري كتب الحرف الأخير من اسمه بنقاط ثلاث تحت الباء، أي (P)، وهو حرف غير موجود في اللغة العربية».
ويؤكد الباحث سلمان أن «كتاب البحرية لا يقتصر فقط على الخرائط، بل هو كتاب أدبي يصف المناطق الجغرافية في بعض الأحيان بأبيات شعرية، ويسرد معلومات مهمة يدونها الكاتب عبر مشاهداته في حينها».
ويذكر أن «الأتراك يحاولون الامتناع عن الإشارة إلى أصول پيري الكوردية، ليتم اعتباره تركياً».
ونوه سلمان إلى أن «محاولات طمس الهوية ازدادت بعد أن وصل مصطفى كمال أتاتورك إلى سدة الحكم، الذي عد جميع من يعيش في تركيا من أصول تركية».
وأشار إلى أن «الهوية الدينية كانت هي الأسمى خلال المدة الزمنية التي عاشها رئيس پيري، ولم يكن الفكر القومي سائداً في تلك الحقبة».
وانتهى سلمان إلى أن «المؤرخين الكورد يؤخذ عليهم أنهم لم يعرّفوا برئيس پيري كعالم وبحار كوردي، والسبب في ذلك إما الجهل، أو عدم امتلاك معلومات كافية، أو لأسباب سياسية تتعلق بعدم وجود دولة كوردية».
وترجع المصادر التاريخية اهتمام العثمانيين بشكل أدق بالجغرافية البحرية إلى القرن السادس عشر مع اشتداد الهجمات البرتغالية على البلدان الإسلامية، حيث استطاع البحارة العثمانيون أن يصلوا إلى أماكن عديدة ورسموا خرائط السواحل وقارات عديدة، ومن أبرز من عرفهم التاريخ في هذا المجال كان رئيس پيري.
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية