واسط محافظة عراقية تقعُ في وسط العراق وجنوب شرقي العاصمة بغداد، وهي محاذية للحدود الإيرانية ومركزها الكوت، وهي فسيفساء التعايش السلمي، حيث منذ قرون وجميع المكونات مختلطة فيما بينها بالمحبة والوئام والإخاء في ربوعها.
الكورد من المكوِّنات التي توجد في واسط ولهُمْ جذورٌ تاريخيَّة وعشائريَّة وثقافية وسياسية عميقة فيها، فلهم كثير مِنَ النشاط السياسي والثوري عبر مر السنين، وبالأخص في زمن النظام البعثي حين تعرض الكورد للتهجيرِ القسري والاعتقالات والإعدامات والتغييب، ويبلغ عدد نفوسهِم أكثر مِن 25% وعلى هذه النسبة تخصص لهم مقعد واحد في الكوتا.
أما فيما يتعلق بنشاطهم الثقافي فقد تألق العديد من المثقفين الكورد من علماء وشعراء وأدباء وأكاديميين وفنانين ورياضيين في واسط ومثلوا العراق ومكونهم في العديد من المحافل والمهرجانات والمؤتمرات والكرنفالات حتى وصل بعضهم إلى العالمية.
وبالنسبة لتواجدهم العشائري فما زالت عشائر الكورد في واسط متوزعة في الأقضية ومتنوعة في المركزِ ومتمسكة بالأصالة ورسالة المحبة مع المكونات الأخرى والسعي لبناءِ مجتمعٍ مسالم متوافق مع جميع المواطنين بالشراكة الإنسانية والمواطنة الحرة، ولهم عمق طويل متجذر في المحافظة ومِن تلك العشائر (الشوهان، ملك شاهي، الحيدري، الجاف، گوران، هماوند، زركوش، تيلاوي، هورمزيار... إلخ....)
ويتمتع الكورد في واسط بالسمعة الطيبة والإخلاصِ والتفاني، حيث أن في زمن النظام السابقِ تعين محافظ كوردي لواسط وهو الأستاذ الراحل يحيى الجاف وفترة منصبه من 18 كانون الثاني 1987 لغاية 13 تشرين الأول 1988 ورُغم أنَّهُ ليس من واسط إلا أنَّه كانَ صورةً من صور النفس الكورديَّة المُحبَّة للسلام والإعمار والمهنيَّة والتعايش السلمي الوفي وانعكس هذا الطابع ليوثق الإخاء بين جميع القوميات في المحافظة.
الكورد يتشاركون في جميع النشاطات الدينية والسياسية والاجتماعية والثقافية مع أبناء المحافظة. وبهذا الاندماج يكاد يزول التمييز بسبب الوئام المشترك والوفاء الصادق.
في واسط سُميت قاعات جامعية بأسماء أساتذة كورد راحلين، إضافة إلى تسمية دورات مهرجانية بأسماء فنانين وأدباء وشعراء ورياضيين، وما زالت شوارع ومناطق بعنوانهم كشارعِ (عگد الأكراد) في مركز مدينة الكوت وفي جميع الأقضية تجد هذا الاسم أي (عگد الأكراد).
ومِن أبرز الشخصيات الكوردية في واسط: رزاق رستم الذي كان مديراً للمركز الثقافي الفيلي، ودكتور محمد گوران اختصاصي الجغرافية المناخية، وعلي هادي تيلاوي الذي كان مدرباً لنادي الكوت، والمهندس ذو الفقار گوران كان معاوناً لمحافظ واسط، وماجد خاور الذي كان مدرباً لنادي الكوت أيضاً... وشخصيات عديدة أخرى.
والمَظالم التي خلفها النظام البعثي السابق لهم ما زالت آثارها قائمة، حيث تعرف العديد من البيوت: ببيوت المسفَّرين (أي التي تمت مصادرتها عنوة بعد أن هُجِّر أصحابها إلى خارج العراق)، والذينَ تم سحب الشهادات الجنسية منهم وإجبارهم على ترك الدراسة حتى ضاعت أعمارهم. وإلى الآن يدفعون ثمن ضياع مستقبلهم ومنهُم من لم يجد إلى الآن رفاة ابنه أو ابنته أو أي فرد قد تم إعدامه من قبل النظام السابق. وبسبب الظلم والرعب من ذلك النظام اللذين تعرضوا لهما أُجبروا على نسيان لغتهم خوفاً من الفتك بهم
للكوردِ في واسط مواقف مدهشة مع المكونات الأخرى حيث شاركوا جميعَ المكوِّنات بمختلف ألوانهِم في الكثير من الفعاليات الوطنية ولا سيما الثورية ضد الأنظمة الظالمة. وقدموا الشهداء والتضحيات في العديد من المواقف التي مرت وهذا مؤشر بشعورهم بالمسؤولية تجاه الإنسانية والوطن، ولهم مصاهرات مع المكونات.
ويكاد المرء يعرف الكوردي بكلمة «خالو» التي تتردد على ألسنتهم بكثرة. فعند لقاء المواطنِ الكوردي بالكوردي تكون التحية بـ«السلام عليكم خالو شلونك خالو.... وهكذا».
المهن والحرف التي كان يتداولها الكورد في واسط، حسب ما أفاد المواطنون الكورد القدامى، هي مهنة التجارة، والحدادة، والنجارة، والحياكة، ومن مهنهم القديمة الزراعة، وكان منهم من يمتهن طب الأعشاب.
وحسب ما جمعنا من آراء من مختلف أبناء المكونات في واسط عن الكوردِ، فإن أغلبها تشير إلى صفة الوفاء لديهم وتنوعت القَصَص في هذا الصدد، فالكورد محل ثقة واحترام للكثير في المحافظة.
وبينَ فترةٍ وأُخرى يقومُ بعض المثقفين والناشطين الكورد باحتفالات ومهرجانات واستذكار لتاريخهم ومآسيهم السابقة ومنجزاتهم المتنوعة بطابع إنساني حضاري يشير إلى الوحدة والسلام والإخاء، ويواجههم تفاعل طيب من قبل المكونات الأخرى في المحافظة.
حسين جنكير: شاعر وكاتب مسرحي، مذيع ومعد برامج إذاعية