أنظر إلى الحياة بروح الدعابة!
أنظر إلى الحياة بروح الدعابة!
March 20, 2025

اللجوء إلى الفكاهة والسخرية من سمات أكثر الأشخاص كاريزمية، ومعظمهم يتركون بصمة وذكرى حية في أذهان الناس بالكلام الطيب والمزاح الخفيف. إذا نظرنا إلى الغالبية العظمى من السياسيين المؤثرين، نجد أن أولئك الذين امتلكوا القدرة على المزاح واستخدام السخرية دخلوا قلوب الناس بسهولة أكبر، وتم تذكرهم بوضوح؛ لأنهم ظهروا كأشخاص بسطاء وواقعيين.

على سبيل المثال، نجح زعماء عالميون مثل أبراهام لينكولن وغاندي وتشرشل في تأمين مكانة خاصة في قلوب وعقول شعوبهم من خلال نكاتهم وكلماتهم الطيبة. هذا الجانب الإنساني يظهر أن الزعماء ليسوا مجرد شخصيات جادة، بل هم أناس يمزحون ويضحكون، ولا يخشون السخرية من أنفسهم.

تخيل أن القادة الذين يجرؤون على المزاح عن أنفسهم، وليس عن الآخرين فقط، ينمّون جاذبيتهم في عيون الناس؛ لأن ذلك يعكس ثقتهم بأنفسهم. فالثقة الكاملة هي ما يتيح لهم عدم أخذ أنفسهم بجدية مفرطة. أما أولئك الذين يظهرون الجدية المطلقة دائماً، فإنهم يفقدون مرونتهم وبساطتهم تدريجياً، حتى يصبح من الصعب عليهم التواصل بصدق مع الآخرين.

كان لي صديق يعمل سائق تاكسي في أوروبا، وكان يحب الكلام والمزاح. عندما كان ينتظر الركاب، كنت أجلس معه وأستمتع بحواراته الممتعة وروح الدعابة التي كان يتحلى بها. لكنه عاد إلى كوردستان وحصل على منصب عالٍ، حتى أصبح بالكاد يتواصل معي. تغيرت ملامحه تدريجياً، وارتدى قناع الجدية والرسمية الذي حل محل وجهه البسيط الجميل. لم يعد هناك حديث مضحك، ولا نكات، ولا مزاح؛ بالكاد يجيب على الهاتف. قلت له ذات مرة:

«أتعلم؟ لقد فقدت الكاريزما التي كنت تتحلى بها من قبل»!

إن فقدان روح السخرية والمزاح، مع الانغماس في الجدية المفرطة، يؤدي إلى نوعين من الاغتراب: اغتراب عن البيئة، واغتراب عن الذات.

في أحد الأيام، دخل سكرتير الرئيس أبراهام لينكولن مكتبه ليجده يلمع حذاءه. فأصابه الذهول وقال:

- ما هذا يا سيدي؟ هل تقوم بتلميع حذائك؟

فرد لينكولن:

- ومن تريديني أن ألمع حذاءه؟!

الكوميديا الناجحة تتطلب جرأة على جعل نفسك مادة للسخرية، بدلاً من توجيه السخرية نحو الآخرين.

نرى هذا بوضوح في أعمال الكوميديين في الغرب، مثل تشارلي تشابلن، الذي جعل من نفسه محوراً للنقد والسخرية. بعد مرور أكثر من مئة عام على أفلامه، لا يزال تشابلن يُضحكنا لأنه كان هو نفسه موضوع الكوميديا، وليس أي شخص آخر.

أما في الشرق، فإن فن الكوميديا يعاني من ضعف واضح؛ لأن البطل غالباً ما يُجبر على جعل الآخرين موضوعاً للسخرية بدلاً من التركيز على الذات.

حتى في أدبيات الشرق، نجد قصص الملا نصر الدين (جحا) التي استلهم منها الفيلسوف أوشو الكثير. أوشو لم يكن ينظر إلى الملا فقط كحكيم، بل كان يرى في قصصه فناً خالداً، لأن الملا كان دائماً يجعل نفسه مادة للسخرية والنقد في حكاياته.

في إحدى القصص التي يسردها أوشو، يقدم الملا سيرته الذاتية لصاحب عمل بحثاً عن وظيفة. قرأ صاحب العمل السيرة الذاتية:

«أنا شخص ماهر، لدي خبرة واسعة، وأهتم جداً بهذه الوظيفة. أنا مستعد للعمل طوال اليوم والليل، من دون أجر أو مكافأة، ولا أحتاج إلى المال. مستعد أن أعمل مجاناً».

دهش الرجل من هذا العرض المثالي، وسأله:

- عجباً يا رجل! أليس لديك أي عيوب؟

فأجاب الملا بابتسامة:

- بلى، لدي عيب واحد... وهو أنني أكذب كثيراً!

ختاماً، المزاح والسخرية ليستا مجرد أدوات للترفيه، بل هما سلوك إنساني يعكس عمق الثقة بالنفس والقدرة على التواصل مع الآخرين. لذلك، دعونا ننظر إلى الحياة بعين الدعابة!


فاضل الجاف: دكتوراه في العلوم المسرحية من أكادمية سانت بطرسبرج للفنون المسرحية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved