في إطار الخطة الاستراتيجية للحكومة التاسعة لإقليم كوردستان، بدأت محافظات ومدن الإقليم استقبال مئات الآلاف من السائحين من داخل العراق وخارجه خلال موسم الشتاء الحالي. وتسعى الحكومة إلى تطوير القطاع السياحي من خلال تنفيذ العديد من المشاريع لاستقطاب أعداد متزايدة من السياح.
وفي حديث خاص لمجلة «كوردستان بالعربي»، كشف المدير العام للسياحة في إدارة سوران المستقلة، الدكتور فيصل صادق، عن ارتفاع ملحوظ في أعداد السياح بمنطقة سوران، وخاصة في جبل كورك، خلال السنوات الأخيرة. وأشار إلى زيادة عدد السياح من نصف مليون إلى أكثر من مليون سائح سنوياً في السنوات الأربع الأخيرة بعد جائحة «كورونا».
وأوضح صادق أن المرافق السياحية في المنطقة جاهزة لاستقبال السياح، مع التركيز على تحسين الطرق المؤدية إلى المواقع السياحية، خاصة في ظل الظروف الجوية الشتوية. وأكد وجود «تعاون مستمر مع الجهات الأمنية وفرق الإنقاذ لضمان سلامة الزوار، إضافة إلى توفير فرق طوارئ تعمل على مدار الساعة».
وعن خطط التطوير، أشار المدير العام إلى وجود استراتيجية لتفعيل دور الشركات السياحية المحلية في نقل السياح إلى وجهات متعددة تشمل جبل حسن بك، ومنطقة سكران، وحاجي عمران، وجبل هلگورد، بسيارات مجهزة وبإشراف أدلاء سياحيين.
وتتميز المنطقة بنشاطات متنوعة، أبرزها التزلج على الثلوج في جبل كورك ومهرجانات الشتاء في چومان وكورك. وكشف صادق عن تنظيم مهرجانات للتزلج وسباقات الثلج في السنتين الماضيتين، مع خطط لإضافة فعاليات جديدة هذا العام. كما يجري العمل على تطوير مشروع في جبل حسن بك لتنظيم سباقات سيارات الدفع الرباعي السياحية.
يوفر جبل كورك للزوار مجموعة متنوعة من الأنشطة الشتوية، من التزلج على الثلج للمبتدئين والمحترفين، إلى التنزه سيراً على الأقدام في المسارات الجبلية المغطاة بالثلوج، والاستمتاع بالمناظر البانورامية الخلابة للمنطقة المحيطة. كما تتوفر في المنطقة مرافق سياحية تقدم خدمات الإقامة والطعام للزوار، مما يجعل تجربة السياحة الشتوية فيها متكاملة ومريحة.
مجلة «كوردستان بالعربي» زارت جبل كورك وأجرت مقابلات مع عدد من السائحين، للسؤال عن رأيهم وانطباعهم بالمناطق السياحية والخدمات المتوفرة. أحمد محمد (35 عاماً) من البصرة، يقول: «جئنا مع العائلة من البصرة هرباً من حرارة الجنوب. المنظر هنا خلاب والثلوج تغطي كل شيء. أطفالي يلعبون بالثلج لأول مرة في حياتهم ولم يصدقوا أن هذا المنظر الجميل موجود في العراق. نحن سعداء جداً باختيار جبل كورك كوجهة سياحية شتوية».
أما سارة عبد الله (28 عاماً) القادمة من بغداد، تحدثت إلينا قائلة: «هذه زيارتي الثانية لجبل كورك. المرة الأولى كانت العام الماضي وقررت العودة مجدداً لجمال المكان وحسن الضيافة. الخدمات هنا جيدة والأسعار معقولة مقارنة بالوجهات السياحية الأخرى. أنصح كل العراقيين بزيارة هذا المكان الساحر».
وأثناء تجولنا في منتج كورك السياحي التقينا بعائلة الموسوي من النجف وتحدث إلينا رب الأسرة قائلاً: «نحن عائلة مكونة من 6 أشخاص، قررنا قضاء عطلة الشتاء هنا. الأجواء رائعة والطقس بارد ومنعش. ما يميز المكان هو إمكانية ممارسة رياضة التزلج على الثلج وركوب التلفريك. سنكرر الزيارة حتماً في السنة القادمة».
محمد علي (45 عاماً) من الموصل قال: «جبل كورك من أجمل المناطق السياحية الشتوية في العراق. المرافق السياحية متكاملة والطرق معبدة بشكل جيد. نحتاج فقط إلى المزيد من المطاعم والمقاهي في المنطقة. قضينا ثلاثة أيام رائعة مع العائلة».
زينب حسين (32 عاماً) من كربلاء: «ما يميز جبل كورك هو الجمع بين جمال الطبيعة والخدمات السياحية الجيدة. المكان آمن وملائم للعوائل، والناس هنا ودودون ومضيافون. استمتعنا كثيراً بالتقاط الصور التذكارية وسط الثلوج وتناول الأكلات المحلية».
وفيما يتعلق بالتسويق السياحي، أكد المدير العام للسياحة في سوران أن الإدارة تعمل على «تعزيز التعاون مع شركات السياحة والفنادق المحلية لتقديم باقات سياحية متنوعة، مع التركيز على الترويج الرقمي عبر منصات التواصل الاجتماعي». وأشار إلى «مشاركة هيئة السياحة في معارض دولية في دبي ومدريد وبرلين وبراغ للترويج للمناطق السياحية في الإقليم».
وكشف صادق عن وجود خطة استراتيجية شاملة (Master Plan) لتطوير القطاع السياحي في المنطقة، تحت إشراف مباشر من رئيس الوزراء مسرور بارزاني. وتهدف الخطة إلى «إنشاء منتجعات سياحية بمواصفات عالمية، تقدم تجربة متكاملة للسياح وتدعم تطوير البنية التحتية لجعل المنطقة وجهة سياحية رئيسية على مدار العام، مع التركيز على السياحة الشتوية».
وحول التأثير الاقتصادي للسياحة الشتوية، أكد صادق دورها المحوري في تعزيز الاقتصاد المحلي عبر خلق فرص عمل جديدة وتشجيع الاستثمار. وأشار إلى «الدعم المستمر لرواد الأعمال المحليين لإقامة مشاريع سياحية صغيرة كالمقاهي والمطاعم ومحلات بيع المنتجات المحلية».
ولفت صادق إلى التحول الكبير الذي شهده القطاع السياحي في السنوات الأخيرة، حيث انتقلت المنشآت السياحية من حالة إغلاق أبوابها خلال فصل الشتاء إلى العمل بكامل طاقتها على مدار العام، معتمدة على الأيدي العاملة المحلية، مما يعزز مستوى الدخل ويوفر فرص عمل مستدامة للسكان.
وفي ختام حديثه، أكد صادق أن البنية التحتية السياحية في المنطقة تشهد تطوراً مستمراً، مع الحاجة إلى مزيد من المشاريع والخدمات لتلبية احتياجات السياح بشكل أفضل، خاصة في مجالات الفندقة والمطاعم والمرافق الترفيهية وشبكة المواصلات.
جبل كورك، هذا المعلم الطبيعي الخلاب الذي يقع في قضاء رواندز بمحافظة أربيل في إقليم كوردستان العراق، يعد من أجمل الوجهات السياحية الشتوية في المنطقة. ويبعد الجبل 50 كيلومتراً عن الحدود الإيرانية. ويبلغ ارتفاعه 2,127متراً، هذا المستوى الشاهق يجعله ملاذاً مثالياً لعشاق الثلوج والمناظر الطبيعية الساحرة خلال فصل الشتاء.
وتكتسي قمم جبل كورك بغطاء أبيض ناصع من الثلوج، مما يخلق مشهداً طبيعياً خلاباً يجذب السياح والمغامرين من مختلف أنحاء العراق والدول المجاورة. والمناخ البارد المنعش للمنطقة وهوائها النقي، يجعلانها وجهة مثالية للهروب من صخب المدن وحرارة المناطق المنخفضة.
رياض الحمداني: صحفي ومؤلف، عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية