في قلب عاصمة إقليم كوردستان العراق، تتجسد قصة نجاح فريدة جمعت بين شغف الإنسان وحب الحيوان. في أربيل، قرر مهندسان سوريان تحويل حلمهما إلى واقع ملموس، ليؤسسا أول مقهى مخصص للقطط في الإقليم.
المهندسة آية عبد الناصر المحمود (30 عاماً) والمهندس وسام منيب (26 عاماً)، وجدا في أربيل فرصةً لتحقيق حلمهما المشترك. فمن رحم معاناة اللجوء، ولدت فكرة مشروع يجمع بين خبرتهما المهنية وعشقهما للقطط، ليصبح منارةً لنشر ثقافة الرفق بالحيوان.
«القطط كانت رفيقة دربي منذ الطفولة»، تستذكر آية بابتسامة دافئة، وهي تروي لمجلة «كوردستان بالعربي» قصة شغفها الذي تحول إلى مهنة. وتقول: «لم تكن مجرد حيوانات أليفة، بل أصدقاء مخلصين شاركوني تفاصيل حياتي اليومية». وتضيف «دراستي للتصميم الداخلي فتحت أمامي آفاقاً جديدة لتحويل هذا الشغف إلى مشروع يحمل رسالة توعوية للمجتمع».
ويسرد وسام منيب، مدير المقهى، تفاصيل رحلة التحدي التي واجهتهم: «كان علينا أن نقنع المجتمع بفكرة غير مألوفة. لم يكن الأمر يسيراً، لكن إصرارنا على توفير بيئة نظيفة وآمنة للقطط والزوار معاً كان مفتاح نجاحنا».
رحلة من الحلم إلى الواقع
استغرق المشروع وقتاً طويلاً في مرحلة التخطيط والدراسة. تشرح آية: «كان علينا أن ندرس كل التفاصيل بعناية، من التصميم الداخلي الذي يراعي راحة القطط والزوار، إلى معايير السلامة والنظافة. افتتحنا المقهى في 2022، ومنذ ذلك الحين ونحن نسعى للتطوير المستمر».
ويؤكد وسام على أهمية المعايير الصحية في المقهى: «نطبق إجراءات تعقيم صارمة يومياً، تشمل المكان والزوار. قططنا تخضع لرعاية بيطرية دورية وتحصل على جميع اللقاحات اللازمة، كما نوفر لها نظاماً غذائياً متكاملاً يشمل الطعام الجاف والرطب، إضافة إلى وجبات خاصة كصدور الدجاج المحضرة بطريقة صحية».
يضم المقهى، الذي حدد تذكرة دخوله بـــ 6500 دينار للشخص، ثلاثين قطة من سلالات متنوعة تشمل الشيرازي والبريتش والسكوتش والسفينكس الفرعوني، إضافة إلى القطط المحلية، مما يجعله متحفاً حياً يجمع أجمل السلالات تحت سقف واحد.
مقهى يجمع بين الترفيه والمسؤولية المجتمعية
في شارع نازناز العشرين بأربيل، وتحديداً خلف البارك فيو وبجوار مطعم حدائق الشام، يقع المقهى في موقع استراتيجي يستقطب زواراً من جنسيات متعددة، ليكون نقطة التقاء ثقافية تعكس تنوع المدينة وحيويتها.
يتميز المقهى بتصميمه الفريد الذي يقسمه إلى منطقتين منفصلتين: قسم خاص بالقطط، وآخر مخصص لتناول المشروبات والحلويات. هذا التقسيم الذكي يتيح للزوار خيار الاستمتاع بالأجواء العامة للمكان دون الحاجة للتفاعل المباشر مع القطط، مع الحفاظ على معايير النظافة والسلامة العالية.
«نضع سلامة قططنا في المقام الأول»، بهذه العبارة يلخص القائمون على المكان فلسفتهم في إدارة المقهى. فالتعليمات صارمة وواضحة: لا مجال لإزعاج القطط أو حملها قسراً أو تخويفها. يسهر على تنفيذ هذه التعليمات فريق محترف مكون من أربعة موظفين، يجمعون بين خبرة خدمة العملاء والعناية بالقطط.
أكثر من مجرد مقهى
«Furry Cat Cafeفِري كات كافيه» ليس مجرد مكان للترفيه، بل هو منصة إنسانية تتبنى قضية الرفق بالحيوان. فالمقهى يقدم خدمة تبني القطط المشردة، ويوفر مساحة لأصحاب القطط لعرض حيواناتهم الأليفة للتبني، مساهماً في إيجاد منازل دافئة للقطط المحتاجة.
ويمتد دور المقهى التوعوي إلى الأجيال الصاعدة، حيث ينظم ورش عمل تعليمية بالتعاون مع المدارس. هذه المبادرات تهدف إلى غرس قيم الرحمة والتعاطف في نفوس الأطفال، وتعليمهم أصول التعامل السليم مع الحيوانات.
في العصر الرقمي، يحرص المقهى على التواصل الفعال مع جمهوره عبر منصات التواصل الاجتماعي، مما يسهل على الزوار متابعة أخباره والاستفسار عن خدماته وأسعاره وبرامج التبني.
رؤية مستقبلية طموحة
تنظر آية إلى المستقبل بطموح كبير: «نخطط للتوسع وافتتاح فروع جديدة في كوردستان والعراق. نجاح مسابقة ملكة جمال القطط التي نظمناها شجعنا على التفكير في فعاليات مبتكرة أخرى. نريد أن نكون مصدر إلهام لكل محبي الحيوانات».
وتضيف بحماس: «نتطلع للتعاون مع جمعيات ومنظمات رعاية الحيوانات لتعزيز رسالتنا الإنسانية. كما نخطط لتطوير برامج تدريبية تعلم الزوار فنون التعامل مع القطط وتنظيم أنشطة جديدة تجذب المزيد من محبي الحيوانات».
تمثل قصة آية ووسام نموذجاً ملهماً لتحويل الشغف إلى مشروع ناجح يخدم المجتمع. فمقهى «Furry Cat Cafeفِري كات كافيه» ليس مجرد مكان للترفيه، بل هو منارة تنشر ثقافة الرحمة والتقدير لكل الكائنات الحية، وتؤكد أن النجاح الحقيقي هو الذي يترك أثراً إيجابياً في المجتمع.
دنيا صبحي الدليمي
صحفية عراقية مقيمة في أربيل