تسلق الجبال هواية تنتعش في كوردستان
تسلق الجبال هواية تنتعش في كوردستان

يحرص د. نوزاد أسود فجر كل يوم جمعة، على الذهاب إلى حديقة الحرية (پاركي آزادي) وسط مدينة السليمانية، للالتقاء بمجموعة من الرجال والنساء الشغوفين بحب المغامرة والتحدي، تمهيداً للانطلاق نحو المناطق الجبلية المحيطة بالمدينة من كل جانب، وممارسة رياضة المشي لمسافات طويلة للتنزه في رحابها والاستمتاع بمناظرها الخلابة بعيداً عن صخب المدينة.

متعة ومغامرة

يقول أسود، التدريسي في جامعة السليمانية، إن الجولات التي تنطلق فجر كل يوم جمعة إلى المناطق الجبلية المحيطة بمدينة السليمانية «تنظم من قبل مجموعات متزايدة من هواة رياضة الهايكنغ (hiking) أو المشي لمسافات طويلة في الجبال والاستمتاع بالطبيعة الخلابة من وديان وعيون ماء وبحيرات وتلال وجبال بعيداً عن صخب المدينة وتلوثها»، ويشير إلى أن هنالك «عشرات المجاميع التي تضم هواة من الجنسين وبأعمار مختلفة يمارسون هذه الرياضة في السليمانية حالياً لما تنطوي عليه من متعة ومغامرة».

ويعزو الأكاديمي نوزاد أسود تزايد عدد ممارسي هذه الهواية سواءً في كوردستان أم السليمانية إلى «أسباب تاريخية واجتماعية منها عشق الكورد للطبيعة بشكل عام وارتباطهم بالجبال بشكل خاص حتى قيل إنه لا صديق للكوردي إلا الجبل والريح»، ويبين أن رياضة المشي الجبلي «ممتعة وتتطلب توافر لياقة بدنية وتدريباً متواصلاً فضلاً عما لها من فوائد صحية وإسهامها في تنشيط التفكير الإيجابي والانضباط وحب العمل الجماعي والتأمل وتعزيز العلاقات الاجتماعية وقوة التحمل والإرادة وجعل الإنسان محباً للطبيعة وصديقاً للبيئة».

وتمتاز السليمانية بوفرة مناطقها الطبيعية الجميلة والجبال المحيطة بها من كل جانب، منها (أزمر)، (گويژة) (پيرة مگرون)، (ماوت)، (هورمان) و(شارباژير)، والكهوف التاريخية منها كهف (هزار ميرد) يقع على بعد 13 كلم شرق السليمانية، ومضيق بازيان، وبحيرة دوكان وغيرها، ما يجعها قبلة للسياح من عراقيين وعرب وأجانب.

هواية شعبية 

ومع تزايد عدد الهواة برزت الحاجة إلى جهد تنظيمي، من هنا برزت عدة جمعيات أو تشكيلات تعنى بالاهتمام بالهواة وتدريبهم. وبهذا الصدد يقول جبار عثمان، رئيس جمعية «شار» لتسلق الجبال، إن رياضة تسلق الجبال «تحظى بشعبية كبيرة لاسيما في السليمانية كونها هواية ورياضة في آن معاً»، ويضيف أنها «تنقسم إلى عدة أقسام منها المشي بين الوديان وسفوح الجبال وتسلق الجبال وبلوغ قممها ما يتطلب مهارة خاصة وتدريبات شاقة ومتواصلة».  

ويذكر عثمان، أن الحاجة «دفعتني لتشكيل هيئة «كوره كازاو» عام 2024 لتشجيع هواية تسلق الجبال وتنظيم مجاميع الهواة وتدريبهم لتكون جزءاً من اتحاد شبكة تسلق الجبال الكوردستانية الذي يضم أكثر من 65 مجموعة هواة، علماً أنني أشغل منصب مسؤول الإدارة المالية فيه».   

ويتابع عثمان أن الشبكة «تنظم دورات تعليمية للهواة من كوردستان وباقي أنحاء العراق وإيران وغيرها، وأنها تسعى للاتفاق مع الجهات الرياضية العراقية لإدخال هذه الهواية في برامجها واستقبال الراغبين من الوسط والجنوب لتعليمهم أساسياتها»، ويلفت إلى «حاجة الشبكة إلى الدعم المادي والمعنوي لتتمكن من الارتقاء بنشاطاتها محلياً وخارجياً».

ثقافة مجتمعية

وتسهم هواية المشي بين الجبال أو تسلقها في تعزيز العلاقات الاجتماعية وحب الطبيعة وحماية البيئة. وبهذا الشأن يقول التربوي فاتح صالح، مسؤول جمعية السليمانية لتسلق الجبال، التي تأسست عام 2014، إن الجمعية «تسعى لجعل هواية تسلق الجبال جزءاً من ثقافة المجتمع وإنها تمكنت من استقطاب مجموعة كبيرة من الهواة الذكور والإناث»، ويشير إلى أن الجمعية «تنظم كل يوم جمعة رحلات إلى المناطق الجبلية تتضمن مسيرات طويلة أو المبيت في المناطق الجبيلة أو تسلق الجبال».

ويوضح صالح أن الجمعية «تنظم عصر أيام الأحد والأربعاء من كل أسبوع زيارات راجلة إلى جبل گويژة المطل على مدينة السليمانية»، وينوه إلى أن هذه الهواية «ترتبط بالبيئة والطبيعة وتسهم في تعزيز اللياقة البدنية وتحسين الحالة الصحية والنفسية فضلاً عن تنمية أواصر العلاقات الاجتماعية». 

ويواصل التربوي الكوردستاني، أن كل مجموعة هواة «تضم مسؤولاً يكون في مقدمتها ومساعدين مجهزين بأجهزة اتصال فضلاً عن دليل محلي من أهالي المناطق أو القرى يكون على علم بتضاريس المناطق المستهدفة من الجولات»، ويتابع أن هنالك «مدربين متخصصين بتعليم الأطفال هواية تسلق الجبال». 

مشاركة نسوية متميزة

ويلاحظ من يزور المركز التدريبي لتسلق الجبال، في معمل السكاير، بشارع سالم وسط مركز مدينة السليمانية، إقبال مجموعة كبيرة من النساء على ممارسة تلك الهواية.. وبهذا الشأن تقول المهندسة الزراعية نسرين كريم، إن هواية الهايكنغ «جذبتني لأسباب عدة تتعلق بحبي للطبيعة وأخرى صحية»، وتبين نسرين أنها تشارك «مع مجموعة من الهواة أيام الأحد والأربعاء من كل أسبوع بجولات في جبل گويژة لمسافة تصل إلى ثمانية كلم في حين نشارك كل يوم جمعة في مسيرات أطول إلى قمم الجبال أو الكهوف للتمتع بمناظرها الأخاذة».

وتضيف كريم، أن تسلق الجبال هواية «تتطلب لياقة بدنية عالية وقدرة على الصبر والتحمل»، وتلفت إلى أن حالتها البدنية والصحية «تحسنت كثيراً بعد ممارسة هواية تسلق الجبال».

وتؤكد المهندسة الزراعية، أن المعاناة والمشقة الناجمة عن تسلق الجبال «تتلاشى بمجرد بلوغ قمتها»، وتضيف «عندها أشعر وكأنني ولدت من جديد حيث يكون الجو مثالياً للتأمل والاسترخاء والتخلص من التوتر والتعب».

ذوو الاحتياجات الخاصة يتسلقون القمم 

ولم تقتصر ممارسة هواية تسلق الجبال على الأصحاء فحسب، بل كان لذوي الاحتياجات الخاصة مساهمة فيها أيضاً.. وبهذا الصدد تقول مسؤول إعلام شبكة تسلق الجبال الكوردستانية، شارا مصطفى، إن مجموعة من ذوي الاحتياجات الخاصة «يقبلون على ممارسة هواية تسلق الجبال برغم الصعوبات التي تواجههم بوصفها حدثاً مميزاً في حياتهم»، وتبين أن انخراط ذوي الاحتياجات الخاصة والذين يعانون من الأمراض الخطيرة في ممارسة هذه الهواية «يسهم كثيراً في تحسن حالتهم النفسية والصحية وزيادة ثقتهم بأنفسهم وتقوية أواصر الترابط بينهم وبين الآخرين».

وتدلل الناشطة والإعلامية، شارا مصطفى، التي تعد أول امرأة كوردية فكرت في تشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة على ممارسة هواية تسلق الجبال، على كلامها بأن الطبيب المعالج لأحد المصابين بمرض وبيل «دهش كثيراً عندما لاحظ تحسن حالته الصحية حد التعافي نتيجة ممارسة هذه الهواية»، وتستدرك أن مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في تسلق الجبال «تتطلب استعدادات خاصة ومساعدة المدربين والمتطوعين ما يعزز العلاقات الإنسانية والتلاحم الاجتماعي».     

هواية لا تخلو من المخاطر

لا تخلو هواية تسلق الجبال من المخاطر، إذ يؤدي أي إهمال أو تراخي في إجراءات الأمان والسلامة، إلى حوادث مؤسفة بعضها قد يكون مميتاً.

ويقول مسؤول نشاطات شبكة تسلق الجبال الكوردستانية، خالد علي صالح، إن الشبكة «تحرص على توفير متطلبات السلامة والأمان للهواة وتدريبهم لمواجهة المخاطر المحتملة»، وينوه إلى أن ذلك «لم يحل دون وقوع حوادث منها تعرض أحد الهواة للسقوط من على ارتفاع 60 متراً خلال رحلة لمنطقة ميرگ بان مع ثمانية من رفاقه، إلا أن معدات الأمان التي كان مجهزاً بها فضلاً عن خبرته، بعد حفظ الباري عز وجل طبعاً، أسهمت في إنقاذ حياته».

ويضيف صالح أن متسلقي الجبال «يتعرضون للعديد من الحوادث مثل العلق في المناطق الوعرة أو الإصابة من جراء الانزلاق أو السقوط أو الانهيارات الأرضية لاسيما أثناء هطول الأمطار الغزيرة»، وينوه إلى أن «متسلقَين لقيا مصرعهما وجرح آخر خلال سنة 2023 نتيجة انهيار في جبل توني بابا في قضاء دربنديخان من جراء تساقط أمطار غزيرة».

ويحذر صالح من «مغبة ارتياد المتسلقين أماكن مجهولة أو خطرة قد تكون مزروعة بالألغام أو المخلفات الحربية وغيرها، أو القيام بجولات تسلق خلال تردي الأحوال الجوية»، ويشدد على ضرورة «الالتزام بالتدريب المتواصل والحذر ومراعاة المتسلقين لإجراءات السلامة والأمان وتعليمات المدربين والمرشدين». 

آمال وطموحات

ويعرب د. نوزاد أسود، عن أمله بأن «تنظم الجهات المعنية مسابقات لهواة تسلق الجبال على مستوى الإقليم وزج الفرق الفائزة بمسابقات أو فعاليات خارجية كإرسال بعثة منهم لتسلق جبل إفرست أو غيره»، مثلما يدعو تلك الجهات إلى «دعوة هواة تسلق معروفين عالمياً للمشاركة في فعاليات مشتركة مع نظرائهم الكورد بنحو يسهم بالتعريف بجمال الطبيعة الكوردستانية وإنعاش الحركة السياحية في الإقليم».


باسل الخطيب: صحفي عراقي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved