خارطة طريق لتعزيز حضور كوردستان على الساحة الدولية
خارطة طريق لتعزيز حضور كوردستان على الساحة الدولية

في مشهد عكس عمق العلاقات بين إقليم كوردستان ودولة الإمارات، شهدت القاعة الرئيسية للقمة العالمية للحكومات، يوم الأربعاء 12 شباط 2025، لحظة فارقة بتوقيع مذكرة تفاهم بين الطرفين. وقف رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني جنباً إلى جنب مع وزير شؤون مجلس الوزراء الإماراتي محمد القرقاوي، ليضعا توقيعهما على وثيقة ستمتد لخمس سنوات قادمة.

ليست مجرد حبر على ورق، بل تجديد لاتفاقية سابقة أثبتت نجاحها، وفتح لآفاق جديدة في مجال الحوكمة، وتبادل الخبرات لتطوير الأداء الحكومي، والاستثمار في القدرات البشرية داخل مؤسسات الإقليم. هي رهان على التجربة الإماراتية الرائدة، ونافذة يطل منها الإقليم على مستقبل إداري متطور.

الصور: صابر درّي

 

لقاء القمة

«الاستقرار والتنمية وجهان لعملة واحدة» - هكذا يمكن تلخيص جوهر اللقاء الذي جمع بارزاني مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في أجواء ودية عكست عمق العلاقات بين الجانبين.

وبحضور نائب رئيس الوزراء قوباد طالباني، تبادل الزعيمان رؤى عميقة حول مستقبل المنطقة وتحدياتها. لم يكن اللقاء مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل محطة لتأكيد التزام مشترك بتعزيز علاقات استراتيجية متينة بين إقليم كوردستان والإمارات.

وأكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي گوفند شيرواني أن مشاركة رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، في المحافل الدولية مثل القمة العالمية للحكومات في دبي، تُعد فرصةً استراتيجيةً لتوقيع اتفاقيات شراكة وتعزيز التعاون مع جهات مختلفة. وأشار شيرواني في حديثه لمجلة «كوردستان بالعربي» إلى أن هذه المشاركات تسهم في تعظيم الفائدة التي يجنيها الإقليم من حضوره الدولي.

وأوضح شيرواني أن إقليم كوردستان، ممثلاً برئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، يحرص منذ سنوات على المشاركة الفاعلة في المحافل الدولية، حيث أصبحت الدعوات الموجهة للإقليم أمراً معتاداً بفضل النشاط الدبلوماسي الملحوظ الذي تقوده حكومة الإقليم. وعلى سبيل المثال، شارك رئيس إقليم كوردستان، نيجيرفان بارزاني، في المنتدى الدولي للأمن في ألمانيا بالتزامن مع مشاركة رئيس الحكومة، مسرور بارزاني، في القمة العالمية للحكومات بدبي.

وأضاف شيرواني أن هذا التكامل في النشاطات الدبلوماسية بين رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة أسهم في ترسيخ مكانة إقليم كوردستان كفاعل دولي متميز، يتمتع بنشاط دبلوماسي واسع وإسهامات إيجابية تتجاوز الإطار المحلي إلى المستوى الدولي.

من جانبه، أكد مسؤول الشؤون العربية والإقليمية في صحيفة «خەبات»، محمد زنگنة، أن مشاركة إقليم كوردستان في القمة العالمية للحكومات ليست الأولى من نوعها، لكنها تأتي في إطار سعي بارزاني لتعزيز هذه المشاركات وترسيخها. وأشار إلى الدور الكبير الذي لعبه الهلال الأحمر الإماراتي بالتعاون مع منظمة بارزاني الخيرية في تقديم الدعم الإنساني للنازحين واللاجئين في الإقليم.

وأكد زنگنة أن الزيارات المتكررة لبارزاني إلى الإمارات، واللقاءات المستمرة مع رئيس دولة الإمارات وحاكم إمارة دبي، تسهم في تعزيز العلاقات الثنائية وفتح آفاق جديدة للتعاون في مجالات متنوعة. وأضاف أن هذه الزيارات تعزز العلاقات الإنسانية والسياسية، وتفتح الباب أمام مشاركة الإقليم في أنشطة دولية أوسع.

دبلوماسية متعددة الأبعاد

على هامش القمة، انطلق بارزاني في ماراثون دبلوماسي لافت، متنقلاً بين اجتماعات رسمية ولقاءات ثنائية مع قادة وصناع قرار من مختلف أنحاء العالم. بدا كما لو أنه يحمل خارطة طريق واضحة لتعزيز حضور الإقليم على الساحة الدولية.

ولم تقتصر لقاءاته على المسؤولين الحكوميين، بل امتدت لتشمل قيادات القطاع الخاص ورجال الأعمال والمستثمرين، في استراتيجية واضحة لخلق منظومة تعاون متكاملة تدعم تطلعات الإقليم الاقتصادية والتنموية.

گوفند شيرواني أشار إلى أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين إقليم كوردستان ودولة الإمارات العربية المتحدة، تتمتع بقوة كبيرة وتهدف إلى تعزيز الجانب الاقتصادي. ولاحظ في السنوات الأخيرة تركيزاً خاصاً على القطاع الزراعي، حيث يتم تصدير العديد من المنتجات الزراعية من الإقليم إلى الإمارات، مثل رمان حلبجة الشهير، وتفاح برواري، والبطاطا من سهول أربيل ودهوك، والتي لاقت رواجاً كبيراً لدى المستهلكين الإماراتيين.

وأكد شيرواني أن هذه الصادرات الزراعية لا تدعم المزارعين الكورد فحسب، بل تسهم أيضاً في تنويع مصادر الدخل الاقتصادي للإقليم، مما يساعده على تقليل الاعتماد على النفط.

بارزاني يروي قصة كوردستان للعالم

«الأمن والاستقرار يشكلان عاملاً جاذباً للمستثمرين» - بهذه الكلمات الواضحة، أطل بارزاني على العالم من منصة القمة العالمية للحكومات في جلسة حوارية خاصة حملت عنوان «تخطي التحديات واغتنام الفرص».

بثقة الخبير وحكمة القائد، قدم بارزاني رؤية شاملة لتجربة الإقليم في مواجهة تحديات متعددة الأبعاد - سياسية واقتصادية وصحية. لم يكتفِ بسرد التحديات، بل قدم خلاصة تجربة عملية في كيفية تحويل هذه التحديات إلى فرص للنمو والتطور.

وأوضح زنگنة أن هذه المشاركات تهدف إلى إبراز التجربة الكوردية الناجحة في الإقليم، وفتح أبواب التعاون في مجالات الاستثمار والثقافة والسياحة، بالإضافة إلى تسويق منتجات الإقليم في الأسواق العالمية. وأشار إلى أن الإمارات العربية المتحدة تُعد شريكاً استراتيجياً لإقليم كوردستان، حيث تربط البلدين علاقات متجذرة تعود إلى ثمانينات القرن الماضي، عندما قدمت الإمارات مساعدات إنسانية لضحايا عمليات الأنفال عبر منظمة الهلال الأحمر الإماراتي. 

وأكد شيرواني أن حكومة الإقليم تسعى جاهدة لتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي مع الدول العربية والخليجية، لا سيما في القطاعات الصناعية والسياحية والاستثمارية. وأشار إلى أن جميع زيارات المسؤولين الكورد إلى الخارج تؤكد على ترحيب الإقليم بالاستثمارات العربية والخليجية في مختلف المجالات.

ولفت إلى أن المستثمرين الخليجيين بدأوا يظهرون بشكل واضح في قطاعات مثل الطاقة والغاز، معرباً عن أمله في توسيع هذا التعاون ليشمل قطاعات أخرى كالسياحة والإسكان والصناعة، مما يعزز التنوع الاقتصادي ويخلق فرصاً جديدة للإقليم.

الشباب والتعليم في قلب رؤية بارزاني

بعيداً عن الخطاب التقليدي للقادة، وضع بارزاني الشباب في مركز استراتيجية التنمية، معتبراً الجيل الجديد «واعياً ومبدعاً» وقادراً على مواجهة التحديات بأفكار خلاقة.

«لقد قدمنا قروضاً لتمكين الشباب من إطلاق مشاريعهم الخاصة» - هكذا ترجم بارزاني الشعارات إلى إجراءات عملية، مؤكداً أن حكومته لا تكتفي بالوعود بل تضع آليات حقيقية لدعم طموحات الشباب الكوردستاني.

ولم ينسَ بارزاني التأكيد على أهمية التعليم كركيزة أساسية للتنمية، مشيراً بفخر إلى «وجود جامعات ومعاهد حكومية وخاصة ودولية في الإقليم، يعمل خريجوها في مختلف القطاعات، مما يعكس جودة التعليم الذي نقدمه».

كوردستان شريك فاعل في المستقبل

مع اختتام فعاليات القمة التي استمرت من 10 إلى 13 شباط 2025، بدا واضحاً أن مشاركة بارزاني تجاوزت حدود التمثيل البروتوكولي لتصبح منصة لإعادة تموضع الإقليم في خارطة العلاقات الدولية.

وحول هدف المشاركة في هذا المحفل العالمي، لخص بارزاني الهدف في «بناء مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة»، مؤكداً التزام إقليم كوردستان بالانخراط الإيجابي في الجهود الدولية لمواجهة تحديات المستقبل.

واختتم شيرواني حديثه مشيراً إلى أن العالم ينظر إلى إقليم كوردستان كواحة أمان وسلام، خاصة بعد أن احتضن ملايين النازحين العراقيين الذين وجدوا فيه ملاذاً آمناً خلال الأزمات التي مرت بها البلاد.

وأشار زنگنة في الختام إلى أن أول رحلة طيران من مطار أربيل الدولي بعد افتتاحه كانت متجهة إلى دبي، مما يعكس عمق العلاقات بين الجانبين.


رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved