القنصل التركي في أربيل: نسعى لزيادة التبادل التجاري مع العراق إلى 30 مليار دولار
القنصل التركي في أربيل: نسعى لزيادة التبادل التجاري مع العراق إلى 30 مليار دولار

تشتهر أربيل بكرم ضيافتها وأجوائها التي تعزز التعايش السلمي، فهي تحتضن الجميع، سواء كان لاجئاً يبحث عن مأوى آمن أو دبلوماسياً يمثل دولة أجنبية. هذه الثقافة الفريدة للشعب الكوردي حظيت أيضاً بإشادة إرمان توبجو، القنصل العام التركي في أربيل، خلال مقابلة مع «كوردستان كرونيكل».

وخلال الحديث، استذكر توبجو الأيام التي تم تكليفه فيها بالمساعدة في افتتاح القنصلية العامة لتركيا في أربيل في عام 2010، مشيراً إلى أن أربيل شهدت تحولاً كبيراً منذ ذلك الحين وأصبحت مدينة عصرية ونابضة بالحياة.

«كوردستان كرونيكل»: كيف تقيّمون العلاقات الحالية بين تركيا وإقليم كوردستان العراق؟

القنصل العام إرمان توبجو: قد يكون هذا الوقت المناسب للإجابة عن هذا السؤال، لأننا قبل فترة فصيرة شهدنا زيارة رفيعة المستوى قام بها معالي رئيس الوزراء مسرور بارزاني إلى تركيا. في الواقع، لقد تأملت في الفترات السابقة واكتشفت نمطاً من الطراز الرفيع من الزيارات. على سبيل المثال، وجود رئيس وزراء حكومة إقليم كوردستان في تركيا في حزيران 2023، ومن ثم قدوم سيادة الرئيس رجب طيب إردوغان إلى أربيل في نيسان 2024. بعد ذلك استضفنا رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني في أنقرة، كذلك رئيسي حزبين سياسيين؛ وهما الاتحاد الإسلامي الكوردستاني والجيل الجديد.

وكما ترون، هناك تفاعل على مستوى عالٍ جداً، لا يقتصر فقط على تلك الزيارات واللقاءات. هناك تواصل مستمر على مستوى مرموق، وهو أمر فريد ومهم للغاية. وبالتالي عندما يتوفر لديك هذا النوع من العلاقات، وهكذا رابطة إنسانية قوية، وتفاعل رفيع المستوى، فإن المستقبل يكون جلياً ومنفتحاً، إضافة إلى تواجد مجال وفرص لتعزيز العلاقات وتقوية التعاون - وخاصة في أوقات كهذه.

«كوردستان كرونيكل»: هل هناك إحصائيات محددة توضح العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإقليم كوردستان؟

القنصل العام إرمان توبجو: إن تحليل أرقام التجارة بين إقليم كوردستان وتركيا أمر إشكالي بعض الشيء، كون إقليم كوردستان جزءاً من دولة اتحادية، أي العراق. لكن العراق يعتبر رابع أكبر شريك تجاري لتركيا. يبلغ حجم تجارتنا نحو 20 مليار دولار. صحيح أن هذا المبلغ أقل مما ينبغي أن يكون بسبب الجمود الحالي في صادرات النفط، لكنه لا يزال في حدود 20 مليار دولار، وهناك إرادة مشتركة لزيادته إلى 30 مليار دولار. ونستطيع أن نقدّر تقريباً أن 30% من حجم هذه التجارة هي مع إقليم كوردستان، ولكن علاقاتنا الاقتصادية لا تقتصر على التجارة، بل هناك أيضاً الاستثمار، وهو أمر في بالغ أهمية.

رأيت بياناً من مجلس الاستثمار لحكومة إقليم كوردستان يقدم تركيا كأكبر مستثمر في إقليم كوردستان، بمبلغ يقارب ملياري دولار، وأعتقد أن هذا المبلغ يجب أن يكون أكبر نظراً لوجود الشركات التركية في إقليم كوردستان منذ فترة طويلة. فقد ساهموا وما زالوا يساهمون وسيواصلون المساهمة في تنمية هذه المنطقة. كما ساعد وجودهم وأنشطتهم هنا في تعزيز علاقاتنا السياسية أيضاً. 

قبل 14 عاماً، عندما كنت أعمل كدبلوماسي مبتدئ في بغداد، وأسافر إلى أربيل بشكل دوري، أتذكر أننا في بعض الأحيان كنا نضطر إلى الذهاب إلى عنكاوا للقيام بالتسوق وشراء حاجياتنا الرئيسية. في ذلك الوقت، كما أتذكر، كانت المسافة بين عنكاوا ومكتبنا قصيرة جداً. كان ذلك قبل نحو 14 عاماً. أما الآن فقد تغيرت معالم أربيل وواجهتها، وأصبحت الشركات التركية واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في تحقيق هذا النمو.

«كوردستان كرونيكل»: هل هناك خطط لفتح معابر حدودية جديدة بين إقليم كوردستان وتركيا لتعزيز التجارة بشكل أكبر؟

القنصل العام إرمان توبجو: يعتبر معبر إبراهيم الخليل الحدودي أحد أكثر المعابر ازدحاماً في العالم، فهو يمثل شريان الحياة لهذه المنطقة ويربط العراق بأوروبا وخارجها. ومن المؤكد أن فتح معابر حدودية جديدة أو توسيع المعابر القائمة لأي أغراض أخرى من المواضيع المدرجة في جدول الأعمال، ولكن هذا يحتاج إلى التنسيق مع بغداد.

لقد كانت المعابر الحدودية أحد البنود الرئيسية في المناقشات الجارية حول مشروع طريق التنمية، وهو مشروع واعد للغاية وندعمه. كما نعتقد أن الجميع يجب أن يستفيدوا منه. ومن جانبنا، فإننا نسعى دائماً إلى جعل الحركة التجارية والمدنية عبر معابرنا الحدودية أكثر كفاءة. في المناطق الحدودية، عندما يتعلق الأمر بأي نوع من الأنشطة، لطالما كانت المشكلة الرئيسية في وجود تنظيم (PKK) الإرهابي. لقد كانوا مصدر إزعاج للقرويين الذين يمارسون الأنشطة الزراعية والاقتصادية. إنهم ببساطة يعرضون السكان المدنيين للخطر. ولكن نتيجة لجهودنا المشتركة مع حكومة إقليم كوردستان، فقد تم تقليص وجودهم إلى حد كبير في المناطق الحدودية. وكان ذلك ممكناً إلى حد ما بفضل قدراتنا التقنية، وإرادتنا السياسية القوية، وبالطبع تعاوننا مع حكومة إقليم كوردستان.

«كوردستان كرونيكل»: فيما يتعلق بالاستثمارات التركية في إقليم كوردستان، هل هناك صناعات أو قطاعات اقتصادية محددة تحظى بالأولوية لدى تركيا؟

القنصل العام إرمان توبجو: لدينا استثمارات في كافة قطاعات اقتصاد إقليم كوردستان، بما في ذلك الطاقة والبناء والصحة. المستثمرون الأتراك حاضرون في كل المجالات وملتزمون للغاية. عندما توليت منصبي وبدأت عملي في أربيل، أعطيت الأولوية للتواصل مع مجتمع الأعمال التركي هنا، مع التركيز على مشاكلهم وكيف بإمكاني أن أكون مساعداً لكل من الشركات التركية والحكومة. لقد كنت فخوراً للغاية برؤية هذا الحضور التجاري النابض بالحياة والديناميكي والفعال هنا في إقليم كوردستان العراق وبتقديم الخدمات الحيوية للسكان المحليين. فالشركات والاستثمارات التركية تشكل - في الواقع - القوة الدافعة وراء التطورات في إقليم كوردستان.

ولذلك، أفضّل أن أقول إنه لا توجد أولويات. فأي قطاع يكون فيه طلب، هناك شركة أو رائد أعمال تركي على استعداد لتلبية الطلب. ولا يسعني إلا أن أشيد بحكومة إقليم كوردستان لأنها منفتحة دائماً على الشركات التركية التي تتولى تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى. فكلما كانت هناك مشاريع استثمارية رائدة، كانت الشركات التركية حاضرة. ويحاول المستثمرون الأتراك الارتقاء إلى مستوى هذا التوقع.

في الوقت نفسه، لا تزال هناك قضايا قائمة، بعضها بحاجة إلى معالجة من قبل حكومة إقليم كوردستان، لكن البعض الآخر ينبع من العلاقة بين بغداد وأربيل، والتي يجب معالجتها ونحن على استعداد لتسهيل ذلك أيضاً. وأعتقد أن عام 2025 سيكون العام الذي يمكننا فيه تحقيق التطورات على الجبهتين.

«كوردستان كرونيكل»: شهدت تركيا مؤخراً مبادرة لاستئناف عملية السلام في البلاد. ما هو الدور الذي تعتقدون أن إقليم كوردستان يمكن أن يلعبه للمساعدة في نجاح الحوارات المستقبلية؟

القنصل العام إرمان توبجو: هذه عملية سياسية في تركيا، وقد لا يكون من المناسب لي التعليق على ذلك.

«كوردستان كرونيكل»: بالنظر إلى التطورات الأخيرة في سوريا، كيف تعتقدون أن تركيا وإقليم كوردستان يمكن أن يدعما الاستقرار في سوريا؟

القنصل العام إرمان توبجو: نحن الآن أمام واقع إقليمي جديد، حيث أصبح هناك أمر واضح ألا وهو انتهاء ثقافة التحكّم التي تمارسها القوى المهيمنة. وتتميز هذه المرحلة الجديدة بضرورة التعاون الإقليمي. وفي هذا الصدد، تعتبر تركيا والعراق وإقليم كوردستان المناطق الأكثر تأثراً بأي تطور في سوريا. إذ إننا نواجه تحديات مماثلة. وأعتقد أن دور العراق ككل، وليس إقليم كوردستان فحسب، سيكون أكثر أهمية من أي وقت مضى بعد التطورات في سوريا. وينبغي لنا أن نركز جهودنا على الحفاظ على الاستقرار السياسي وسلامة أراضي سوريا وسيادتها. كما يجب منع حزب العمال الكوردستاني وداعش من استغلال التطورات على الأرض. 

الصورة: فرهاد أحمد

 

«كوردستان كرونيكل»: باعتبارك من كبار الدبلوماسيين الذين يمثلون تركيا في إقليم كوردستان، ما هي رسالتك للمجتمع المضيف؟

القنصل العام إرمان توبجو: ستندم على طرح هذا السؤال لأنني لا أستطيع أن أحصر نفسي في إجابة قصيرة. أنا الآن أتولى رئاسة بعثة دبلوماسية لأول مرة في مسيرتي الدبلوماسية، وأربيل مدينة مهمة للغاية من نواحٍ مختلفة. وهذا لا ينطبق على السياسة الخارجية فحسب، بل وعلى المجالات الثقافية والسياسية أيضاً. إنه منصب بالغ الأهمية، ويشرفني جداً أن يتم اختياري لهذا المنصب.

وبالحديث على الصعيد الشخصي، تحتل أربيل مكانة خاصة في قلبي، لأنه عندما كنت دبلوماسياً شاباً في بغداد، كان لي الشرف والمسؤولية في مساعدة القنصل العام الأول في افتتاح هذه القنصلية لأول مرة، حتى أنني اضطررت إلى وضع الطوب وطلاء الجدران داخل المكتب عندما كان هناك نقص في اليد العاملة.

في تلك الفترة، كنت أتردد دائما إلى أربيل - ليس فقط لأغراض العمل القنصلي بل أيضاً لمرافقة سفيري. إليكم قصة شخصية ربما أشاركها علناً للمرة الأولى. في إحدى تلك الزيارات مع سفيري، تم تقديمي إلى كاك مسعود بارزاني، الذي قال لي بعد أن علم أنني وافد جديد إلى الدبلوماسية «إن شاء الله ستأتي يوم ما إلى أربيل كقنصل عام!». والآن، أنا هنا بصفتي القنصل العام الخامس لتركيا، وهذا هو العام الخامس عشر لسفارتنا. وبالمناسبة، نحن بصدد التفكير في تنظيم حدث لإحياء ذكرى مرور 15 عاماً على وجودنا في أربيل.

كما أن هناك جانب آخر للقصة، وهو شخصي إلى حد ما. تزوجت من زوجتي إسين في شهر آب عام 2009، وبعد شهر العسل مباشرة بدأت عملي في بغداد. وفي العام التالي، عشية الذكرى السنوية الأولى لزواجنا، كنا نتحدث حول التخطيط لهذه المناسبة، واقترحت عليها القدوم إلى أربيل فوافقت بكل سرور. وبالفعل قدمت إلى هنا ومكثت لمدة ثلاثة أيام، وكانت تجربة ممتعة. والآن، بعد مرور 14 عاماً، نحن هنا كعائلة في أربيل. نشعر باحتضان المدينة والناس لنا. نشعر بالمودة. في الواقع، فإن أي مواطن أو دبلوماسي تركي يخدم في أربيل يدرك ويستشعر حقاً هذه المودة الثقافية والشخصية الهائلة التي يظهرها لنا الناس. 

ولكن في حياتنا الشخصية والمهنية في أربيل، فإن هذا يشكل تحدياً كبيراً، إذ يتعين علينا أن نرقى إلى مستوى تلك المودة وذاك التوقع عندما يتعلق الأمر بتعزيز العلاقات بين الناس والعلاقات الرسمية. ولهذا السبب أعتقد - كدبلوماسي - أن هناك جانباً واحداً من القصة نحتاج إلى الاستثمار فيه أكثر، ألا وهو الجانب الثقافي.

لدينا علاقات ممتازة على الصعيد السياسي. وكما قلت، هناك اتصال دائم وعلى أعلى مستوياته. فكلما سافر سياسي كوردي من إقليم كوردستان العراق إلى تركيا، يحظى باستقبال كبير. أما بالنسبة للجانب الاقتصادي، كما قلت، فهو ناجح أيضاً. فعلى الرغم من شهود المنطقة ظروف متقلبة، لكن دائماً ما كانت الأمور تأخد منحىً تصاعدياً. والتعاون الأمني ​​ممتاز وسيزداد قوة. وما يتخلف هو الجانب الثقافي. بالنسبة لعامة الناس هناك تفاعل كبير. ولكن على مستوى الدولة، من الجانب التركي، نحتاج إلى أن نكون أكثر مشاركة ونشاطاً، وهذا ما سيكون من ضمن الأولويات في عام 2025.

هناك جانبان آخران للقصة. فمن ناحية، يوجد هنا مجتمع تركي مغترب موهوب ونشط وحيوي للغاية، وهم موجودون في كل مناحي الحياة، ولكنهم بحاجة إلى التوحد تحت منصة واحدة لأن معظمهم لا يعرفون بعضهم البعض. ومن ناحية أخرى، هناك توقعات من جانب السكان المحليين - سواء كانوا كورداً أو تركمانيين أو أي جزء آخر من المجتمع، بإظهار أن تركيا حاضرة من منظور ثقافي في أربيل. ولهذا السبب سنقوم هذا العام بإنشاء منصة للمواطنين الأتراك المقيمين في أربيل، حيث سيتم دعوة الأفراد المشاركين في جميع القطاعات. ستكون هذه المنصة مكاناً مهماً للأنشطة الثقافية.

أعتقد أن عام 2025 سيكون عاماً نشطاً وحافلاً للغاية. فإذا سمح السياق الإقليمي والوضع الأمني ​​والسياسي بذلك، سنقوم بتنظيم العديد من الحفلات الموسيقية والمعارض والأنشطة الثقافية الأخرى، والتي ستظهر للناس هنا تركيا التي يحبونها ويحترمونها. بالإضافة إلى ذلك، نحن سعداء جداً باستمرار هذا التبادل الثقافي. لدينا عدد كبير من الزوار من كوردستان في تركيا كسياح. وفي هذا الصدد، أود أن أؤكد أنه إذا أمعنتم النظر إلى موقع تركيا الجغرافي، فستجدون أننا نتمركز في قلب العديد من الأزمات والحروب والصراعات التي تشكل السياق الجيوسياسي العالمي. وفي خضم كل الاضطرابات على المستوى الإقليمي، تبقي تركيا أبوابها مفتوحة. وأعتقد أن هذا أمر فريد من نوعه فقط تركيا قادرة على فعل ذلك.

وكما كان الحال في الماضي، فإن حدودنا مفتوحة دائماً. بل إننا نعمل على تسهيل حركة الأشخاص؛ على سبيل المثال، قمنا مؤخراً بإلغاء تأشيرات الدخول للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً أو أقل من 15 عاماً، الأمر الذي شجع الناس على زيارة تركيا بشكل أكبر.

ومع استمرار هذا التبادل والتفاعل الإنساني، يترتب علينا، من جانب القنصلية، أن نبني على ذلك من خلال أنشطتنا هنا في أربيل. فبينما نتابع الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، سنركز أكثر على الجانب الثقافي للعلاقات.

لقد كانت تلك إجابة طويلة ولكنها أعطيت بصدق. وختاماً، أود أن أشكر «كوردستان كرونيكل» من أعماق قلبي لمنحي هذه الفرصة.




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved