استطاع فلاح كوردي من قرية كربنجه، التابعة لناحية سنگاو في قضاء چمچمال بمحافظة السليمانية، أن يميز نفسه كأحد أبرز المزارعين في المنطقة بزراعة الخضراوات والفواكه بأشكال وألوان وحتى بأحجام غير معتادة. شيخ جمال كربنجه، الملقب بالفلاح الاستثنائي، حوّل أرضه إلى لوحة زراعية نابضة بالحياة، حيث يزرع أكثر من عشرين نوعاً من الخضروات، إلى جانب تفوقه في إنتاج عشرة أصناف مختلفة من الطماطم بألوان وأحجام متنوعة.
يتحدث شيخ جمال عن شغفه بالزراعة منذ طفولته، مستذكراً رحلته مع عائلته إلى ناحية بَكرَجو في السليمانية، حيث بدأت علاقته العميقة بالأرض. يقول: «أنا أحب الأرض التي أزرعها منذ صغري، كما أن الزراعة أصبحت جزءاً كبيراً من حياتي وحياة عائلتي. إنها ليست مجرد مهنة، بل جزءاً لا يتجزأ مني، متوارَثة كما يتوارث الناس حب الأرض».
ومن بين إنتاجه الفريد، برزت أنواع الطماطم التي يعمل على تطويرها بأشكال وألوان مختلفة، ومن ضمنها صنف «طماطة برَو»، وهي طماطم سوداء صغيرة الحجم تشبه الطماطم الكرزية. يوضح قائلاً: «حصلت على بذور هذه الطماطم وزرعتها، ثم قمت بتعديل بعضها وراثياً باستخدام الأسمدة والفيتامينات المختلفة. أراقب النتائج وأجري التعديلات يدوياً حتى أصل إلى اللون، والحجم، والشكل، والطعم المطلوب. أغيّر لونها من الأحمر إلى الأصفر، ومن الأسود إلى البرتقالي، وكل ذلك يتم بالطرق التقليدية من دون الاعتماد على التكنولوجيا».
لا يقتصر اهتمامه على الزراعة التقليدية فحسب، بل يجري في كل موسم اختبارات معملية لمعرفة المعادن المفقودة في التربة، مستخدماً السماد الحيواني تارة، والسماد الكيميائي تارة أخرى، لتحسين جودة التربة وزيادة خصوبتها، مما يضمن الحصول على محاصيل ذات جودة عالية.
هذا الشغف بالتجربة والتطوير جعله نموذجاً فريداً في عالم الزراعة، مما أهّله لدخول قائمة المزارعين النموذجيين في شبكة (Lighthouse Farms) الدولية التابعة لجامعة فاخنينغ الهولندية. بعد زيارة ميدانية لمزرعته ودراسة المحاصيل التي يزرعها، تم الاعتراف به كأحد المزارعين النموذجيين ضمن هذه الشبكة. ويواصل شيخ جمال تطوير إنتاجه ليؤكد أن «الزراعة ليست مجرد عمل، بل أسلوب حياة ينبض بالعطاء والتجديد. إنها ليست فقط مصدراً للغذاء، بل أساس الاستقرار الاقتصادي والاكتفاء الذاتي لأي مجتمع».
وزيرة الزراعة والموارد المائية في إقليم كوردستان، بيگرد طالباني، صرحت قائلة: «مع انضمام المزارع النمودجي شيخ جمال كربجنة إلى الشبكة العالمية للمزارعين النموذجيين، سيدخل اسم كوردستان للمرة الأولى في تاريخ الكورد في خريطة اثنتي عشرة دولة متقدمة زراعياً ومعروفة بالدراسات المهمة والأكاديمية. سيكون اسم كوردستان بكل فخر البلد الثالث عشر في هذه الخريطة».
وأضاف شيخ جمال قائلاً: «تشجيع الفلاحين للعودة إلى أراضيهم وزيادة إنتاجيتهم لمنافسة الأسواق المحلية. لأن ذلك يحقق الأمن الغذائي بالاعتماد على الإنتاج المحلي ويقلل الحاجة إلى الاستيراد، مما يضمن استقرار الأسعار وتوافر المنتجات الطازجة، ويعزز الاقتصاد المحلي من خلال دعم المزارعين وتحفيزهم، ويسهم في خلق فرص عمل وتطوير سلاسة التوريد والإنتاجية. لأنه من الضروري الحفاظ على البيئة الزراعية المستدامة كونه يعزز صحة التربة ويحمي التنوع البيولوجي، مما يضمن استمرارية الإنتاج للأجيال القادمة» هذا ما نصح به شيخ جمال مستمداً من الأوضاع التي شهدت في السنوات الأخيرة تزايد الهجرة الريفية. ومن الضروري الحد من هذه الظاهرة ليبقى الفلاحون في قراهم بدلاً من التوجه إلى المدن بحثاً عن مصادر دخل بديلة. لأن دعم الإنتاج المحلي يسهم في توفير خضروات وفواكه طازجة في الأسواق، مما ينعكس إيجابياً على صحة المستهلكين، ويسهم في ازدهار الاقتصاد واستدامة الحياة الريفية.
وزيادة الإنتاجية حسبما يذكر الفلاح الكوردي يتطلب مجموعة من الخطوات العملية التي تعزز استدامة وتطور الزراعة المحلية، ومنها:
1) توفير الدعم المالي والتقني، وهذا يشمل:
- تقديم قروض ميسرة أو منح مالية للمزارعين لتوسيع إنتاجهم.
- توفير معدات زراعية حديثة بأسعار مدعومة لتسهيل العمل وتحسين الإنتاجية.
- دعم البحث والتطوير في تقنيات الزراعة التقليدية والمعدلة وراثياً.
2) تدريب المزارعين وتبادل الخبرات في:
- تنظيم ورش عمل ودورات تدريبية لتعريفهم بأحدث تقنيات الزراعة المستدامة.
- إنشاء شبكات تواصل بين المزارعين المحليين والدوليين لتبادل الخبرات والتجارب الناجحة.
3) تحسين البنية التحتية الزراعية، وذلك عن طريق:
- تطوير أنظمة الري الحديثة لتقليل هدر المياه وزيادة كفاءة الإنتاج.
- إنشاء مختبرات محلية لتحليل التربة والمساعدة في اختيار الأسمدة المناسبة.
- تحسين سلاسل التوريد والتخزين للحفاظ على جودة المنتجات.
4) دعم التسويق والتصدير، مثل:
- فتح أسواق جديدة محلياً وعالمياً لتسويق المنتجات بأسعار عادلة.
- تسهيل مشاركة المزارعين في المعارض الزراعية الدولية والمحلية.
- تشجيع المتاجر والأسواق الكبرى على شراء المنتجات المحلية ودعم الفلاحين.
5) تحفيز الشباب على دخول المجال الزراعي، وذلك بـ:
- تقديم حوافز للشباب للاستثمار في الزراعة، مثل منح أراضٍ زراعية بأسعار رمزية.
- دمج الزراعة في المناهج الدراسية لتعزيز ثقافة العمل الزراعي بين الأجيال الجديدة.
شنو الداودي: صحفية وكاتبة من كركوك