لم ينفك يوسف كمال عن هوايته بجمع الطوابع البريدية منذ أكثر من نصف قرن، بداية من رغبته في الاحتفاظ بها، مروراً بالمشاركة في ملتقيات محلية، وصولاً إلى مشروعه بإنشاء رابطة تحمل صفة دولية.
ويُعدُّ كمال أحد أقدم هواة الطوابع البريدية في كوردستان، ويشغل عضوية مجلس الإدارة في جمعية هواة الطوابع البريدية في العراق، وهو أيضاً ممثل إقليم كوردستان فيها.
«كوردستان بالعربي» أجرت حواراً مع كمال، أوضح من خلاله سيرته مع جمع الطوابع البريدية، وهي هواية اعتاد عليها منذ نحو 54 عاماً، وقال، إن «الطوابع البريدية هي جزء كبير من حياتي، وما لديّ حالياً يُعدُّ ثروة لا تقدر بثمنٍ». وأضاف أن «للطوابع البريدية وغيرها من الهوايات، مثل القلم وكرة القدم حكايات مؤثرة طيلة سنوات حياتي».
ويتحدّث كمال عن أول طابع بريدي حصل عليه بالقول إن «أحد أصدقائي عندما كنت في السادسة من العمر كان يحمل طابعاً بريدياً، فأبديت رغبتي في الحصول عليه... وكانت هذه الحادثة في عام 1971، حينها اشترط صديقي أن يستبدل طابعه ببعض بطاقات اللعب التي كانت بحوزتي».
ولم يكتف كمال بأخذ الطابع البريدي من صديقه، بل اتجه للاطلاع على الكتب والمجلات الخاصة بالطوابع البريدية، وأفاد، بأن «أول ما قمت بشرائه بعد ذلك، هو مجلة «الطوابع للصغير» وكان ثمنها في حينه 50 فلساً، وبها ازداد شغفي في جمع هذه الطوابع، فقد اطلعت على معلومات علمية عن أنواعها وتصنيفاتها، وعلى وفق هذه الآلية قسّمت ما لديّ من طوابع».
والطابع البريدي عبارة عن قطعة ورقية صغيرة، تحمل اسم البلد الذي صدّرها، يتم وضعها على أغلفة مظاريف الرسائل البريدية قبل إرسالها، وهي تبيّن أن رسم البريد مدفوع مسبقاً. ولهذه الطوابع أشكال هندسية مختلفة، فمنها المستطيل وهو الأكثر انتشاراً، إضافة إلى المربع أو الدائري.
وتعود فكرة إنشاء الطوابع البريدية إلى مدير البريد البريطاني (السير رونالد هيل) في عام 1837، الذي تناول في مؤلفه (إصلاحات البريد)، أهمية البريد والقدرة على تطويره من خلال الطوابع، ونالت فكرته تأييد المجلس النيابي البريطاني، ليبدأ العمل بنظام الطوابع البريدية منذ ذلك الحين.
وبهذا، فإن بريطانيا تُعدُّ أول دولة عملت بنظام الطوابع البريدية، بعد أن صدر أول طابع بريدي فيها بتاريخ 6/5/1840، وكان هذا الطابع يحمل صورة الملكة فكتوريا.
وانتقلت هذه الفكرة بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية، وهي ثاني دولة استخدمت الطوابع البريدية وذلك في عام 1842، وحمل طابعها صورة الرئيس جورج واشنطن.
وذكر كمال الذي يحتفظ بألبومات فيها نحو 700 طابع بريدي كل واحد مختلف عن الآخر، وهي في مكان آمن بمنزله، أن أرشيفه «يشمل طوابع للعراق بعد استقلاله، ولجميع الحقب، منها ما يعود إلى العهد الملكي، أو العهد الجمهوري أو الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت البلاد». ويضيف أن «من بين هذه الطوابع، هو أول وآخر طابع لكوردستان، أصدره الشيخ محمود الحفيد، رئيس حكومة جنوبي كوردستان عام 1917». ويُظهر الطابع سيفين متباعدين من طرف المقبض حتى النصل، لكنهما متقاطعين عند المضرب، ويوضّح كمال، أن «السيف رمز للحرب والقوة والدفاع عن النفس».
ويواصل كمال أن «الشيخ محمود الحفيد أسّس في مدينة السليمانية وأطرافها حكمدارية حملت اسم (حكومة جنوب كوردستان)». وقال إن «الحفيد أطلق على نفسه اسم (الملك محمود الأول)، وعيّن الشيخ قادر الحفيد رئيساً للحكومة السباعية وولياً للعهد». لذا فقد كان الطابع يحمل «عبارة بصيغة (حكومت جنوب كوردستان) ورُسِمَ عليه خنجران متماثلان، وفي الأسفل فئة الطابع بالعملة الهندية التي كانت متداولة آنذاك، وهي (آنة واحدة إلى 75 روبية)». وأكد كمال أن «الطابع تم ختمه بختم الحكمدارية؛ وذلك للحيلولة دون تعرضه لأي محاولات للتزوير والتزييف».
ويسترسل كمال أن «هذا التحول جعل المرحوم أحمد خواجة يصمّم طابعاً خاصاً للحكمدارية، وتم طباعته محلياً على ورق من طراز (الأبرو) بنحو 12 لوناً»، وكشف أن «عملية الطباعة تمت في مطبعة أحضرها أدمونز إلى السليمانية عندما احتلتها القوات البريطانية».
وأردف كمال أن «أول من نشر معلومات عن الطابع وصورته، هو عبد الحميد قاسم في مجلة الطوابع عام 1961»، مبيناً أن «المجلة صدرت حينها عن جمعية هواة الطوابع العراقية ببغداد».
وبسؤاله عن تاريخ هواية جمع الطوابع، قال كمال إن «تاريخها في كوردستان يعود إلى مرحلة الحكم العثماني»، مضيفاً أن «عبد العزيز يامولكي يُعدُّ أول كوردي مارس الهواية، وهو شخصية سياسية وعسكرية عاش بين عامي 1890 و1974، وقدّ تعلّمها من والده الذي كان ضابطاً رفيعاً في الجيش العثماني».
وما زال كمال يشارك أقرانه في أربيل وبغداد المناسبات الخاصة بالطوابع البريدية، ورغم وجود عدد غير قليل من التجمعات لمحبي هذه الهواية لكنه لم يخفِ قلقه من اندثارها، وقال إن «التطورات التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاجتماعي وغيرها من العوامل قلّلت من تأثير الطوابع البريدية، ونحن نخشى اليوم من انقراضها تماماً».
ومرت الطوابع البريدية في العراق بمراحل مختلفة، منذ أن كان يرزخ تحت احتلال الدولة العثمانية التي استخدمت طوابعها في مكاتب بريد بغداد والبصرة وكركوك والموصل منذ عام 1863، وكذا الحال بالنسبة للاحتلال البريطاني، قبل أن يصدر العراق أول طابع بريدي حمل صورة الملك فيصل الأول عام 1931.
وللطوابع البريدية أنواع، منها التذكارية وأخرى خاصة بالنقل الجوي والمثقوبة والمصنوعة، كما توجد طوابع للمناسبات تخليداً لبعض الأحداث التاريخية.
أما صور هذه الطوابع فهي مختلفة أيضاً، فعلى سبيل المثال أن البعض منها لشخصيات رسمية في الدول مثل الملوك والرؤساء والقادة، والبعض الآخر لمعالم تاريخية.
وظهر حراكٌ في عدد من الدول لتشكيل رابطة معنية بهواة الطوابع البريدية، وخلص كمال إلى أن «المشروع الذي نعمل عليه حالياً يشمل دولاً وأقاليم مختلفة في آسيا وأفريقيا وأوروبا».
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية