يحمل حاسوبه، كاميرته، وميكروفونه بقلبه وما تبقى من ذراعيه، اللتين فقدهما في حادث مؤلم غيّر مجرى حياته إلى الأبد. إنه الصحفي الكوردي شهاب أحمد لاس، الذي رفض الاستسلام لحزنه وألمه، وقرر أن يشق طريقه في عالم الصحافة بلا يدين.
في ربيع عام 2012، كان شهاب طفلاً لم يتجاوز العاشرة حين وقعت الحادثة التي غيّرت حياته. أثناء لعبه مع الأطفال في ساحة قريته «شرمن» بمدينة عقرة شمال كوردستان، أمسك بأسلاك كهربائية من دون أن يدرك خطورتها، فسرى التيار عبر جسده الصغير، متسبباً في أضرار بالغة. وفي العام نفسه، اضطر الأطباء إلى بتر يديه بعد أن تعرضت أعصابهما للتلف الكامل.
الإرادة والعزيمة... من المحنة إلى النجاح
«الأبطال لا يُصنعون في صالات التدريب الرياضية، بل يُصنعون من القيم العميقة بداخلهم»، مقولة تلخص رحلة شهاب الذي لم يسمح لفقدان ذراعيه أن يكون عائقاً أمام طموحاته. في سنوات مراهقته، خاض صراعاً مع اليأس وغياب الرؤية، لكن حلمه بأن يصبح صحفياً أضاء له الطريق وسط الظلام.
يقول شهاب: «جسدي بستان، وإرادتي هي البستاني»، مثلٌ قديم أحبه، لأنه يعكس رحلته مع التحديات.
رحلة التدريب... البحث عن حلول بديلة
أدرك شهاب أن العمل الصحفي ليس سهلاً، خاصةً أن الكثير من مهامه تعتمد على استخدام اليدين والأصابع. لكنه لم يسمح لهذا التحدي بأن يقف في طريقه، فبدأ بتدريب نفسه على طرق بديلة لإنجاز مهامه. يشرح آليات التدريب التي اتبعها: «في البداية، كنتُ أضمّ الميكروفون إلى ما تبقى من ذراعيّ وأثبّته على صدري حتى أتمكن من إجراء المقابلات الصحفية. بعدها، بدأتُ بتعلّم الكتابة على الحاسوب، من دون استخدام الأصابع، حتى أصبحتُ قادراً على إنجاز مهامي بكفاءة».
الانطلاق في عالم الصحافة
بعد فترة تدريب طويلة، شقَّ شهاب طريقه في عالم الإعلام المتنوّع عام 2018، مفاجئاً عائلته وأصدقاءه وكل من يعرفه، حين أصبح مراسلاً صحفياً بارزاً في بلدته، قبل أن ينتقل إلى تقديم برامج منوّعة على عدة قنوات محلية.
حالياً، يعمل شهاب في قناة وراديو «صوت كوردستان»، حيث يقدّم برنامجاً متخصصاً بالسفر، إلى جانب عمله كمراسل ميداني يجري مقابلات حية مع مصادر مختلفة. هذا الدور هو أكثر ما يفخر به، إذ يقول: «واجهتُ الكثير من التحديات، من بينها نظرة المجتمع لشخص بلا يدين، والتنمّر على طريقتي في حمل الميكروفون، بالإضافة إلى الآراء المحبطة التي كانت تحيط بي، لكن كل ذلك زادني عزيمة وإصراراً على الاستمرار».
يرى شهاب أن الحياة مزيج من القسوة واللين، ويعبر عن ذلك في حديثه لـ«كوردستان بالعربي»: «الحياة تفرض علينا أحياناً طرقاً لا نحبها، وتضعنا أحياناً أخرى أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار أو التوقف. أنا اخترت الاستمرار، فصقلتُ شغفي بالصحافة من خلال التدريب والقراءة. تعلّمتُ كتابة الخبر والقصة والتحقيق، درستُ تقنيات التقديم التلفزيوني، وأساليب الوصول إلى المصادر المفتوحة والمغلقة، وأصبحتُ متمكناً من مختلف قوالب الكتابة الصحفية. لقد ثقّفت نفسي بكل ما يتعلق بهذا المجال، وما زلت أتعلم».
بين الدراسة والعمل الإنساني
إلى جانب عمله الصحفي، يواصل شهاب دراسته في معهد علوم الحاسبات في دهوك، حيث يتقن استخدام لوحة المفاتيح بمهارة رغم عدم امتلاكه أصابع، كما أصبح خبيراً في إصلاح الحواسيب.
يقول: «في البداية، كان التعامل مع لوحة المفاتيح مجهداً، لكن بالتدريب أصبح الأمر سهلاً وممتعاً في آن معاً، خاصة أنني متمرس في تقنيات الحاسوب، وأستطيع إصلاح أي عطل بداخله، رغم أنني لا أمتلك أصابع».
ولا يقتصر نشاطه على الصحافة والدراسة، بل يمتد إلى العمل الإنساني، فهو عضو في اتحاد الشباب الديمقراطي الكوردستاني ومنظمة «وادر» للتنمية البشرية، حيث يشارك في تدريب الشباب وتقديم الدعم للمبتدئين في مجال الإعلام.
يقول شهاب: «العمل الصحفي لا بد أن يترافق مع العمل الإنساني، لذلك قررتُ الانضمام لبعض المنظمات الإنسانية التي تهتم بدعم الشباب والمبتدئين وتقديم التدريبات التي تدفعهم إلى الأمام».
تأليف كتاب
يقول شهاب: «قرأت قصة العازف والفنان الألماني الشهير بيتهوفن، الذي أصبح أسطورة في عالم الموسيقى رغم أنه كان أصمّ. لكن إرادته القوية جعلته مثالاً يُحتذى به». ويضيف: «استلهمت من تجربته، وقررت أن أقوم بتأليف كتاب عن الإرادة والعزيمة بعنوان «الأمل والهدف»، حيث سأدون فيه كل تجاربي الصحفية ليكون دليلاً للأجيال القادمة ومصدر إلهام للشباب الذين يرغبون في دخول عالم الصحافة».
يدعو شهاب، عبر مجلة «كوردستان بالعربي»، كل شاب أو شابة يواجه إعاقة جسدية، إلى تحدي الإعاقة وتحويلها إلى مصدر قوة، بدلاً من التمسك بها كنقطة ضعف. ويؤكد على أهمية التحلي بالعزيمة والعمل الجاد والاجتهاد، ليختم حديثه قائلاً: «الإرادة الصادقة تشبه قوة خفية تدفع الإنسان دائماً للأمام».
أحمد باني: مراسل وصحفي كوردي