إذا سألت محمد الجاف عن الأثر الذي تركه العمل التطوعي في مجتمعه، فسيأخذك في رحلة إلى لحظة مؤثرة جمعته برجل مسن لم يره من قبل. في يونيو / حزيران الماضي، وبينما كان محمد ينشر الوعي حول أهمية التبرع بالدم خلال فعالية نظمتها مؤسسة Volunteer.KRD في أربيل، اقترب منه رجل مسن بدا عليه الفضول لمعرفة المزيد عن الفعالية.
لم يتردد محمد البالغ من العمر 21 عاماً في شرح أهمية التبرع بالدم وكيف يمكن لهذا الفعل البسيط أن ينقذ حياة الآخرين. قال محمد: «أخبرته عن الحاجة الملحة للتبرع بالدم في مجتمعنا، وبعد أن استمع إليّ، قرر التبرع للمرة الأولى في حياته. بل وإنه عاد لاحقاً مع زوجته، التي أرادت بدورها المساهمة في إنقاذ حياة شخص ما».
قصة محمد ليست سوى واحدة من آلاف القصص التي تُنسج يومياً في كوردستان، حيث يشارك الشباب في العمل التطوعي من خلال منظمات مثل Volunteer.KRD، وهي مؤسسة فرعية تابعة لمؤسسة كوردستان، وتسعى إلى تمكين الشباب وإشراكهم في بناء مستقبل أفضل. من خلال هذه المبادرات، لا يكتسب المتطوعون الخبرة العملية فحسب، بل يقومون أيضاً بتطوير مهاراتهم القيادية والاجتماعية، مما يجعل منهم عناصر مؤثرة في مجتمعاتهم.
خلال العام الماضي، نجحت منصة Volunteer.KRD الرقمية في توصيل ما يقرب من 10 آلاف متطوع بفرص تطوعية متنوعة في العديد من المجالات منها الصحة المجتمعية، والتكنولوجيا، والتعليم، وحتى الفعاليات البيئية. هذه الفرص لا تسهم فقط في تنمية المجتمع، بل تعزز أيضاً ثقة المتطوعين بأنفسهم، وتفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتطور الشخصي والمهني.
لا تقتصر أهمية العمل التطوعي داخل إقليم كوردستان، حيث أشار تقرير صادر عن متطوعي الأمم المتحدة عام 2023 إلى الدور الحيوي للمتطوعين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ووصفت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، المتطوعين بأنهم «أبطال التغيير الذين يساهمون في بناء عالم أكثر استدامة». كما أعلنت الأمم المتحدة يوم 5 ديسمبر يوماً عالمياً للمتطوعين، تقديراً لدورهم الفعّال في المجتمع.
تُعد Volunteer.KRD المنظمة الرائدة في كوردستان في مجال التطوع، حيث لا تقتصر جهودها على توفير الفرص التطوعية فحسب، بل تدافع أيضاً عن حقوق المتطوعين. ويتم تعويض المتطوعين عن تكاليف النقل والوجبات أثناء خدمتهم، كما يحصلون أحياناً على مكافآت مالية مقابل وقتهم وجهودهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمتطوعين جمع نقاط من خلال نظام تتبع الساعات، والتي يمكن تحويلها لاحقاً إلى خطابات توصية للجامعات أو برامج التبادل. خلال العام الماضي، نجحت المنظمة في تنظيم أكثر من 140 فرصة تطوعية، وساهمت في تسهيل أكثر من 600 ساعة من الخدمة المجتمعية.
من بين الشركاء الرئيسيين لـVolunteer.KRD، تبرز مجموعة كرونجي، التي يديرها مؤمن أحمد كرونجي، الذي يقول: «العمل التطوعي ليس مجرد وسيلة لتقديم المساعدة، بل هو استثمار في مستقبل الإقليم. من خلال إشراك المتطوعين، نتمكن من تقليل التكاليف وتعزيز الروابط المجتمعية، بينما نمنح الشباب فرصة لاكتساب مهارات قيّمة تؤهلهم لسوق العمل». وأضاف أنه يفكر في توظيف بعض المتطوعين بشكل دائم بناءً على أدائهم وتوافقهم مع ثقافة الشركة.
وعلى الرغم من أن التوظيف ليس الهدف الرئيسي لـVolunteer.KRD، إلا أن يارا حسن برزنجي، مديرة البرامج في كل من Volunteer.KRD وJobs.KRD، تؤكد أن العديد من المتطوعين حصلوا على فرص عمل نتيجة مشاركتهم. تتذكر يارا قصة متطوعة شابة شاركت في فعالية لفحص مرض السكري مجاناً، حيث تلقت بطاقة عمل من أحد المختبرات الرائدة في أربيل. تقول يارا: «هذه المتطوعة غيرت حياتها وحياة عائلتها بأكملها. لقد أصبحت مصدر دخل لعائلتها بعد أن كانت تعتمد على الآخرين».
وتضيف يارا أن المنظمة تعمل على تطوير قادة المستقبل في كوردستان من خلال تنظيم معسكر تدريبي شهرياً ويستمر لمدة أسبوع، والذي يهدف إلى صقل مهارات المتطوعين المختارين في مجالات مثل إدارة الوقت، والتواصل الفعّال، وحل المشكلات، والمهارات التقنية، وإدارة الفعاليات. هذه البرامج التدريبية لا تُجهز المتطوعين لسوق العمل فحسب، بل تُعزز أيضاً قدراتهم على قيادة التغيير في مجتمعاتهم.
وفي خططها المستقبلية، تسعى المنظمة إلى تعزيز الزخم الذي حققته خلال العام الماضي من خلال جذب المزيد من الشركات التي تحتاج إلى دعم المتطوعين، وإطلاق تطبيق جديد يسهل تتبع الأثر التطوعي، وربط المتطوعين بالفرص المناسبة، بالإضافة إلى تبسيط عملية التنسيق بين الأطراف المختلفة.
وتقول يارا: «العام المقبل سيكون عاماً محورياً لـVolunteer.KRD، ولدينا خطط طموحة لتوسيع نطاق تأثيرنا في جميع أنحاء كوردستان. هدفنا الأساسي هو مضاعفة عدد المستفيدين الذين نخدمهم حالياً، والتأثير إيجاباً على حياة أكثر من مائة ألف شخص. كما نطمح إلى زيادة عدد المتطوعين من 9 آلاف إلى 25 ألف متطوع».
ومن بين الاستراتيجيات الرئيسية لتحقيق هذه الأهداف، تبرز مبادرة جديدة تهدف إلى تعزيز ثقافة العمل التطوعي بين طلاب الجامعات المحلية. يُطلق على هذا البرنامج اسم «نواديVolunteer.KRD » هو مصمم لتنمية المهارات القيادية لدى الطلاب من خلال توفير مساحة لهم لتبادل الأفكار واقتراح مبادرات مجتمعية، حيث يتم اختيار فكرة واحدة كل شهر لتنفيذها، مما يتيح للطلاب فرصة قيادة مشاريعهم الخاصة وإحداث تأثير ملموس في مجتمعاتهم.
وتوضح يارا: «هذه الخطط تتماشى مع رؤيتنا الراسخة لجعل العمل التطوعي حجر الزاوية في تقدم مجتمع كوردستان. نؤمن بأن الشباب هم القوة الدافعة للتغيير، ومن خلال تمكينهم، نستطيع بناء مستقبل أكثر إشراقاً».
وعلى الرغم من حصول محمد على وظيفة مدفوعة الأجر كمدير محتوى في وكالة Lumark بعد ثلاثة أشهر من تجربته التطوعية مع Volunteer.KRD، إلا أنه يؤكد أن العمل التطوعي سيظل جزءاً لا يتجزأ من حياته. يقول محمد: «العمل التطوعي يخلق تغييرات إيجابية في كوردستان قد لا نراها على الفور، لكنها تترك أثراً عميقاً على المدى الطويل. هناك شيء مميز في أن تكون جزءاً من مبادرات تساعد الناس على التعلم والنمو».
بالنسبة ليارا، فإن رؤية الأثر التراكمي للعمل التطوعي كان مصدر إلهام كبير على مدار العام الماضي. حيث أضافت: «كل جهد صغير يُسهم في خلق تغيير أكبر. لدينا اليوم حوالي تسعة آلاف متطوع من مختلف الأعمار، كل منهم مستعد لتقديم وقته وطاقته لخدمة وطنه. هؤلاء المتطوعون هم من يصنعون الفرق، وهم من يقودون مسيرة التقدم في كوردستان».
آيات البهار: كاتبة مقيمة في كوردستان، حاصلة على درجة البكالوريوس في الترجمة، متخصصة في التسويق والإعلان وسرد القصص