في ظل التحولات العالمية المتسارعة نحو الطاقة النظيفة، تتزايد أهمية مشاريع نقل الغاز كجزء أساسي من الجهود المبذولة لضمان أمن الطاقة الإقليمي والدولي. ويبرز العراق في هذا السياق كلاعب محوري يمتلك موقعاً استراتيجياً يمكن أن يجعله جسراً حيوياً لنقل الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا.
ضمن هذا الإطار، يجري الحديث عن مشروع جديد لنقل الغاز من قطر إلى أوروبا عبر العراق وإقليم كوردستان وتركيا، وهو مشروع يرى خبراء الطاقة أنه قد يعزز مكانة العراق كمركز إقليمي للطاقة، ويدعم اقتصاده من خلال الاستفادة من دوره في تجارة الغاز.
في حديث خاص مع «كوردستان بالعربي»، كشف وزير النفط الأسبق، إبراهيم بحر العلوم، عن تفاصيل المشروع، مؤكداً أنه يمثل فرصة اقتصادية كبرى للعراق، إلى جانب كونه خطوة أساسية في التحول إلى الطاقة المتجددة، وهو أمر ينسجم مع الالتزامات البيئية العالمية ومتطلبات الحد من الانبعاثات الكربونية.
المشروع ومساره الجغرافي
بحسب بحر العلوم، فإن المشروع يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي من قطر إلى أوروبا عبر العراق وإقليم كوردستان وتركيا، ليشكل أحد المسارات الجديدة التي يمكن أن تعزز أمن الطاقة الأوروبي، في ظل السعي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.
ويوضح أن الخط المقترح سيمتد لمسافة 1600 كيلومتر، حيث ينطلق من حقل الغاز الكبير في المياه القطرية الإقليمية، مروراً بـ مياه الخليج إلى ميناء الفاو، ثم يتجه شمالاً عبر البصرة، ذي قار، المثنى، بغداد، نينوى، وصولاً إلى فيشخابور في إقليم كوردستان، ومنها إلى تركيا، ومن ثم إلى الأسواق الأوروبية.
وتشير التقديرات الأولية إلى أن الأنبوب سيتمتع بطاقة نقل تصل إلى 75 مليار متر مكعب سنوياً، فيما تبلغ تكلفته الأولية حوالي 15 مليار دولار. ووفقاً لبحر العلوم، فإن دمج المشروع مع طريق التنمية – وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى ربط العراق بالأسواق العالمية – قد يساعد في خفض كلفة المشروع بنسبة تتراوح بين 15% و25%، مما يزيد من جدواه الاقتصادية.
دور المشروع في أمن الطاقة الإقليمي والدولي
يؤكد بحر العلوم أن المشروع يعد الأول من نوعه في تاريخ العراق، حيث يمنحه فرصة ليكون مركزاً رئيسياً لنقل وتوزيع الغاز الطبيعي، مما يفتح أمامه آفاقاً اقتصادية واستراتيجية كبيرة.
إلى جانب ذلك، يسهم المشروع في تعزيز أمن الطاقة الأوروبي، حيث يوفر مصدراً جديداً للغاز يمكن أن يعوض جزئياً النقص الناتج عن تقليل الاعتماد على الغاز الروسي. كما أن المشروع يمثل خطوة مهمة في اتجاه التحول إلى الطاقة النظيفة، حيث يُعتبر الغاز الطبيعي بديلاً أكثر استدامة من الفحم والنفط، ويساعد في تقليل الانبعاثات الكربونية، ما ينسجم مع توجهات المنظمات البيئية العالمية.
على المستوى الإقليمي، من المتوقع أن يوفر المشروع إمدادات جديدة من الغاز لدول مثل الأردن، الكويت، والسعودية، مما يعزز قدرتها على توليد الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وهو ما قد يسهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
التحديات ومتطلبات التنفيذ
رغم الفرص الكبيرة التي يتيحها المشروع، يشير بحر العلوم إلى وجود عدد من التحديات الفنية والسياسية والاقتصادية التي يجب التعامل معها لضمان تنفيذه بنجاح.
أحد أهم هذه التحديات هو ضرورة إجراء دراسات جدوى معمقة لضمان التوافق الفني والاقتصادي بين الدول المعنية، خاصة بين العراق، تركيا، وقطر. كما يتطلب المشروع تنسيقاً سياسياً عالي المستوى لضمان مروره بسلاسة عبر الحدود المختلفة، خاصة في ظل التعقيدات الجيوسياسية التي تواجه المنطقة.
ومن الناحية الفنية، يتطلب تنفيذ المشروع استثمارات ضخمة في البنية التحتية، بما في ذلك بناء محطات ضغط ومعالجة الغاز، إلى جانب ضمان توافقه مع المعايير البيئية الدولية.
ويضيف بحر العلوم أن نجاح المشروع سيعيد تشكيل خارطة الطاقة في المنطقة، حيث سيجعل من العراق محوراً رئيسياً لنقل الغاز بين الشرق الأوسط وأوروبا، مما يمنحه دوراً مؤثراً في أسواق الطاقة العالمية.
من أبرز العوامل التي قد تؤثر على نجاح المشروع هو التنسيق بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كوردستان، حيث سيمر خط الأنابيب عبر أراضي الإقليم، مما يتطلب اتفاقات واضحة حول آليات التشغيل والإدارة وتوزيع الإيرادات.
ويشير بحر العلوم إلى أن التعاون الحالي بين بغداد وأربيل في مجال تصدير النفط يمكن أن يشكل نموذجاً ناجحاً لتنسيق مماثل في قطاع الغاز، خاصة بعد التقدم الذي تحقق في تعديل قانون الموازنة واستئناف تصدير نفط كوردستان إلى ميناء جيهان التركي.
يمثل مشروع نقل الغاز عبر كوردستان إلى أوروبا فرصة تاريخية للعراق، ليس فقط لتعزيز دوره في تأمين الطاقة العالمية، ولكن أيضاً لتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة، ودعم خططه للتحول نحو الطاقة النظيفة.
وبينما لا تزال هناك عقبات فنية وسياسية يجب التعامل معها، فإن نجاح المشروع يعتمد على التعاون بين بغداد وأربيل، والتنسيق مع الدول المعنية لضمان تحقيق أقصى فائدة منه، وتحويل العراق إلى لاعب رئيسي في سوق الغاز العالمي.
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية