في إطار السعي لتوفير الكهرباء على مدار الساعة، تعمل الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان من خلال مشروعها «رووناكي» (أي النور)، على إيقاف أكثر من 7 آلاف مولدة أهلية، التي تُعد من أبرز ملوثات البيئة.
وبحسب هيئة البيئة في كوردستان، فإن هذه المولدات تحرق سنوياً مليار ونصف المليار لتر من المحروقات، مما يؤدي إلى انبعاث حوالي 4 ملايين طن من الغازات السامة في الهواء، وذلك يسهم في تفشي ظاهرة الاحتباس الحراري وتفاقم آثار التغيرات المناخية.
وكان حي «شادي» في مركز أربيل أول الأحياء التي طُبّق فيها المشروع، حيث زاره رئيس حكومة إقليم كوردستان، مسرور بارزاني، في 17 تشرين الأول من عام 2024، معلناً انطلاق المشروع رسمياً.
ويهدف المشروع، وفقاً للحكومة، إلى تأمين الكهرباء بشكل مستمر، والاستغناء عن المولدات التي تتسبب في أضرار بيئية على الهواء والماء والتربة، فضلاً عن آثارها الصحية.
كما يسعى المشروع إلى تخفيف الأعباء المالية عن المواطنين من خلال دمج فواتير الكهرباء في فاتورة واحدة تُحصَّل من قبل الحكومة فقط، مما يحميهم من استغلال أصحاب المولدات وأسعارها المتقلبة شهرياً.
وخلال الفترة الماضية، تم إطفاء 417 مولدة كهربائية، مما استفاد منه 90 ألف مشترك، ليصل إجمالي المستفيدين إلى 300 ألف شخص.
تسعيرة تتناسب مع أوضاع المواطنين
يقول المتحدث الرسمي لوزارة الكهرباء في حكومة إقليم كوردستان، أوميد أحمد، في حديث مع مجلة «كوردستان بالعربي» إن «الحكومة تجري محادثات مع فريق مشروع رووناكي لتحديد التسعيرة الجديدة للكهرباء، بحيث لا تشكل عبئاً على المواطنين، مع الأخذ بعين الاعتبار أوضاعهم المالية».
وأضاف أحمد أن «النظام الجديد يتيح توفير الكهرباء التي كانت تُهدَر سابقاً، لذا ينبغي على المواطنين التكيف مع هذا التغيير وترشيد استهلاكهم وفقاً لاحتياجاتهم الفعلية».
وخلال الحكومة التاسعة لإقليم كوردستان، ارتفع عدد المشتركين الجدد في خدمة الكهرباء بمقدار 436,981 مشتركاً، ليصل عددهم الإجمالي إلى مليون و885,270 مشتركاً.
وتنتج كوردستان ما يقارب أربعة آلاف ميغاواط من الكهرباء، يُهدَر منها نحو 20%، بعدما كان الهدر يصل إلى حوالي 30% قبل تنفيذ مشروع العدّاد الذكي الذي أُنجز سابقاً.
وأظهرت بيانات صادرة عن هيئة الإحصاء في إقليم كوردستان، نُشرت على موقعها عام 2024، وجود 7,354 مولدة كهربائية بواقع 3,777 مولدة في أربيل، و1,759 في السليمانية وحلبجة، و1,819 مولدة في دهوك، مشيرة إلى أن هذه المولدات تستهلك نحو 1,4 مليار لتر من المحروقات سنوياً.
معدلات خطيرة للغازات السامة
يؤكد مدير دائرة التغيرات المناخية في هيئة حماية وتحسين البيئة بإقليم كوردستان، هڤال أحمد: «توجد في كوردستان سبعة آلاف مولدة كهربائية، تبعث يومياً 10,398 طناً من الغازات السامة، أي ما يعادل 3.398 مليون طن سنوياً».
وتابع أحمد، في حديث له مع «كوردستان بالعربي»، أن «المولدات الكهربائية تُعدّ مصدراً رئيسياً لانبعاث الملوثات الهوائية، مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين، وأول أكسيد الكربون، والأوزون، والجسيمات الدقيقة أو المعلقة».
ويواصل أن «تلك المولدات تُعدّ أيضاً مصدراً رئيسياً لانبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، الذي يُعتبر أحد الغازات المسببة للتغير المناخي».
ويرى أحمد أن الحدّ من استخدام المولدات يسهم في تقليل تركيز هذه الملوثات في الهواء، مما يساعد في تقليل التلوث البيئي والحدّ من آثار التغير المناخي. وأنها «تترك تأثيرات على أصعدة منها التأثير البيئي الذي يتمثل بالانبعاثات العالية لأكسيد النتروجين وثنائي أوكسيد الكبريت والجسيمات الدقيقة، التي تؤدي إلى زيادة تلوث الهواء».
وقال أحمد إن «ذلك يقلل جودة الحياة ومساهمة أكاسيد النيتروجين والكبريت في تكوين الأمطار الحمضية التي تؤثر سلباً على التربة والمياه الجوفية»، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة حالات الربو والتهابات الجهاز التنفسي. وأن ارتفاع تركيز أول أكسيد الكربون يؤدي إلى زيادة وتفاقم مخاطر الأمراض القلبية والوعائية، في حين تساهم المستويات العالية من تلوث الهواء في تقليل متوسط العمر المتوقع وزيادة معدل الوفيات المبكرة.
جهود لتقليل الإصابات بالأمراض السرطانية
من جانبه، يقول هورو طه حمزة، أخصائي أمراض السرطان في مستشفى نانكلي التعليمي، لمجلة «كوردستان بالعربي»، إن «الحد من المولدات الأهلية وتقليل عدد السيارات ذات الجودة المتدنية، خاصة تلك التي تعمل بمحركات قديمة، يؤدي إلى انخفاض معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي، وأمراض القلب، والسرطان».
وتؤكد منظمة الصحة العالمية (WHO) التأثيرات السلبية للبيئة الملوثة، موضحةً أن العوامل البيئية مسؤولة عن 24% من إجمالي الأمراض عالمياً، وتشمل هذه العوامل المخاطر الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، مثل تلوث الهواء والمياه والتربة، حسبما أفاد حمزة.
ويؤكد حمزة أن «الحد من العوامل البيئية الضارة يمكن أن يقلل من الأمراض بشكل عام بنسبة 25%، كما يسهم في خفض معدلات الإصابة بالأمراض السرطانية بنسبة 10%».
وحسب تقرير صادر عن مجلس السرطان في العراق، فقد تم تسجيل أكثر من 43 ألف إصابة جديدة بالأمراض السرطانية خلال عام 2024، بمعدل 171.6 حالة لكل 100 ألف نسمة. ويُعد سرطان الثدي الأكثر انتشاراً، حيث يمثل 36.1% من إجمالي الحالات المسجلة.
وترجع الزيادة في معدلات الإصابة بالسرطان إلى عوامل بيئية وصحية معقدة، من أبرزها التلوث البيئي الناتج عن سوء استخدام الموارد الطبيعية، والمخلفات الحربية، والتوسع الصناعي، بالإضافة إلى عوامل أخرى.
من جهتها، تشير وزارة الصحة في إقليم كوردستان إلى أن نسبة الإصابات في الإقليم أقل من المعدل العالمي، حيث تبلغ 0.15% مقارنةً بـ 0.19% عالمياً.
فعلى الصعيد الدولي، يتم تسجيل 190 حالة لكل 100 ألف نسمة سنوياً، بينما في إقليم كوردستان، يبلغ المعدل 151 حالة لكل 100 ألف نسمة سنوياً.
أهمية المشروع في تأمين المياه وتوزيعها
ويؤكد مدير عام دائرة المياه والمجاري في إقليم كوردستان في تصريح لمجلة «كوردستان بالعربي» أن «إيقاف تشغيل المولدات الأهلية سيلعب دوراً رئيسياً في تحسين تأمين المياه وتوزيعها، حيث سيقلل من الضغط على شبكات المياه، ويساعد في إيصالها إلى عدد أكبر من السكان بطريقة أكثر كفاءة وسهولة».
وتابع أن «نظام تبريد المولدات الأهلية يُعد أحد الأسباب الرئيسية لهدر المياه، حيث تمتلك كل مولدة شلال تبريد واحد يحتاج إلى 300 إلى 500 لتر من المياه يومياً للحفاظ على درجة حرارة المولدات».
وأشار إلى أن «المولدات تتسبب بهدر حوالي 3 ملايين و677 ألف لتر من المياه يومياً (أي ما يعادل 3,677 متراً مكعباً)»، وذلك يكفي لتلبية احتياجات 2,451 عائلة، إذا افترضنا أن كل عائلة تستخدم 1.5 متر مكعب من المياه يومياً.
ويذكر أن جهود حكومة إقليم كوردستان تأتي في وقت يعاني فيه العراق من كونه خامس أكثر الدول تأثراً بالتغيرات المناخية، وذلك بسبب التصحر، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وفقد العراق حوالي 25% من أراضيه الزراعية خلال العقود الثلاثة الماضية، كما يشير فاضل الغراوي، رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان. وأن أكثر من 100 ألف شخص نزحوا من مناطقهم من جنوب العراق بسبب التغيّرات المناخية وما نجم عنها من جفاف وندرة في المياه وتدهور في البيئة.
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية