تشهد مدينة أربيل في إقليم كوردستان العراق احتفالات عيد القيامة المجيد في أجواء من التعايش السلمي والتنوع الديني الذي يميز الإقليم. ويبرز هذا العيد كمناسبة تجسد روح التسامح والاحترام المتبادل بين مختلف المكونات، حيث تحظى الاحتفالات باهتمام رسمي وشعبي يعكس خصوصية العلاقة بين السلطات في الإقليم والمكون المسيحي.
وأكد الرئيس مسعود بارزاني، في تصريح بمناسبة عيد القيامة، على أن «التعايش والتسامح مبعث فخر كبير لشعبنا ويجب حمايته وإثرائه»، مشدداً على أهمية المحافظة على هذه القيم التي تميز مجتمع إقليم كوردستان.
من جانبه، عبر رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، عن آماله بأن «تكون هذه المناسبة المباركة باعثاً على إحلال السلام وتوطيد قيم التعايش بين سائر مكونات شعبنا»، في إشارة واضحة إلى التزام قيادة الإقليم بتعزيز الوحدة الوطنية واحترام التنوع الديني والثقافي.
نهج متوازن مع جميع المكونات
وفي سياق متصل، أكد السيد أمير عثمان، مدير قسم التعايش السلمي في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بحكومة إقليم كوردستان، في تصريح خاص لمجلة «كوردستان بالعربي»، أن الوزارة تتبنى نهجاً متوازناً وشاملاً في التعامل مع جميع المكونات القومية والدينية في الإقليم.
وأوضح عثمان قائلاً: «إننا في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ننظر إلى جميع المكونات القومية والدينية بنظرة متساوية، ونقف معهم على مسافة واحدة دون أي تمييز أو تفرقة. نحرص على دعمهم ومشاركتهم في كافة الشعائر والمناسبات الدينية التي تخصهم».
وشدد عثمان في ختام تصريحه على أن المديرية، بصفتها الجهة المعنية بتعزيز التعايش السلمي والتابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في حكومة إقليم كوردستان، تؤكد «عدم وجود أي خطر أو تحدٍ يواجه أي مكون قومي أو ديني في الإقليم، وخاصة المكون المسيحي»، مما يعكس الاستقرار الذي تنعم به مختلف المكونات في المنطقة.
طقوس عيد القيامة من منظور كنسي
في حوار خاص مع مجلة «كوردستان بالعربي»، قدمت المرتلة داليا متي، المقيمة في أربيل منذ عام 2014، شرحاً وافياً لأهمية عيد القيامة ومراسمه في الديانة المسيحية.
وأوضحت متي أن «عيد القيامة هو أحد أهم الأعياد المسيحية، ويرمز إلى قيامة السيد المسيح من بين الأموات». وشرحت أن الاحتفالات بهذا العيد تسبقها فترة صوم تمتد خمسين يوماً، وتتكثف المراسم في الأسبوع الأخير.
وفصّلت المرتلة الطقوس قائلة: «تبدأ الاحتفالات بأحد السعانين، وهو الأحد الذي يسبق العيد، ويرمز إلى دخول المسيح إلى أورشليم واستقبال الأهالي له بأغصان الزيتون وسعف النخيل، حيث تُتلى الصلوات الخاصة والقداس المميز لهذه المناسبة».
وأضافت: «يليه خميس الفصح أو خميس غسل أرجل التلاميذ، ويُعرف أيضاً بالعشاء الأخير، وهو آخر عشاء للمسيح مع تلاميذه الاثني عشر، والذي شهد مباركته للخبز والخمر وإعطاءهما للتلاميذ، مع إبلاغهم أنه سيُصلب بعد ذلك».
وتابعت متي شرحها: «بعد يوم العشاء الأخير تأتي الجمعة العظيمة، وهي جمعة صلب المسيح وجمعة الألم والفداء، وتُقام فيها طقوس دينية تجسد مراحل صلب المسيح وآلامه، كما يحصل الزياح وهو زيارة القبور داخل الكنيسة وتلاوة الأناشيد الحزينة».
واسترسلت قائلة: «يلي ذلك سبت النور أو البشارى، وهو اليوم الذي يقوم فيه المسيح ليلاً من بين الأموات، ليظهر لتلاميذه الاثني عشر، فيشاهدون آلامه وجراحه ومكان المسامير التي دُقت في الصليب، فيقام القداس الكبير الاحتفالي ليلاً، وايضاً هنالك قداس احتفالي يوم الأحد صباحاً الذي يشهد أجواء تراتيل القيامة والقداس الخاص بالأعياد، ويتضمن طقوساً مميزة تُتلى فيها تراتيل خاصة، ويُعلن من خلاله عن قيامة السيد المسيح».
وحول العادات المرافقة للعيد، أشارت المرتلة متي إلى أن «لعيد القيامة طقوسه التي يرمز إليها بالبيض الملون، حيث يتم تلوين البيض لأنه يرمز إلى الحياة الجديدة التي تفقس منها الحياة، إذ أن عيد القيامة يعني الحياة الجديدة». ولفتت إلى أن «طبخة العيد التقليدية هي الباجة أو اليخني، وهي من الأكلات الشعبية المعروفة في عموم العراق».
رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية