استثمار آثار كوردستان سياحياً
استثمار آثار كوردستان سياحياً

دعا متخصصون لاستثمار الكنوز الأثرية الكوردستانية بغرض إنعاش السياحة في الإقليم..وفي حين طالبوا بتشجيع الجهات المحلية والعالمية المتخصصة للاستثمار في هذا القطاع وإنتاج روايات أو أفلام أو مواد دعائية متنوعة عنه، لاستقطاب الأفواج السياحية لزيارته، أكدوا أن ذلك ينطوي على فوائد جمة للإقليم.

ويُعد إقليم كوردستان موطناً لأكثر من ستة آلاف موقع أثري كثير منها يعود لفجر التاريخ، فضلاً عما يتميز به من طبيعة خلابة متنوعة، ما يكسبه أفضلية لا بد من استثمارها جيداً لوضعه على الخارطة السياحية العالمية.

وكان كيفي مصطفى، مدير الآثار في إقليم كوردستان، أعلن في 19 شباط / فبراير 2025، عن تبني حكومة الإقليم خطة متكاملة للعناية بالمواقع الأثرية وتعزيز السياحة.

الصور: ناصح علي خياط

 

آثار تبهر العقول

قال العالم الآثاري البروفيسور د. كوزاد أحمد محمد، إن الإقليم «لا يتميز بغناه الآثاري فحسب، بل وبتنوع هذا الإرث الحضاري، لاسيما ما يتعلق بحقب ما قبل التاريخ التي كانت العصر التأسيسي لحضارة وادي الرافدين»، مشيراً إلى أن أرض الإقليم كانت في العصور اللاحقة «مركزاً لدول كبرى أو جزءاً منها، مثلما كانت تضم طرقاً تجارية أو عسكرية مهمة منها على سبيل المثال لا الحصر الطريق الملكي في العصر الأخميني (الإمبراطورية الفارسية الأولى التي أسسها كورش 700 إلى 330 قبل الميلاد) الذي كان يبدأ من سوسة (الشوش في إيران) مروراً بأربيل وانتهاءً بساروبين غربي الأناضول».

د. كوزاد محمد أحمد

 

وأضاف أحمد، وهو عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة السليمانية، أن آثار تلك العصور موجودة «ويمكن التركيز على فنونها ومعارفها وتتبع تطورها وانعكاسها على المناطق المجاورة»، مبيناً أن بالإمكان «التحدث كثيراً عن مسار التطورات الاجتماعية والسياسية وإعادة تصوير المعارك الفاصلة التي حدثت في المنطقة من خلال أعمال بانورامية مثل معركة غوغميلا (وقعت في سنة 331 قبل الميلاد بين الإسكندر المقدوني وداريوش الثالث في سهل أربيل) ومعركة الزاب الكبير (وقعت في 25 كانون الثاني / يناير 750م قرب نهر الزاب الكبير أحد روافد نهر دجلة، بين الخليفة الأموي الأخير مروان بن محمد والقائد العباسي عبد الله بن علي حيث التقى الجيشان في منطقة الزاب بين الموصل وأربيل) والعديد من المتاحف المهمة وغيرها».

وأوضح العالم الآثاري، أن الإقليم «يضم الكثير من المواقع الأثرية المهمة مثل قلعة أربيل ومنارة چولي (المنارة المظفرية نسبة إلى بانيها السلطان الأتابكي مظفر الدين كوكبري الذي حكم أربيل خلال المدة 1190 - 1232م) ومنحوتات منطقة معلثيا في دهوك لتي تخلد الملك سنحاريب ومشروع إرواء نينوى في منطقة جروانا جنوب دهوك والمنحوتات الجبلية في كندك جنوب عقرة ومنحوتات دربندي كارو في قرده داغ وموقع شاخي كورا في كلار وقريتي چرمو ونظيرتها بيستان سور في السليمانية وكهفي شاندر (الذي اكتُشف فيه بقايا إنسان النياندرتال) في أربيل وهزار ميرد في السليمانية وغيرها»، لافتاً إلى أن غالبية المواقع الأثرية في كوردستان «غير مؤهلة للسياحة وتعاني من عدم التطوير وكونها غير شاخصة ولا تبهر الأنظار برغم كونها تبهر العقول بمعانيها وعمقها التاريخي والحضاري والعلمي».

د. شيروان عمر رشيد

 

بدوره قال البروفيسور د. شيروان عمر رشيد، المتخصص بالجغرافيا السياحية، إن إقليم كوردستان من المناطق «الغنية بالمواقع الأثرية والتاريخية التي تعود إلى مختلف العصور، بدءاً من الحجرية القديمة مروراً بالحضارات السومرية والأكدية والآشورية والميتانية والبارثية والمیدیة ووصولاً إلى الحقب الإسلامية والعثمانية ما يوفر إمكانات كبيرة لجذب السياح والباحثين وعشاق التاريخ والآثار من مختلف أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنه بحسب مجلة «ناشيونال جيوغرافیك»، فإن إقليم كوردستان «يحتل المرتبة الـ20 ضمن الأقاليم السیاحیة»، وحسب جريدة «نیويورك تایمز» بـ«المرتبة 34 من مجموع 40 من الأقاليم السیاحیة عالمياً».

معوقات وتحديات

وذكر رشيد، التدريسي في كلية العلوم الإنسانية في جامعة السليمانية، أن هذا القطاع «يواجه العديد من المعوقات التي تعرقل استثماره وتطويره بالنحو المطلوب»، مبيناً أن من أبرزها ضعف البنية التحتية، إذ تعاني العديد من المواقع الأثرية من نقص في الخدمات الأساسية مثل الطرق المعبدة والمواصلات العامة والفنادق القريبة مما يجعل الوصول إليها صعباً للسياح، وكذلك غياب مراكز الاستقبال السياحي واللوحات الإرشادية التي توضح تاريخ الموقع المعني وأهمية».

ورأى أن على الحكومة الاهتمام أكثر بالقطاع السياحي الأثري، فـ«هناك العديد من المواقع التي لم تُستكمل عمليات التنقيب فيها ما يؤدي إلى عدم اكتشاف المزيد من المعالم التاريخية التي قد تعزز السياحة، ناهيك عن غياب الدعم الكافي للبعثات الأثرية المحلية والدولية ما يؤثر على استمرارية الأبحاث والاكتشافات الجديدة».

مقترحات للتطوير

وبشأن سبل تطوير السياحة بشكل عام والأثرية منها خاصة في الإقليم، دعا عالم الآثار كوزاد محمد أحمد، إلى «الاستفادة من التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في الترويج للمواقع الأثرية ومنها تقنية الواقع المعزز (Augmented Reality – AR) وهي تقنية تفاعلية جذابة، تتيح إضافة الكائن الافتراضي المناسب من نصوص أو رسوم، أو فيديو، أو أصوات، أو توليفة مركبة منهم جميعاً على شكل ثلاثي الأبعاد، إلى بيئة حقيقية يضاف لها بعداً رقمياً، مما ينشئ بيئة متحدة تتلاقى فيها العناصر الرقمية والفعلية، مجسدة الأشياء أمام المستخدم وكأنها حقيقة) وإنتاج الأفلام السينمائية للتعريف بها»، مؤكداً على ضرورة «تأهيل تلك المناطق وتوفير بنى تحتية وصيانتها وترميمها على وفق الأسس العلمية والآثارية السليمة وبناء قرى نموذجية على شاكلة تلك القديمة إضافة إلى تنظيم مهرجانات أو فعاليات ترويجية كرحلات سفاري أو تسلق جبال وتشجيع صناعة نسخ من التحف الأثرية القديمة فضلاً عن طباعة أدلة تعريفية وملصقات أنيقة عنه».

ويؤيده في ذلك البروفيسور شيروان عمر رشيد، الذي دعا إلى «اعتماد مجموعة من الاستراتيجيات والإجراءات التي تسهم في استثمار المواقع الأثرية بحو مستدام»، موضحاً أن منها «تحسين البنية التحتية وتطوير شبكة الطرق التي تربط بين المدن والمواقع الأثرية لتسهيل حركة السياح وتوفير وسائل نقل مريحة مثل الحافلات السياحية وتطوير المرافق الخدمية كالفنادق والمطاعم القريبة من المواقع الأثرية وتعزيز دور الحكومة في دعم السياحة الأثرية وتخصيص ميزانية أكبر لحماية المواقع الأثرية وترميمها وإنشاء هيئة مختصة بإدارة السياحة الأثرية تعمل على التنسيق بين القطاعات المختلفة لتعزيز الاستثمار في هذا المجال واستئناف وتوسيع نطاق التنقيبات الأثرية ودعم البعثات الأثرية المحلية والدولية وتوفير التسهيلات اللوجستية والمالية لاستكمال التنقيب في المواقع المهمة».

أي دور للقطاع الخاص

هنا لعل من المنطقي التساؤل عن دور الشركات الخاصة في الترويج للسياحة بعامة والآثارية بخاصة في إقليم كوردستان؟ وما إذا كانت قد نسقت مع الشركات أو الجهات العالمية بهذا الصدد؟ وفي هذا المجال، قالت نريمان لطيف نوري، مديرة قسم الرحلات السياحية في شركة «مون لاين» للسفر والسياحة فرع السليمانية، إن الحفاظ على المواقع التراثية والتاريخية في كوردستان «يتطلب جهوداً مشتركة من قبل الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المحلي»، مشيرة إلى أن الاستثمار في السياحة الثقافية يمكن أن يكون «عاملاً مهماً في تنمية المنطقة اقتصادياً واجتماعياً وأن التعاون بين القطاعين العام والخاص هو المفتاح لضمان الحفاظ على هذا الإرث الغني للأجيال المقبلة وتحويل التحديات إلى فرص تعود بالنفع على المنطقة بأكملها».

ورأت نوري أن القطاع الخاص «يمكن أن يلعب دوراً محورياً في تحسين الوضع من خلال عدة وسائل، منها الاستثمار في السياحة الثقافية عن طريق تطوير البنية التحتية حول المواقع التراثية مثل بناء الفنادق والمطاعم والمرافق السياحية التي تجذب الزوار وتوفر تجربة سياحية مميزة وأن يتعاون مع الجهات الحكومية في تمويل مشاريع ترميم المواقع الأثرية وصيانتها وإعادة تأهيلها»، وتابعت أن الشركات الخاصة يمكن أن «تنظم حملات توعوية تهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي وتشجيع المجتمع المحلي على المشاركة في حماية هذه المواقع، وأن بإمكانها استخدام التقنيات الحديثة لتوثيق المواقع التراثية والأثرية وجعلها أكثر جاذبية للزوار مما يعزز من قيمتها السياحية والثقافية فضلاً عن دعم الأبحاث والدراسات الأكاديمية التي تهدف إلى دراسة المواقع التراثية والأثرية، الأمر الذي يسهم في تعزيز قيمتها الثقافية والعلمية والسياحية».

السينما والترويج الآثاري

ولطالما أسهمت السينما كما الأدب، في الترويج الآثاري بنحو جذاب ومثير، ولعل كثيرون شاهدوا سلسلة أفلام «إنديانا جونز»، والعديد من الأفلام والمسلسلات العالمية أو المصرية التي تتناول الآثار بصورة أو أخرى..

دلشاد مصطفى

 

وفي هذا الصدد قال د. دلشاد مصطفى، رئيس قسم السينما في جامعة السليمانية، إن معظم شعوب العالم «تقدم آثارها من خلال السينما الوثائقية والأفلام التسجيلية والروائية لتوثيق تاريخ الآثار وتوفير معلومات عنها ما يشجع المتلقي على البحث عن تفاصيل أكثر أو زيارتها، مثلما يثير فضول شركات السياحة وغيرها على تناول الموضوع بطرقها الخاصة، إذ يتم توظيف المواقع الأثرية من خلال تداخلها مع قصتها أو كمواقع لتصوير الأحداث وإبهار المتلقين»، مبيناً أن سلسلة أفلام «إنديانا جونز» مثلاً «أخذت المواقع الأثرية كجزء من السيناريو واستخدمتها بنحو مؤثر لإبهار المتلقين وحثهم على البحث عن تلك المواقع أو زيارتها مثلما أسهمت الأفلام المصرية هي الأخرى في الترويج للآثار كقصة أو كموقع إبهاري مما ساعد في الترويج السياحي لتلك المواقع وكانت بمثابة دعاية مجانية لها».

وأكد مصطفى أن الترويج للآثار الكوردستانية «يتطلب القيام بصناعة مجموعة أفلام تسجيلية بتقنية عالية ليتمكن المتلقي، في هذا الزمن المليء بالصور، الانجذاب إلى ما صنعناه من صور داخل الفلم، أو أن نلجأ إلى خلق قصص مبنية حول حكايات شعبية لها علاقة بالمواقع الأثرية ما يدفع المتلقي إلى التساؤل عنه ومحاولة معرفة المزيد عنه أو زيارته»، لافتاً إلى أن هنالك طرقاً أخرى منها «وجود مؤسسة تابعة للدولة تتولى الترويج لمواقع التصوير داخل البلد كما فعلت المغرب والأردن والسعودية على سبيل المثال لا الحصر، ما ساعد على جلب شركات الإنتاج الكبرى على تلك البلدان».

ودعا رئيس قسم السينما، إلى ضرورة «بناء علاقة مع مؤسسات الإنتاج العالمية ودعوتها للإقليم لمشاهدة المواقع الأثرية كما حدث مع كهف شاندر مثلاً»، منوهاً إلى أن موقع «چرمو» أو «بيستان سور» في السليمانية «يمكن أن يكون محوراً لفلم وثائقي عالمي يكون بمثابة هوية تعريف لجذب المهتمين لاسيما أن هنالك من يبحثون عن مواقع أثرية غير معروفة أو مكتشفة من قبل».

ورأى مصطفى أنه «يمكن استثمار علاقات المؤسسات التعليمية، لاسيما الجامعات في استقطاب باحثين ومروجين لمشاهدة المواقع الأثرية والترويج لها من خلال المؤتمرات أو الفعاليات التي تنظمها»، متابعاً أن من الضروري أيضاً «ترتيب زيارات ميدانية للمواقع الأثرية لضيوف مهرجانات الأفلام السينمائية التي تقام في كوردستان من ممثلين ومخرجين وشركات إنتاج للتعريف بها».

ومضى د. دلشاد مصطفى قائلاً إن الحكومة «ينبغي أن تساعد بدورها الجهات المعنية للترويج للمواقع الأثرية»، مستطرداً كما ينبغي «تشجيع كتاب السيناريو وطلبة أقسام السينما في الجامعات للأخذ بعين الاعتبار وجود مواقع أثرية والترويج لها من خلال إنتاج أفلام عنها». 

التمويل عقبة كأداء

بالمقابل عد مخرجون ومنتجون، منهم دانا كريم وشركة «ماستي فيلم» (Masti Film)، أن التمويل يشكل عقبة كأداء في سبيل قيامهم بصناعة أفلام تتعلق بالآثار، فضلاً عن مشاكل وعقبات لوجستية تتعلق بصعوبة الوصول إلى تلك المواقع وعدم توافر بنى تحتية مناسبة فيها.

المنتج فؤاد جلال

 

وقال المنتج السينمائي فؤاد جلال، صاحب شركة «ماستي فيلم»، إن صناعة الأفلام التاريخية الجيدة والترويج للآثار الكوردستانية «عملية صعبة تتطلب مهارات متعددة وعمل فريق متكامل»، مبيناً أن عملية صناعة مثل تلك الأفلام «تبدأ بفكرة مناسبة وتطويرها إلى سيناريو جيد يجسد بأداء ممثلين أكفاء والتركيز على الإخراج وباقي الجوانب الفنية قبل أن تبدأ عملية التسويق التي تحتاج إلى متخصصين».

ورأى جلال أن المشكلة الرئيسية في كوردستان «تتمثل في عدم وجود شركات للإنتاج السينمائي»، مستدركاً أنه في الحالات كلها «لن نستطيع إنتاج مثل تلك الأفلام من دون تمويل حكومي».

خلاصة القول، إن الترويج للآثار الكوردستانية ذات الأهمية التاريخية والحضارية والعلمية، ووضعها على خارطة السياحة العالمية، بحاجة إلى تظافر الجهود، وتبني استراتيجية خاصة بهذا المجال، يشارك في تنفيذها القطاع الخاص كما العام، بما في ذلك ممثليات الإقليم حول العالم، والاستعانة بخبرات عالمية متقدمة للمساعدة في هذا المجال.


 باسل الخطيب: صحفي عراقي



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved