على بُعد 75 كيلومتراً من أربيل، تحديداً في ناحية حرير التابعة لقضاء شقلاوة، تنسج عشرات النساء خيوط التاريخ والفن معاً، في ورش صغيرة تفوح منها رائحة الصوف الطبيعي وصباغ الألوان التقليدية، يتحول العمل اليدوي الشاق إلى تحف فنية نابضة بالحياة.
هنا في مركز حرير، لا يُنسَج السجاد فحسب، بل تُحاك قصص أجيال، حيث تتميز هذه القطع بجودة استثنائية يصل عمرها لأكثر من 200 عام، شاهدةً على مهارة نساء حرير وإرثهن الثقافي العريق.
ويوفّر مركز حرير الذي يُعدّ واحداً من سلسلة مراكز لنسج السجاد المصنوع يدوياً التابعة لوزارة الثقافة في إقليم كوردستان، فرصة عمل لـ55 امرأة من ذوي الشهداء، تم تعيينهن بصفة عقد مؤقت عند الانطلاق الفعلي للإنتاج في عام 2005.
البدايات
يقول مدير المركز مجيد جلال في حديث مع «كوردستان بالعربي» إن المبنى الذي نعمل فيه حالياً تم تشييده في ثمانينات القرن الماضي، بدأنا العمل فيه عام 1998، بعد إنجاز جميع متطلبات البناء والتجهيز، وفي عام 2005 تم تعيين عدد من العاملات في صناعة السجاد اليدوي الكوردي.
ويتبع لمركز حرير، مركز مبيعات داخل قلعة أربيل، حيث يتم عرض السجاد الكوردي اليدوي على الزوّار المحليين وعلى الوافدين من خارج إقليم كوردستان. عن ذلك يحكي جلال: أهدينا عدداً من السجاد إلى مسؤولين فرنسيين زاروا مركز مبيعات القلعة، كما تزّين البرلمان النرويجي بواحدة من أجمل القطع اليدوية التي نسجها مرحز حرير.
أساليب العمل
وتنسج العاملات في مركز حرير جميع أنواع السجاد الكوردي بمختلف الألوان والأحجام، لكن الإقبال يزداد على السجاد من الأحجام الصغيرة، يقول جلال: ننسج صور الشخصيات المشهورة الوطنية والقومية والدينية، كما نعمل على إبراز علم كوردستان من خلال نسج القطع الصغيرة المرغوبة من السجاد، وتظهر طبيعة كوردستان في منسوجاتنا بألوانها وتنوعها وحيواناتها.
وعن ثمن السجاد المصنّع في مركز حرير، يوضح جلال أنه يختلف تبعاً لنوعية وكمية الصوف المستخدم ولحجم والصورة المراد نسجها، إلا أن مركز حرير ملتزم بالتسعيرة الرسمية البالغة 300 دولار للمتر المربع، هذا السعر المرتفع لمنتجاتنا جلعها بعيدةً عن متناول ذوي الدخل المحدود.
ومن الأسباب التي ترفع سعر القطعة المنسوجة يدوياً، الجهد المبذول أثناء عملية الإنتاج، يشرح جلال: تستغرق صناعة المتر المربع من السجاد 5 كيلوغرامات من الصوف، وتحتاج حياكة السجادة الواحدة من 20 إلى 30 يوماً.
التحديات
تواجه مهنة حياكة السجاد الكوردي اليدوي، العديد من التحديات؛ أبرزها انتشار السجاد المستورد في الأسواق المحلية. ويعيد جلال هذه التحديات إلى جملة من الأسباب في مقدمتها غلاء السجاد الكوردي مقارنة بالسجاد المستورد، إضافة إلى الانطباع الشائع لدى الناس بأن البضاعة المستوردة أو الأجنبية أفضل من المصنوعة محلياً.
ويكشف جلال عن الفرق بين السجاد الكوردي والسجاد المستورد ويقول: ما يميز السجاد الكوردي أنه تتم حياكته بأنامل كوردية، أي بطريقة يدوية بعيداً عن الآلة، هذا الاتقان في العمل يحافظ على لون السجادة وشكلها على مر الزمن، ويجعلها أغلى ثمناً وأفضل نوعية من المستوردة.
ويطالب جلال عبر مجلة «كوردستان بالعربي» بدعم حكومي أكبر لإحياء صناعة وإنتاج وبيع السجاد الكوردي، لأن تشجيع المنتج المحلي سيعود أثره الإيجابي على الاقتصاد الوطني.
تجارب العاملات
رمزية صالح عاملة في مركز حرير منذ 5 سنوات، تحكي تجربتها لـ«كوردستان بالعربي»: بعض أنواع السجاد تحتاج لإدخال نحو 100 لون مختلف، كلما كَثُر عدد الألوان ازدادت ساعات العمل والجهد.
تحوّلت عملية النسج منذ عامين من الاعتماد على الأشكال اليدوية إلى الأشكال الإلكترونية، تقول صالح: لكل عاملة لوحة إلكترونية تتضمن ألوان الصوف المستخدم، مصنفة بالأرقام، حتى يسهل استخدامها، والأسلوب التقليدي في النسج صعب، ويستغرق وقتاً طويلاً، أما الأنظمة الحاسوبية فتساعد على ضمان التناسق بين الألوان من خلال البرامج الرقمية، بذلك تكون العملية أيسر.
أما أمل مسعود، عاملة في مركز حرير، فتحكي عن تجربتها لمجلة «كوردستان بالعربي»: بدأتُ العمل بصفة متطوعة، تلقيّتُ تدريبات على النسج والحياكة، قبل أن يتم تعييني كموظفة في المركز، أتقنتُ المهنة خلال 60 يوماً، البدايات دائماً صعبة، لكن بالعمل والاجتهاد والالتزام يمكننا تحقيق النجاح.
هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية