«جامانة»، العلامة التجارية التي أسستها هدى حسن «فتاة الجامانة» البالغة من العمر 26 عاماً، أعلنت قبل أربع سنوات عن إطلاق علامة تجارية حديثة للملابس الكوردية تعتمد على نسيج الجامانة (وهي غطاء الرأس التقليدي المعروف بالشماغ) وتستوحي إلهامها من طبيعة كوردستان.
حملة جامعية تصبح أساسا لــ«جامانة»
عندما كانت هدى حسن طالبة في السنة الثانية بجامعة كوردستان في أربيل، شاركت في تصميم حملة لتشجيع الشباب على المشاركة في التصويت، واستفادت منها كثيراً وغيرت نظرتها بهذا الخصوص. تقول هدى لمجلة «كوردستان بالعربي»: «قلت لنفسي لاحقاً، لن أدع ما تعلمته من هذه الحملة يذهب سدى، وبدأت العمل على هذه الفكرة في فترة انتشار فيروس كورونا».
وهكذا، عوضاً عن أن يكون انتشار جائحة كورونا والحجر الصحي عائقاً، أصبح فرصة جيدة لهدى لوضع خطة لعلامتها التجارية. من هنا، ولدت فكرة «جامانة»، حيث بدأت بتصميم الشعار وعدة تصاميم للملابس باستخدام نقوش ونسيج الجامانة (الشماغ الكوردي).
كيف فكرت في «جامانة»؟
سافرت هدى خارج كوردستان مرات عديدة في حياتها، ولاحظت أن كل مدينة تُعرف بمجموعة من السمات والخصائص المميزة لها. على الأقل، توجد في كل مدينة متاجر لبيع سلع خاصة بتلك المدينة ومتاجر لبيع التذكارات (السوفينير) التي يشتريها السياح ويأخذونها معهم إلى بلادهم.
تقول الفتاة الأربيلية إنها عندما كانت في الجامعة، التقت مع الكثير من الأجانب واختلطت بهم، لكنها لاحظت أنه باستثناء الملابس الكوردية التقليدية، لم تكن هناك أي منتوج كوردي مناسب لتقديمه كهدايا تذكارية للأجانب. ومن هنا، جاءت فكرة إنشاء علامة تجارية كوردية بسيطة وحديثة، تجمع بين الأصالة والحداثة، ومن ثم جمعت فكرتها في «جامانة» لتحويلها إلى منتجات عصرية.
رسالة «جامانة»
عند تصميم كل قطعة جديدة من «جامانة»، تفكر هدى في التعبير عن الهوية الكوردية للشخص الذي يرتديها، سواء بأسلوب حديث أو كلاسيكي. كما تريد أن تكون القطعة مناسبة للارتداء في الحفلات، مما يسمح بإظهار الثقافة الكوردية بأسلوب مختلف وإيجابي. تعتقد هدى أن الملابس الكوردية التقليدية للفتيات والشباب ليست سهلة الارتداء في المناسبات جميعها، لذلك تسعى إلى تصميم قطع كوردية جديدة مستوحاة من الجامانة، وتكون سهلة ومريحة للارتداء، من دون أن تفقد هويتها الثقافية.
قصة «آخابانو»
في عام 2021، كانت هدى تبلغ من العمر 23 عاماً، وكانت على وشك إطلاق علامتها التجارية الجديدة. كانت أفكار تصاميم العديد من القطع الكوردية الملونة تتدفق في خيالها، وفجأة قررت خياطة أول قطعة. استعانت بمصممة صديقة وشرحت لها فكرتها، فتمكّنتا معاً من تنفيذ التصميم الأول، رغم أنها لم تكن راضية عنه بالكامل. هكذا، أطلقت أول مجموعة باسم «آخابانو»، المصنوعة من الجامانة، وتتكون من ربطة الشعر واليلك. بعد ذلك، بدأت عملية التسويق، حيث استعانت بعارضات أزياء ومصورين، ثم أعلنت عنها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب حملة بيع كمامات الجامانة.
تقول هدى إنها سعيدة بأن أولى مجموعاتها حملت اسم «آخابانو»، وهو اسم يعبر عن دعم الرجل الكوردي للمرأة الكوردية، إذ يرمز اللون الأسود إلى «آغا» (الرجل)، بينما يرمز اللون الأبيض إلى «بانو» (السيدة)، في إشارة إلى تلاحم هذين الرمزين في نقش الجامانة الكوردية.
كمامة «جامانة»
كانت كمامة جامانة جزءاً من مجموعة «آخابانو»، وسرعان ما اكتسبت شعبية كبيرة خلال جائحة «كورونا»، فقد بيعت منها عدة آلاف. ولم يكتفِ الناس بالشراء من علامة «جامانة»، بل بدأوا بتقليدها كما تروي هدى، وبيعت كميات كبيرة من كمامات جامانة المقلدة في السوق. وصل الأمر إلى درجة أن الدبلوماسيين وممثلي الدول اشتروا من هذه النسخ المقلدة. تشعر هدى بالحزن لأن النسخة المقلدة لم تكن بالجودة نفسها، بل كانت ذات تصميم قبيح وشوهت الشكل الأصلي لكمامة جامانة، لكنها في الوقت ذاته رأت أن انتشار التقليد علامة على نجاح العلامة التجارية الأصلية، إذ استطاعت أن تجد مكانها بسرعة في السوق.
مجموعة «جولا»
استمرت هدى وصديقاتها في تصميم وصنع قطع ومجموعات جديدة من ملابس «جامانة»، من بينها «جولا (النساج)»، التي كانت مختلفة عن سابقاتها، لأنها كانت تُصنع بناءً على طلب مباشر من الفتيات والشباب. تُخاط له القطعة يُكتب باللغة الكوردية داخل اليَلَك. تميزت «جولا» بلونها الأسود، فقد استُخدم نسيج الجامانة في جزئها الخارجي وفي بطانتها الداخلية، بينما صنعت اليلك من قماش الكر أو الشال، وهو قماش كوردي ثمين يُنسج يدوياً من شعر ماعز الأنجورا.
مجموعة «ژالة»
«ژالة» هي مجموعة أخرى مستوحاة من الطبيعة، وتحديداً من نبات «ژالة (الدفلة)»، الذي يتميز بلونه الأخضر وزهرته الوردية. تحكي هدى عن مصدر الإلهام قائلة: «يوماً ما، كنا نتنزه في الطبيعة مع الأصدقاء، ورأيت هذه الزهرة الوردية تتفتح في مكان وعر، كانت جذابة جداً ومليئة بالأمل، فقلت فوراً يجب أن أصنع منها مجموعة».
أربع سنوات من النجاح
وهكذا، خلال أربع سنوات، أطلقت «جامانة» أكثر من 17 مجموعة، بعضها كان بالشراكة مع أشخاص لديهم أفكار إبداعية. تقول هدى في هذا الصدد: «أحياناً كان لدى شخص ما فكرة جميلة، ونحن من جانبنا نفذنا الفكرة بالشراكة، ومن بينها مجموعة «سوپاس (شكراً)».
ردود الفعل
تتحدث هدى عن ردود فعل الناس تجاه منتجات «جامانة»، وتروي ضاحكة قصة اليوم الذي ارتدت فيه عارضتان مجموعة «آخابانو» وذهبتا إلى سوق القيصرية في أربيل، حيث صاح بهما رجل عجوز: «الجمدانية (الشماغ) مصنوعة للرأس، لماذا ترتديانها؟».
لكنها تضيف أن ردود فعل كبار السن كانت إيجابية بشكل عام حيث أبدى بعضهم إعجابهم بالفكرة، مما جعلها تفكر في تصميم مجموعة لكبار السن، وعرض الملابس في مناسبة ما بمشاركة عدد من النساء والرجال المسنين كعارضين للأزياء. كما تذكر أن بعض الشباب كانت ردود فعلهم سلبية غير متوقعة تجاه منتجات «جامانة»، حيث اعتقدوا أنه لا ينبغي تغيير وظيفة الجامانة كغطاء لرأس الرجل إلى ملبوسات رجالية أو نسائية.
الخطط المستقبلية
تعتزم هدى توسيع نطاق علامتها التجارية، والوصول بمنتجات «جامانة» إلى مدن وسط العراق وجنوبه، إلى جانب تعزيز انتشارها في سوق إقليم كوردستان. كما تخطط لوضع منتجاتها في مطارات كوردستان، لتكون متاحة أمام الزوار والسياح.
ريبند سعدالله
ترجمة: إسماعيل خالد گلالي