في عالم اعتاد على تقديم الجمال كصورة صامتة، تأتي حياة مراد لتمنحه صوتاً. صوت امرأة شابة من أقصى الشمال الغربي للعراق، من سنجار، من أرضٍ كانت ضحية الألم لكنها أنجبت الأمل. من هناك، خرجت حياة مراد، الشابة الإيزيدية الطموحة، لتقول إن الجمال ليس مظهراً فقط، بل رسالة وهوية وحكاية شعب يبحث عن الضوء وسط الركام.
اختارتها مؤسّسة (TC Candler) العريقة، والمعروفة عالمياً بقائمتها السنوية «أجمل 100 وجه في العالم»، كواحدة من مرشّحات عام 2025، لتكون بذلك أول فتاة إيزيدية في التاريخ تدخل هذه القائمة العالمية. هذه المنصة التي انطلقت منذ عام 1990، لا تكتفي بالمعايير الشكلية وحدها، بل تحتفي بالتنوع الثقافي، والتفرد، والحضور الإنساني، وتعكس من خلال مرشحيها صورة شاملة عن الجمال كقيمة إنسانية عميقة.
أجرت مجلة «كوردستان بالعربي» لقاءً خاصاً مع حياة مراد، لنتعرّف عن قرب على هذه الفنانة الشابة، التي قرّرت أن تجعل من الفن والجمال طريقاً لتمثيل صوت المرأة الإيزيدية، وقضية شعب ما زال يحمل جراح الإبادة.
من سنجار إلى العالم: البداية محاطة بالرماد والضوء
ولدت حياة مراد في شمال قضاء سنجار بمحافظة نينوى، في بيئة تحمل بين طياتها تحديات مريرة وألماً عميقاً، حيث يشكل الصمود والنضال جزءاً لا يتجزأ من هوية المجتمع الذي نشأت فيه. ومع كل هذه الظروف القاسية، اكتشفت حياة في الفن والجمال وسيلةً للهرب من الواقع، ورأت فيهما نافذة نحو الحياة والأمل.
حياة، خريجة قسم اللغة الإنجليزية من جامعة دهوك، لم تكن مجرد وجه جميل في التصنيفات، بل كانت روحاً فنية مرهفة تعبر عن ثقافتها وهويتها. وتتمتع بحس ثقافي رفيع واهتمام كبير بالفنون والتصميم، مما أهلها لتبرز في مجالات متعددة وتترك بصمتها. وفي حديثها مع «كوردستان بالعربي»، قالت حياة: «نشأت في مجتمع مليء بالتحديات، لكنني وجدت في الفن والجمال وسيلة للتعبير عن ذاتي وهويتي. بدأت رحلتي من حب للرسم، ثم توسعت إلى عالم الموضة والجمال، حيث وجدت أنني أستطيع أن أكون صوتاً لمجتمعي وقضيتي».
ورغم حداثة سنها، استطاعت أن تبني هوية واضحة، وتصبح فنانة تشكيلية مرهفة الإحساس، وقد شاركت في معارض دولية وعالمية، وحازت عدة جوائز تقديرية، بينها شهادة خاصة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) من مسابقة فنية عالمية، وهو إنجاز استثنائي لفنانة شابة عبّرت بفنها عن قضايا شعبها.
الهوية أولاً
حين تتحدث حياة عن الإيزيديين، لا تتحدث كشاهدة، بل كواحدة من أبناء هذا الموروث. ترى أن الفن والجمال هما وسيلتان لحفظ الذاكرة الجماعية: «ثقافتي الإيزيدية جزء لا يتجزأ من هويتي، وهي التي صنعتني. نشأت في مجتمع يعاني من الاضطهاد، وهذا جعلني أقدّر الفن كوسيلة للحفاظ على تراثي والتعبير عن معاناة شعبي».
وفي عام 2022، شاركت حياة مراد في مسابقة ملكة جمال العراق، وكانت واحدة من أبرز المتسابقات اللواتي مثّلن الجمال الإيزيدي بثقة وكبرياء. لم تكن مشاركتها استعراضية، بل حضوراً واعياً، يعبّر عن شخصية تنظر إلى الجمال كقيمة محمّلة بالمعنى.
جمال يحمل قضية
تتحدث حياة عن ترشيحها لقائمة «أجمل 100 وجه» باعتزاز كبير، ليس لأنها فقط أول إيزيدية تصل إلى هناك، بل لأن هذا الاختيار يرفع معها قضيّة، ويمنح صوتاً لمجتمع لم يُعرف عالمياً بما يكفي: «هذا الترشيح لا يعني لي الجمال فقط، بل تمثيل عالمي للمرأة الإيزيدية الكوردية والعراقية. وفي ظل التحديات التي تواجهها النساء في منطقتي، أراه خطوة نحو إيصال رسالة أن الجمال يحمل في داخله قوة وإرادة للتغيير»، وتضيف: «أريد أن أظهر للعالم أن الجمال ليس فقط في الشكل، بل في الرسالة التي نحملها، يجب أن يكون الجمال مقروناً بالثقافة والإرادة التي تدفعنا للمضي قدماً رغم كل الصعوبات لإحداث تغيير إيجابي في المجتمع».
وفي زمن يغزو فيه «الجمال الموحد» العالم، تدافع حياة عن فكرة التنوّع وتعدد معايير الجمال وتقول: «الموضة والجمال يجب أن يكونا مساحة شاملة تعكس تنوع الثقافات، وليس فقط معايير ضيقة. أرى نفسي جزءاً من هذا التغيير، وأرغب في أن أكون مثالًا لتمثيل الجمال الإيزيدي والكوردي والعراقي عالمياً».
جمهور يُشبهها... ودعم يمنحها أجنحة
ورغم حداثة تجربتها، فإن جمهور حياة لم يتأخر في الوقوف إلى جانبها، خصوصاً في كوردستان والعراق عموماً. والدعم الشعبي كان حافزاً مهماً لتكمل طريقها بشغف وثقة. «الدعم الذي تلقيته كان مذهلاً، وأشعر بالامتنان لكل من آمن بي. هذا الدعم يعطيني القوة للاستمرار. عائلتي، أصدقائي، والعديد من الأشخاص في مجتمعي كانوا سندي، وساعدوني في تحقيق هذا النجاح».
ما بعد الترشيح... الفن مستمر، والصوت أعلى
لا تكتفي حياة بما حققته، بل تنظر إلى الأمام. في الأفق مشاريع فنية، إنسانية وثقافية، مشيرة إلى أنها تريد استخدام شهرتها «ليس فقط في مجال الجمال، بل أيضاً في دعم قضايا مجتمعي، سواء من خلال الفن أو التوعية. وأسعى لأن أدمج بين اهتماماتي المختلفة لأصنع شيئاً يعكس هويتي وثقافتي».
وتختم حديثها برسالة للأجيال القادمة تقول فيها «رسالتي للأجيال الشابة هي أن يسعوا لاكتشاف قدراتهم وتطويرها، وألا يترددوا في التعبير عن أنفسهم من خلال الفنون والإبداع».
من سنجار إلى لوحات الفن، ومن الألوان إلى قوائم العالم، حياة مراد تمشي بخطى ثابتة، لأنها تعرف تماماً أن الجمال الحقيقي هو الذي يحمل في داخله روحاً، وشعباً ووطناً.
إيمان أسعد: صحفية كوردية