«أنتيكا أربيل» 50 عاماً في جمع النوادر
«أنتيكا أربيل» 50 عاماً في جمع النوادر
May 15, 2025

في قلب مدينة أربيل العريقة، حيث تنتصب قلعتها الأثرية شامخةً تروي حكايات الزمن الغابر، يجلس رجلٌ استثنائي حمل على عاتقه مهمة حفظ تراث أجداده. إنه خالص يونس مصطفى، ابن القلعة الذي نشأ في أزقتها، حتى أصبح أحد أهم جامعي التحف في إقليم كوردستان العراق.

في متجره العتيق المطل على القلعة الأثرية، يستقبل خالص زواره بشكل يومي، يتميز هذا الرجل بثقافته الواسعة وإتقانه أربع لغات: التركمانية (لغته الأم)، والكوردية، والعربية، والإنكليزية، مما جعله جسراً ثقافياً يربط بين مختلف مكونات المجتمع العراقي.

الصور: هوكَر كريم

 

من هواية إلى مهنة

في حديثه الخاص لمجلة «كوردستان بالعربي»، يكشف خالص عن رحلة عمره مع جمع التحف والقطع الأثرية النادرة. بدأت القصة منذ طفولته، حين كان مهووساً بجمع كل ما هو قديم ونادر، لتتحول هذه الهواية مع مرور الوقت إلى مهنة أتقنها على مدى خمسة عقود. يقول: «قضيت خمسين عاماً في جمع التحف القديمة والقطع النادرة، ولم يفارقني يوماً شغفي بحفظ التراث وجمعه للأجيال القادمة».

يضم متجر «أنتيكا أربيل» أقساماً متنوعة تشمل النسيج، والخشبيات، والنحاسيات والفضيات، والأسلحة الأثرية، والأرشيف الصوتي. ويفخر خالص بمقتنيات متجره قائلاً: «يحتوي المتجر على ملايين القطع الصغيرة والكبيرة، إضافة إلى المواد النفيسة التي لا تقدّر بثمن. بعضها ليس للبيع، والقسم الأكبر معروض للبيع، ومن بينها تحف أثرية تحكي قصص قلعة أربيل، ومنارتها، وآثار السليمانية ودهوك وكركوك وغيرها». 

عند دخولك المتجر، تستقبلك رائحة التاريخ العبقة، وتقودك سلالمه الضيقة إلى قاعة فسيحة تعج بالفضيات والنحاسيات. وفي إحدى زواياها، تجد غرفة صغيرة يجلس فيها حرفي ماهر منهمك في تصليح الأجهزة الصوتية القديمة، بينما تمتلئ الجهة المقابلة بأوانٍ نحاسية تحتضن عملات قديمة معدنية وذهبية وفضية.

وفي ركن خاص من المتجر، خصص خالص خزائن للمخطوطات اليدوية النفيسة، مؤكداً: «أحتفظ بأرشيف كامل للدولة العثمانية، إضافة إلى المجلات والكتب الصادرة باللغة العربية، وأكثر من عشرة ملايين قطعة من الطوابع والنوادر العالمية». كما تزين المتجر مجموعة متميزة من الزجاجيات القديمة والفضيات التي صنعتها أيادي يهود العراق الماهرة.​​​​​​​​​​​​​​​​

 

وفي ركن مميز من المتجر، تتراص الآلات الصوتية القديمة بعناية فائقة، لتروي حكاية ثلاثة قرون من الإبداع والحرفية. يتحدث خالص عن هذا القسم بفخر قائلاً: «هنا نحتفظ بتراث أجدادنا وصناعتنا اليدوية والحرفية التي يتجاوز عمرها ثلاثمئة عام. لم نقتصر على حفظ التراث العراقي فحسب، بل امتد عملنا ليشمل تراث بلاد ما بين النهرين بكل ما مرّ عليها من حضارات وثقافات وأديان، من الكورد والعرب والتركمان واليهود والمسيحيين والمسلمين».

كل قطعة في متجر خالص تنبض بالحياة وتحمل في ثناياها قصصاً عن ماضٍ عريق شهدته هذه البلاد. يتأمل خالص في دوافع زواره قائلاً: «عندما يأتي الزوار لشراء طبق نحاسي أو إبريق شاي أو كأس مطرّز بالفضة، فإن ذلك يعكس ارتباطهم بتاريخهم، أو رغبتهم في معرفة المزيد عنه». ويضيف بحكمة: «أجمل ما يمكن أن نتعلمه من التاريخ هو احترام ما قدمه أجدادنا الأوائل وحفظه وحمايته. فالدول المتقدمة تحترم تاريخها وتقدّس حاضرها وتعمل لمستقبلها، وهذه هي نظرتي للتاريخ».

مكان للذاكرة والتاريخ

لم يعد متجر «أنتيكا أربيل» مجرد مكان للبيع والشراء، بل تحول إلى أرشيف حي نابض للذاكرة العراقية. وبينما يواصل خالص يونس مصطفى عمله الدؤوب، يتجلى هدفه الأسمى في الحفاظ على كل قطعة، لا كمجرد تحفة أو ذكرى عابرة، بل كجزء أصيل من نسيج هوية بلاده.

في هذا المتحف الصغير، تتجسد حكاية طويلة من الحرف اليدوية والفولكلور والأشغال التراثية، حتى أصبح واحداً من أرقى المعالم الثقافية في مدينة أربيل العريقة، ومركزاً حيوياً يساهم في صون تراث العراق المتنوع والمزدهر.​​​​​​​​​​​​​​​​


سهى كامل: صحفية سورية مقيمة في أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved