اشترِ خبزاً واستعر كتاباً
اشترِ خبزاً واستعر كتاباً
May 15, 2025

في صباح كل يوم، وبينما يصطف الناس أمام المخبز لشراء الخبز الطازج، يجدون أنفسهم أمام فرصة مختلفة ليس فقط لشراء ما يشبع جوعهم، بل أيضاً لإثراء عقولهم. هنا، في حي بروشكي بمدينة دهوك، تحوّل مخبز صغير إلى مكتبة مفتوحة بفضل مبادرة «اشترِ خبزاً واستعر كتاباً» التي أطلقها الشاب الكوردي أياز بابوخكي لتكون دعوة لدمج الثقافة في روتين الحياة اليومية.

لم يكن بابوخكي مجرّد خبّاز ورث المهنة عن والده، المعروف بمهارته في صناعة الخبز، بل هو أيضاً مهندس زراعي يحمل شغفاً بالمعرفة. برؤيته، أصبح المخبز أكثر من مجرد مكان للعجين والخَبز، بل فضاءً ثقافياً يمزج بين الغذاء والعلم، مُحولًا مخبزه إلى نقطة التقاء بين الجسد الذي يحتاج إلى الطعام والعقل الذي يتطلع إلى الثقافة.

مكتبة في مخبز

يتحدث بابوخكي، ذو الـ33 عاماً لمجلة «كوردستان بالعربي» عن قصة مبادرة «اشترِ خبزاً واستعر كتاباً»: «كنت أستغل وقت فراغي داخل المخبز للمطالعة، وحين كان أصدقائي يزورونني، كانوا يسألونني عن الكتب التي أقرؤها. أدركتُ حينها أن لديهم فضولاً لمعرفة المزيد، فخطرت لي فكرة إنشاء مكتبة داخل المخبز، حيث يمكن لكل زبون استعارة كتاب مع الخبز الذي يشتريه».

أنشأ أياز داخل مخبزه مكتبة صغيرة تضم عشرات الكتب، وفتح باب الاستعارة المجانية أمام زبائنه، بحيث يمكن لأي شخص يشتري خبزاً أن يأخذ معه كتاباً ليقرأه ثم يعيده ليستفيد منه الآخرون. يتحدث عن بدايات المبادرة قائلاً: «أطلقتها في أوائل عام 2024، كنت متردداً وخائفاً من الفشل، ظننتُ أن الفكرة قد تبدو غريبة أو غير مقبولة. فمن سمع من قبل عن توزيع الكتب مع الخبز؟ لكن مع مرور الأشهر، فوجئت بردود الفعل الإيجابية، وبدأت أرى تأثيرها الحقيقي على المجتمع المحلي في دهوك».

مع تزايد الإقبال، قام بابوخكي بتوسيع مكتبة مخبزه حتى وصل عدد الكتب إلى ألف كتاب. ويضيف: «حرصتُ على تنويع الكتب لتشمل الروايات، والقصص القصيرة، والفلسفة، والعلوم، والتنمية البشرية، والتاريخ والجغرافيا، باللغتين الكوردية والعربية، وذلك لتلبية اهتمامات مختلف القرّاء».

تفاعل المجتمع ودوره في تطوير المبادرة

ما جعل مبادرة بابوخكي أكثر تميّزاً هو تفاعل الناس معها، إذ بدأوا بتبادل الكتب فيما بينهم، بل وجلبوا من مكتباتهم الخاصة لإثراء مكتبة المخبز. يعبر بابوخكي بهذا الصصدد عن شعوره قائلاً: «من أجمل لحظات حياتي، هو عندما رأيت جارنا يدخل حاملاً مجموعة كتب ليضيفها إلى المكتبة، عندها أيقنت أن المبادرة أحدثت فرقاً حقيقياً، مما زاد إصراري على الاستمرار في دعم القراءة والمطالعة في دهوك».

وحول طريقة إعارة الكتب وتبادلها، يوضح بابوخكي أن نظام الاستعارة يكون وفق قواعد محددة، إذ يتم تسجيل اسم المستفيد ورقم هاتفه، بالإضافة إلى عنوان الكتاب وتاريخ إعادته. بهذه الطريقة، يمكن لأي شخص استعارة كتاب جديد عند إعادة الكتاب القديم، مما يساهم في الحفاظ على الكتب ويتيح الفرصة لأكبر عدد من الأشخاص للاستفادة منها.

يواصل بابوخكي سعيه لتوسيع مكتبة مخبزه وتنظيمها بشكل أفضل، وذلك بتقسيمها وفقاً لأنواع الكتب وإضافة أقسام جديدة مثل المجلات الموسيقية والفنية، بالإضافة إلى تخصيص قسم للروايات العالمية وقصص الأطفال، موضحاً أن مبادرته لاقت إعجاباً واسعاً من المثقفين في دهوك، وتم تكريمه من قبل مكتبة «بدرخانيان» بتبرعها بـ100 كتاب، لمكتبة المخبز.

ويُعرب بابوخكي عن إعجابه بالإقبال النسائي على مبادرته، قائلاً: «لاحظتُ أن السيدات تفاعلن بشكل كبير مع المبادرة، وبدأن بتبادل الكتب وقراءتها، بل وجلبن العديد من القصص لتضاف إلى مكتبة المخبز. هذا يظهر دور المرأة البارز في المجتمع ووعيها العميق بأهمية الاطلاع على تجارب الآخرين ونشر ثقافة القراءة بين الأجيال الجديدة.

الأهداف الإنسانية 

وعن أهمية هذه المبادرة وأهدافها الإنسانية، يعبر بابوخكي أن إيمانه العميق بأن «الإنسان لا يعيش بالخبز وحده»، وأنه «يجب علينا جميعاً تشجيع الناس على القراءة والاطلاع، دفعني لإطلاق هذه المبادرة. أردتُ أن أجعل الكتاب جزءاً من حياة الجميع، لا يقتصر على النخبة فقط، بل ليكون في متناول يد كل فرد، ليتمكنوا من استثمار وقتهم بشكل مفيد حتى في أكثر اللحظات اليومية اعتيادية».

تجسد هذه المبادرة إيماناً عميقاً بأهمية الثقافة والتعليم في حياة الإنسان، حيث تجمع بين غذاء الجسد المتمثل بالخبز، وغذاء العقل الذي يقدمه الكتاب. هي رسالة إنسانية نبيلة تهدف إلى جعل المعرفة جزءاً من الحياة اليومية، وتأكيد دور الثقافة في تغذية العقول وبناء مجتمعات أكثر وعياً واهتماماً.


أحمد باني: مراسل وصحفي كوردي



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved