نغمات لنشر المحبة والسلام
نغمات لنشر المحبة والسلام
May 15, 2025

تُحلق الألحان الكوردية في فضاء المسرح، حيث تجلس العازفة الشابة نورشين إلى جانب شقيقتها پروين. ينساب صوت السنطور، مُشبعاً بالحنين والتاريخ، ليخلق نغمات تنبض بالحياة. كل نغمة تصدر من أوتار الآلة ليست مجرد موسيقى، بل سردٌ حقيقي لقصص الكورد وعراقتهم. لحظات الغناء والعزف تجسد تواصل الأجيال، حيث تتدفق الموسيقى في عروق الحاضرين، كنبع صافٍ ينحدر من قمم جبال كوردستان، مُذكِّراً الجميع بجذورهم وهويتهم الثقافية. 

نورشين وپروين صالح، العازفتان السوريتان، اللتان أجبرتهما الحرب على مغادرة سوريا، حملتا مدينتهما «كوباني» (مدينة تقع في روج آفا / كوردستان سوريا)، في حقيبتهما خلال رحلة لجوئهما الطويلة في تركيا، لتجدا أربيل عاصمة إقليم كردستان، مسرحاً راقياً يحتضن المبدعين، ويفتح خشبته لكل التجارب الفنية، فصنعتا في أربيل تجربتهما الفنية الخاصة التي أكملت عامها الثاني بكل نجاح.

عندما تغني الأنثى

تختار نورشين وپروين بكل عناية الأماكن التي تعزفان وتغنيان بها، تفضّلان المناسبات الفنية والرسمية، أو الاحتفالات المرتبطة بحقوق الإنسان ودعم النساء، تقول نورشين لمجلة «كوردستان بالعربي»: عندما نغني في أربيل، فإننا نغني لنُلهم الإنسان والمرأة والمحارب والجندي، نحن نغني للمحبة والسلام، لأننا وجدنا في أربيل بيئة للتعايش السلمي جعلت تجربتنا الفنية تنمو وتزدهر في زمن قياسي، مقارنة بتجربتنا السابقة في تركيا. 

عندما تبدأ نورشين بالغناء وپروين بالعزف، تختلط أنغام الموسيقى مع نعومة الأنثى ورِقتها، فتشد المستمع ليكمل بقية القصة، وتُثير فضوله للمزيد. تقول نورشين: «خلال العروض الموسيقية التي نقدمها أعزف على آلتي الغيتار والكمان، كما أُجيد العزف على آلة البيانو، وعندما أغني أحاول أن أؤدي الأغاني بشخصيتي وليس بشخصية صاحب الأغنية، فتظهر هويتي الفنية. كثيراً ما يخبرونني بأن أدائي مختلف وكأنهم يسمعون الأغنية للمرة الأولى». 

وبمهارة الأنثى وقدرتها على خلق الإبداع بأبهى تفاصيله، تدمج نورشين الأغاني الكوردية مع العربية، وتتنقّل بينها بكل رشاقة. وفي الوقت ذاته تدور أوتار آلة السنطور بين أنامل پروين لتُحدث الإيقاع الموسيقي المتكامل. تقول نورشين: «ما زالت مدينتي كوباني حاضرة في تفاصيل حياتي، لذلك أحرص على نقل تراثها وثقافتها الكوردية، نؤدي الأغاني التراثية الكوردية المشهورة عبر التاريخ الكوردي، التي تدور خلفها قصص حقيقية لأبطال كورد ناضلوا من أجل الهوية، أو عاشق كوردي أبى أن ينسى محبوبته. بينما يبقى للموسيقى العربية مكانتها المُميزة في عروضنا، خاصة «جارة القمر» السيدة فيروز، التي لا يمكنني أن أنهي عرضاً موسيقياً من دون أداء إحدى أغنياتها.

وداعاً للرايات السوداء

ولا تكتمل القصة، من دون دردشة لطيفة مع پروين، الشابة التي لم تتجاوز الـ22 عاماً، لكنها تجاوزت بأدائها الموسيقي الحدود بين البلدان واللغات والأعراق، فأتقنت العزف على آلة السنطور الفارسية، والدف الشرقية والمزمار القديمة التي ابتكرها قدماء المصريين منذ آلاف السنين.

تحكي پروين لـ«كوردستان بالعربي» ذكريات مؤلمة عن الحرب في سوريا، تقول: «بالموسيقى يمكننا أن نتحد ونحارب الموت، ذلك الموت الذي تجسد أمامنا على شكل رجال يكتسيهم السواد، يرفعون راياتهم السوداء بوجه الحياة الملوّنة، يوجهون سيوفهم إلى قلوبنا، مازالت تلك الأشباح السوداء المتمثلة بعناصر تنظيم «داعش»، الذين حاولوا قتل الحياة في مدينتي كوباني تلاحقني، لكن الموسيقى تبددهم وتمحو آثارهم الهمجية. هذا هو إيماني، لذلك أعزف وأغني للاستمرار، للتغيير، للتدفق، للأحلام كي تصبح حقيقة».

الرحلة مازالت في بدايتها، والأهداف لا بد أن تتجلى بالعمل والإصرار، تقول پروين: «هدفنا الوصول إلى كل المناطق الكوردية في سوريا والعراق وتركيا وإيران، نريد أن ننقل هويتنا للعالم ونكتشفها في الوقت ذاته، سنغني ونعزف الموسيقى الكوردية في كل أنحاء كوردستان، ولكل كوردي وكوردية، في بلاد المغترب، سنرفع صوتنا عبر الموسيقى، ليبقى التراث الكوري حيّاً لا يموت.


 سهى كامل: صحفية سورية مقيمة في أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved