في سهول كوردستان الخضراء، حيث تتجلى عراقة الماضي وطموح المستقبل، تبرز قصة شابة استطاعت أن تحول شغفها الطفولي إلى مسيرة متألقة في عالم الفروسية. لونا مريوان حسين، الفارسة الكوردية الشابة، تخطو بثبات نحو العالمية، حاملة معها إرث حضارة عريقة ورؤية مستقبلية لتطوير رياضة الفروسية في المنطقة.
في لقاء خاص مع مجلة «كوردستان بالعربي»، فتحت لونا قلبها لتروي تفاصيل رحلتها مع الخيل، متحدثة بعينين تلمعان شغفاً وصوتٍ يفيض بالثقة والإصرار.
بدايات الشغف
«بدأت رحلتي مع ركوب الخيل بشكل منتظم في عام 2021 بعد إتمام دراستي الجامعية، رغم أنني كنت أمارسها بين الحين والآخر خلال فترة الدراسة»، هكذا استهلت لونا حديثها معنا، مضيفة: «منذ طفولتي المبكرة، كانت هذه الرياضة تستهويني وتثير فضولي».
وعن الدوافع التي جعلتها تمضي في هذا الطريق، توضح لونا: «الجرأة وحب المغامرة، إلى جانب عشقي للخيول، كل ذلك دفعني لا لممارسة الفروسية فحسب، بل لاستكشاف رياضات أخرى مرتبطة بها مثل الرماية بالسهم والرمح والألعاب البهلوانية على ظهر الجواد. وجدت في هذا العالم المتكامل ما يتناغم مع روحي وشخصيتي».
لم تكن رحلة لونا لتكتمل لولا الدعم العائلي الذي حظيت به، إذ تؤكد: «والدي ووالدتي وأخي هم داعمي الأول والأساسي في هذا المشوار. فقد تقبلت عائلتي فكرة ممارستي للفروسية برحابة صدر، وهو ما منحني القوة للاستمرار والتطور».
وتلتزم لونا بروتين تدريبي يومي، إذ أنها تتوجه، بعد انتهاء دوامها الوظيفي، مباشرة إلى ميدان التدريب، وتخصص ما بين 30 إلى 45 دقيقة يومياً للتمرن، ساعية خلالها لإضافة مهارات جديدة لنفسها ولحصانها، الذي تتحدث لونا عن علاقتها الخاصة به، بعاطفة جياشة: «إن تكوين رابطة قوية مع الحصان هي رحلة مليئة بالتعلم والصبر والتعاطف. أحرص على احترام شخصيته الفريدة، واصطحابه في مسارات جديدة، والاهتمام بصحته والعناية اليومية بنظافته. أقضي وقتاً طويلاً معه وأقدم له المكافآت التي يحبها مثل الجزر والتفاح».
خطوات نحو العالمية
تفخر لونا بمشاركاتها في المسابقات الدولية، بقولها: «شاركت في ثلاث مسابقات دولية خاصة بالقفز، إضافة إلى مسابقة في السرعة. كل هذه المسابقات كانت جميلة وممتعة، وفي كل سباق كنت أتعلم شيئاً جديداً». وعن سر النجاح في المنافسات، تؤكد لونا أن «الاستعداد الجيد والراحة النفسية هما أساس النجاح في أي منافسة».
تتحدث لونا بفخر عن علاقة الثقافة الكوردية بالفروسية، قائلة: «الثقافة الكوردية داعمة ومؤيدة لمثل هذه الرياضات، ويحفز المجتمع الفرسان على تطوير مهاراتهم».
وتضيف مسلطة الضوء على خصوصية الخيول الكوردية: «لدينا خيول كوردية أصيلة تختلف عن باقي السلالات بحركاتها المدهشة. هناك مهرجانات خاصة تشارك فيها فقط الخيول الكوردية ذات الدم الحار، وهي مناسبات رائعة لإبراز هذا التراث الأصيل».
المرأة الكوردية وتحديات الفروسية
تعترف لونا بأن المرأة الكوردية ما زالت جديدة نسبياً على عالم الفروسية، وتسرد تجربتها الشخصية: «في البداية، واجهت صعوبات في ممارسة هذه الرياضة بحرية، لكن الثقة بالنفس لعبت دوراً كبيراً في تجاوز هذه العقبات. الآن، أجد دعماً معنوياً كبيراً لمواصلة هذه الرياضة».
وتوجه لونا نصيحة لبنات جنسها: «أنصح جميع الفتيات بممارسة هذه الرياضة والانفتاح على هذا العالم الرائع. فهو يمنح الإنسان الكثير من الصفات الإيجابية كالصبر والقوة والشجاعة، إضافة إلى تعلم مهارات التواصل مع الخيول وفهم لغة جسدها».
تنظر لونا إلى المستقبل بطموح كبير: «هدفي هو تطوير هذا النوع من الرياضة والمشاركة في المسابقات العالمية. أفكر بجدية في خطوات مهمة ستشكل تحديات جديدة في مسيرتي».
وعن خططها لنشر ثقافة الفروسية، تطمح لونا في إقامة دورات تعليمية مجانية وتنظيم فعاليات متنوعة، مما سيساهم في تطوير ونشر هذه الرياضة في مجتمعنا.
وتختتم لونا حديثها بنصائح قيمة للمبتدئين في عالم الفروسية: «من المهم اختيار مدرسة ركوب خيل مناسبة لتعلم الأساسيات؛ فهذا يساعد في بناء قاعدة قوية للمهارات. كما يجب الاهتمام بمعدات السلامة مثل الخوذة والقفازات والحذاء المناسب والسترة الواقية للقفز والسراويل المريحة للركوب»، مؤكدةً أن «الشخص الناجح هو من يستطيع الموازنة بين عمله وموهبته».
في ختام لقائنا مع لونا حسين، نرى أمامنا نموذجاً ملهماً للمرأة الكوردية العصرية التي تستمد قوتها من جذورها وتراثها، وتتطلع نحو آفاق عالمية واسعة، حاملة معها رسالة حضارية وإنسانية تتجاوز حدود الزمان والمكان.
رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية