زيارات دبلوماسية كوردستانية تعزز التنمية والاستقرار للمنطقة
زيارات دبلوماسية كوردستانية تعزز التنمية والاستقرار للمنطقة

في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، برز إقليم كوردستان كفاعل سياسي واقتصادي مؤثر عبر تحركات دبلوماسية نشطة واتفاقيات استراتيجية رفيعة المستوى. ففي مايو 2025، قام رئيس حكومة الإقليم، مسرور بارزاني، بزيارة رسمية إلى واشنطن، تخللتها توقيع اتفاقية استثمارية كبيرة في قطاع الطاقة. وبالتزامن، أجرى رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني جولة خارجية شملت عواصم إقليمية ودولية، محمّلة بملفات سياسية وأمنية واقتصادية، هدفها تعزيز مكانة الإقليم كلاعب موثوق وشريك استراتيجي في المنطقة.

مراسيم توقيع اتفاقيتين بين شركتين أمريكيتين ووزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان

 

عهد جديد في تطوير الطاقة

خلال زيارته الرسمية للولايات المتحدة في 19 مايو 2025، ترأس رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني مراسم توقيع صفقتين استراتيجيتين في قطاع الطاقة مع شركتي «إتش كيه إن إنرجي» HKN Energy و«ويسترن زاغروس» WesternZagros Resources Ltd الأمريكيتين. الصفقة الأولى تستهدف تطوير حقل ميران للغاز الذي يحتوي على احتياطيات تُقدر بنحو 8 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بقيمة تتجاوز 40 مليار دولار على المدى الطويل. أما الثانية فتشمل حقل توبخانة الذي يضم 5 تريليون قدم مكعب من الغاز و900 مليون برميل من النفط، بعائدات متوقعة تصل إلى 70 مليار دولار.

وأكد بارزاني التزام حكومته بتوفير الكهرباء على مدار الساعة وتوسيع التصدير ضمن خطة إصلاحية شاملة. ومن جانبه أشاد ستيف لوتس، نائب رئيس شؤون الشرق الأوسط في غرفة التجارة الأمريكية، بالدور القيادي لمسرور بارزاني، واصفاً إياه بـ«الرجل المناسب في الوقت المناسب». بينما عبّر إيريك ستور، مدير استثمارات النفط والغاز في شركة «كريست»، عن تفاؤله بإمكانيات إنتاج الغاز لتعزيز البنية التحتية المحلية والإقليمية. وأشار النائب الأمريكي جو ويلسون إلى أهمية هذه الاستثمارات في تقليل اعتماد العراق على الغاز الإيراني، مما يعكس الدور الإقليمي لكوردستان في مجال الطاقة.

ووصف راسل فريمان، الرئيس التنفيذي لشركة «إتش كيه إن إنرجي»، الاتفاقية الموقعة بأنها «معلم مهم» يتجاوز تأثيره نطاق الشركات المعنية ليشمل مستقبل قطاع الطاقة الإقليمي بأكمله، وفقاً لبيان حصلت عليه مجلة «كوردستان بالعربي».

وأكد فريمان أن الاتفاقية ستعمل على دمج نقاط القوة المتميزة للشركتين، بهدف تطوير أحد أبرز الموارد الغازية الاستراتيجية في المنطقة وفق معايير مسؤولة ومستدامة.​​​​​​​​​​​​​​​​

من جانبه، أكد توفيق شاهين، رئيس مجلس إدارة شركة «ويسترن زاغروس»، أن «تطوير حقل توبخانة، إلى جانب حقل كردمير المجاور الذي تملكه وتديره شركتنا، سيلعب دوراً محورياً في تأمين وصول الكهرباء على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لملايين الأشخاص في إقليم كوردستان، ومع مرور الوقت، للسوق العراقية والإقليمية الأوسع».

مسرور بارزاني خلال مشاركته بحلقة نقاشية في مؤتمر الطاقة في واشنطن

 

مؤتمر «مستقبل الطاقة»

شارك مسرور بارزاني في مؤتمر نظمته مؤسسة «المونيتور»، بحضور وزير الطاقة الأميركي كريس رايت، الذي أكد قدرة كوردستان على تصدير ما يصل إلى 400 ألف برميل يومياً، واصفاً الإقليم بـ«اللاعب الإقليمي الأساسي». وبدوره، شدد بارزاني على أولوية البناء والتقدم بعد سنوات من محاربة الإرهاب، داعياً إلى تعزيز الشراكة والاستثمارات مع الولايات المتحدة في الإقليم.

في غضون ذلك، واصل بارزاني مساعيه الدبلوماسية في واشنطن، حيث التقى وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مبنى «هاري إس ترومان». وأعرب بارزاني خلال اللقاء عن شكره «للولايات المتحدة على دعمها المتواصل للإقليم»، بينما أكد روبيو «التزام إدارة الرئيس دونالد ترامب بدعم إقليم كوردستان قوياً ومستقراً ضمن العراق الاتحادي»، مشيراً إلى أن ذلك «يشكل جزءاً محورياً من الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة».

وأشاد الوزير الأمريكي بـ«الدور الإنساني البارز للإقليم في استضافة اللاجئين والنازحين، فضلاً عن جهوده في حماية حقوق المكونات الدينية والقومية المتنوعة في العراق وسوريا». كما تناولت المباحثات «أهمية استئناف تصدير نفط الإقليم عبر خط الأنابيب العراقي – التركي» والجهود الإصلاحية لحكومة الإقليم الرامية إلى تنويع مصادر الاقتصاد.

وعقب توقيع الاتفاقيتين الاستراتيجيتين في قطاع الطاقة بين واشنطن وأربيل أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس أن الحكم الذاتي الكوردي يشكل «حجر الأساس» للمقاربة الأميركية تجاه العراق، مشدداً على أن واشنطن ربطت تطوير العلاقات مع بغداد بثلاثة شروط أساسية: احترام الشركات الأميركية العاملة في العراق، والحكم الذاتي الكوردي، والحد من النفوذ الإيراني.

هذه الاتفاقيات الاستراتيجية، التي وُصفت بأنها «نموذج للتعاون التجاري الاستراتيجي بين شركات الطاقة الأمريكية وحكومة إقليم كوردستان، بدعم من الحكومة الأمريكية»، تهدف إلى تعزيز خطط حكومة الإقليم التحويلية لتوفير الكهرباء وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة. سيتم تنفيذ المشروعين على مراحل، مع التركيز في البداية على تلبية احتياجات الطاقة المحلية، ودعم النمو الاقتصادي في الإقليم، قبل التوسع لتلبية الطلب المحتمل في المنطقة الأوسع.

 إقليم كوردستان في السياسة الأمريكية

في جلسة استماع بمجلس النواب الأمريكي، وصف وزير الخارجية ماركو روبيو إقليم كوردستان بـ«العنصر الحاسم في السياسة الأمريكية تجاه العراق»، محذراً من تدخلات إيران في قرارات بغداد وتأثيرها على اتفاقيات الطاقة مع كوردستان. وأشاد بالاتفاقيات مع الشركتين الأمريكيتين كنموذج لشراكة طويلة الأمد. من جهته، رأى النائب جو ويلسون أن الاتفاقيات تخدم مصالح العراق وتقلل النفوذ الإيراني في قطاع الطاقة.

لقاءات استراتيجية مع إدارة ترامب وتعزيز التعاون الأمني

تخللت زيارة بارزاني إلى واشنطن لقاءات مهمة مع مسؤولين في إدارة الرئيس دونالد ترامب، من بينهم وزير الداخلية دوغ بورغوم، الذي أكد مكانة كوردستان كشريك موثوق في المنطقة، وشدد على ضرورة توسيع التعاون الاقتصادي والاستراتيجي. كما بحث بارزاني مع وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم سبل تعزيز التعاون الأمني، وتبادل المعلومات والتدريب لمكافحة الجريمة المنظمة.

وفي مؤتمر صحفي، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس زيارة بارزاني بأنها خطوة مهمة نحو تعزيز العلاقات الثنائية، مشيدة بالاتفاقيات في قطاع الغاز الطبيعي ودورها في دعم استقلال العراق الطاقي.

حظيت زيارة مسرور بارزاني بتغطية إعلامية واسعة، وقد أكد رئيس حكومة الإقليم في لقاء مع قناة «فوكس نيوز» الأميركية أن الشراكة مع الولايات المتحدة لم تعد مقتصرة على الجانب العسكري، بل تتجه نحو بناء تعاون اقتصادي مستدام. معبراً عن تفاؤله بالاتفاقيات الأخيرة، بأنها تمهد الطريق لمرحلة جديدة من النمو الاقتصادي في الإقليم. وفي ختام زيارته، شكر بارزاني الرئيس ترامب والإدارة الأميركية، مشدداً على التزام كوردستان بمكافحة الإرهاب والعمل من أجل مستقبل اقتصادي مزدهر.

نيجيرفان بارزاني.. جولات محملة بالرسائل والملفات

بين نيسان وأيار 2025، أطلق رئيس إقليم كوردستان نيجيرفان بارزاني سلسلة جولات دبلوماسية تضمنت زيارات إلى أبو ظبي، وأنطاليا، وباريس، وعمّان، وبغداد، وطهران، واختتمها بمشاركته في منتدى السليمانية، لترسيخ موقع الإقليم كشريك فاعل في ملفات الأمن والاستقرار والتنمية. 

انطلقت الجولة من العاصمة الإماراتية أبو ظبي، حيث شارك بارزاني في «الملتقى السنوي للاستثمار»، والتقى الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وعدداً من كبار المسؤولين. وأعلن عن تعيين الإمارات مبعوثاً خاصاً للاستثمار في كوردستان، وسط تبادل تجاري بين الإمارات والعراق يُقدّر بنحو 30 مليار دولار سنوياً. واحتضن الملتقى جناحاً خاصاً لإقليم كوردستان، عكس حجم الاهتمام المتبادل بين الطرفين.

منتدى أنطاليا الدبلوماسي

في 11 نيسان، شارك نيجيرفان بارزاني في «المنتدى الدبلوماسي» الرابع في أنطاليا، حيث التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكبار المسؤولين الأتراك. تركزت المباحثات على تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة في مجال الطاقة والبنية التحتية، إلى جانب الملف الأمني المتعلق بحزب العمال الكوردستاني. فقد ناقش بارزاني مع أردوغان مبادرة السلام التي أطلقها زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان، واصفاً إياها بـ«الفرصة التاريخية»، خصوصاً بعد إعلان الحزب في 12 أيار / مايو حل نفسه واستعداده لتسليم السلاح.

من باريس إلى عَمّان

في إطار تعزيز الحضور الدولي لإقليم كوردستان، واصل نيجيرفان بارزاني جولته بزيارة رسمية إلى باريس، حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، وبحثا سبل تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى دور الإقليم في دعم الاستقرار الإقليمي. وثمّن بارزاني العلاقات القوية مع فرنسا، التي تبرز حضورها في كوردستان عبر القنصلية العامة، والمؤسسات التعليمية والثقافية، ومشروع «متنزه البيشمركة» الذي ستفتتحه باريس قريباً كرمز للتعاون الوثيق. كما جدد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل باور التزام بلاده بشراكة طويلة الأمد مع كوردستان خلال زيارته إلى أربيل.

وكانت العاصمة الأردنية عمّان محطة أساسية في الجولة الدبلوماسية لرئيس الإقليم، حيث التقى بارزاني الملك عبد الله الثاني، وأكدا حرصهما على تعزيز العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية، خصوصاً منذ افتتاح الأردن قنصليتها في الإقليم عام 2011، ما أسهم في توسعة التعاون في التعليم والسياحة والتجارة.

وضمن مسار تعزيز الحضور الإقليمي، شارك رئيس الإقليم في القمة العربية الرابعة والثلاثين التي استضافتها بغداد، والتقى خلالها رئيس الوزراء العراقي وعدداً من القادة العرب، مؤكداً التزام كوردستان بالحضور الفاعل في الفضاء العربي، وضرورة تنسيق المواقف بين أربيل وبغداد بما يخدم مصلحة العراق الموحد.

منتدى الحوار الإقليمي

ضمن جولته الدبلوماسية الإقليمية، زار رئيس إقليم كوردستان العاصمة الإيرانية طهران في 18 أيار، حيث شارك في «منتدى الحوار الإقليمي» مشدداً على عمق العلاقات التاريخية بين كوردستان وإيران. وأشار إلى أن 60% من التبادل التجاري بين إيران والعراق يمر عبر الإقليم، مما يعكس دوره الاقتصادي الحيوي.

وشدد نيجيرفان بارزاني على التزام كوردستان بتنفيذ الاتفاق الأمني الموقع مع بغداد في آذار 2023، المتعلق بإبعاد الجماعات المسلحة الكوردية الإيرانية عن الحدود. وشهدت الزيارة لقاءً مع الرئيس الإيراني مسعود بزيشكيان، بحث فيه الطرفان سبل تخفيف التوترات الإقليمية بالحوار، وأكد بارزاني أن الحل الوحيد للمشكلات بين أربيل وبغداد يكمن في تطبيق الدستور العراقي بشكل سليم.

واختتم رئيس الإقليم الجولة بحضوره منتدى السليمانية، مؤكداً في كلمة له «أن كوردستان تسعى لأن تكون جسراً للحوار والوسائل السلمية لتعزيز الاستقرار في المنطقة».




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved