مدير مركز القاهرة للدراسات الكوردية: 5 ملايين كوردي في مصر
مدير مركز القاهرة للدراسات الكوردية: 5 ملايين كوردي في مصر

بعد السابع من أكتوبر 2023، يشهد العالم، وخاصة الشرق الأوسط، تغيّرات متسارعة، وسط حديث عن رسم خارطة جديدة للمنطقة.

وفي هذا السياق، يبرز دور الكورد وحقوقهم في الدول التي وُزّعوا عليها بفعل اتفاقية «سايكس بيكو» قبل أكثر من قرن. ورغم أن عددهم يتجاوز 50 مليون نسمة، لا يزال الكورد يسعون لنيل حقوقهم. وفي هذا الإطار، يتحدث مدير مركز القاهرة للدراسات الكوردية السيد عبد الفتاح علي عن أوضاع الكورد في العراق وسوريا، ثم تركيا وإيران في حوار جاء فيه:

الفيدرالية الخيار الأنسب للكورد في سوريا

«كوردستان بالعربي»: بعد تغيير نظام الأسد، ما هي رؤيتكم لمصير الكورد في سوريا؟

عبد الفتاح علي: فيما يتعلق بوضع الكورد في سوريا، فإن هذا مرتبط بالواقع والحاضر والمستقبل للكورد في المنطقة. نحن نعيش مرحلة نهوض الكورد والسعي لتحقيق حقوقهم المتأخرة.

أتوقع أن يكون وضع الكورد في سوريا مشابهاً لنظام فيدرالي، نظراً لما يمتلكونه من قوة عسكرية واقتصادية، بالإضافة إلى خبرتهم في إدارة المناطق التي يعيشون فيها. ومن المهم الإشارة إلى أن الكورد لم يستحوذوا على هذه التجربة وحدهم، بل إن جميع مكونات المنطقة تشارك في الإدارة والحكم. ويعتبر إقليم كوردستان نموذجاً يحتذى به، حيث تمثل جميع المكونات في مؤسسات الدولة.

لذلك، أتوقع مستقبلاً مشرقاً للكورد في سوريا، وقد يكون وضعهم أفضل مما كان عليه في بداية وضع الكورد في العراق.

«كوردستان بالعربي»: كيف تجد تمثيل الكورد في الحكومة السورية المؤقتة؟

عبد الفتاح علي: إن النظام الجديد في سوريا لا يريد الاعتراف بالمكونات، ويمرر الفترة الزمنية محاولاً إبداء مواقف يظهر فيها أنه أكثر مرونة. لكن ذلك لا يخفي موقفهم الأساسي في رفض الكورد والقوميات الأخرى. فإن لديهم رغبة قوية في الاستحواذ، وهذه من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها النظام الجديد في سوريا. واللافت أن الكورد في سوريا يعبرون عن مواقفهم الصريحة مباشرة من دون مواراة أو تأجيل. صحيح أن هناك وزيراً كوردياً في الحكومة، لكن المقصود أن يكون من شمال وشرق سوريا ويكون التمثيل الكوردي أكبر. وبرأيي أن القوات العسكرية لدى قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والكورد ستمثل تحدياً كبيراً، خاصة مع إصرار الكورد على مواقفهم وهنالك مخاوف من النظام الجديد حيال هذه القوة.

«كوردستان بالعربي»: ما الشكل الأنسب للحكم في سوريا؟

عبد الفتاح علي: ينبغي أن يستوعب النظام الجميع، وألا يُقصي أي مكون، حتى لو كانت نسبة أبنائه قليلة. لا بد من الاستفادة من الكفاءات.

من الواضح أن الجزء الذي يسيطر عليه الكورد في شمال وشرق سوريا يشهد قدراً من الأمن والاستقرار، وتسير الأمور فيه في الطريق السليم. كما أن لديهم خبرات، على عكس بقية المناطق التي تسود فيها الفوضى وانعدام الاستقرار.

لذا، يجب على حكومة أحمد الشرع أن تستفيد من الخبرات الكوردية في بناء دولة سورية جديدة. ولكن يبدو أن النظام الجديد يعتقد أن لديه سنداً إقليمياً كفيلاً بدعمه وفرض بعض أفكاره ومواقفه.

حسب اعتقادي، فإن الفيدرالية الجغرافية هي الأنسب للنظام الجديد في سوريا، بما يضمن تمثيل جميع مكوناته وقومياته. 

وينطبق الأمر ذاته على إقليم كوردستان، حيث يعيش فيه الكورد والعرب والتركمان والمسيحيون وأتباع الديانات الأخرى؛ وبهذا تكون الهوية جامعة (كوردستانية) تُنبذ بذور الخلافات التي قد تؤدي إلى انهيار الدولة السورية.

لقد احتوى الكورد في شمال وشرق سوريا الآخرين ودافعوا عنهم. أما الفيدرالية القائمة على القوميات، فإننا نرى أنها قد تؤدي إلى تقسيم البلاد بشكل خطير، إذ توجد مناطق ذات أغلبية درزية، وأخرى ذات أغلبية علوية، وأخرى بتركيبة مختلفة، ما يعني بقاء نار الخلاف مشتعلة باستمرار في البلاد.

القضية الكوردية تُدخل أردوغان التاريخ

«كوردستان بالعربي»: كيف تقرأ مبادرة عبد الله أوجلان للسلام وإلقاء السلاح؟

عبد الفتاح علي: هذه ليست المبادرة الكوردية الأولى للسلام. المشكلة تكمن في موقف الدولة التركية تجاه الكورد.

لكنني أعتقد أن المبادرة الأخيرة والمواقف الميدانية والسياسية لحزب العمال الكوردستاني كانت إيجابية جداً. أنا شخصياً كنت متخوفاً من أن تكون هذه الخطوة مجرد خدعة من تركيا لشق الصف الكوردي، بحيث يكون لأوجلان موقف، ولحزب العمال موقف آخر مغاير. لكنني وجدت أن هناك تفهماً وتأييداً لموقف أوجلان داخل الحزب.

الآن الكرة في ملعب الأتراك: هل أردوغان والقوى المساندة له مستعدون لاتخاذ هذه الخطوة الجبارة، والاستفادة من جميع المكونات، والعمل على صهر الفوارق داخل الدولة؟

المهم أن تدرك تركيا أن بقاءها واستقرارها واستمرارها يتطلب أن يكون للكورد، وباقي المكونات، دور حقيقي فيها. وهذه رسالة موجهة لكل الدول التي يعيش فيها الكورد، لأن خريطة جديدة للشرق الأوسط يتم رسمها الآن، وإذا أرادت أي دولة أن تحافظ على استقرارها، فلا بد أن تشرك الجميع وتضمن دوراً فعالاً لكل المكونات.

الكورد لن يكونوا أعداءً للعرب

«كوردستان بالعربي»: بعد مرور 23 عاماً على اعتماد الدستور العراقي، لا يزال الكورد يطالبون بحقوقهم المشروعة المنصوص عليها فيه. كيف تقيّم هذا الواقع؟

عبد الفتاح علي: كتابة الدستور منحت الكورد جانباً كبيراً من حقوقهم، لكن الأمر لا ينبغي أن يقتصر على نصوص غير مطبقة. فالدستور لا يبرر قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان، ولا يبرر افتعال الأزمات بين الحين والآخر، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة، كما حدث في أحداث أكتوبر في كركوك عام 2017.

هناك ممارسات ضد الكورد في بعض المناطق لمجرد أنهم كورد، وتتم هذه الممارسات بإيعاز من بعض الأطراف داخل الحكومة العراقية. لذا، فإن تنفيذ الدستور العراقي بحذافيره سيضمن للكورد الأمن والاستقرار.

الكورد حريصون على البقاء ضمن الدولة العراقية، لكن هذا لا يمنع أن تكون لهم تطلعاتهم ورغبتهم في نيل حقوقهم. وهذا كان المبرر الأساسي لإجراء الاستفتاء. فالوحدة لا يمكن أن تكون قسرية؛ لقد رأينا تجارب في أوروبا لدول مصطنعة انفصلت لاحقاً، مثل تشيكوسلوفاكيا.

وجود دولة كوردية سيكون إضافة، سواء للعراق أو تركيا أو إيران أو سوريا، بل وحتى للمنطقة ككل. الدولة الكوردية لن تكون عدواً أو خصماً للعرب أو للدول العربية.

«كوردستان بالعربي»: كيف تقيم العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان؟

عبد الفتاح علي: أعتقد أن رئيس الوزراء الحالي أكثر إيجابية، ويدير الأمور بشكل أفضل من رؤساء الحكومات السابقين. لكن السؤال هو: هل سيتمكن من تحقيق أهدافه، أم أنه سيُواجه بالضعف نتيجة الضغوط من التيارات المشاركة معه في الحكومة؟

عموماً، هناك صدق واضح في العلاقة بين الإقليم والمركز. وأنا أؤيد أن يتولى ولاية ثانية، والكورد يدعمونه لأنه يقف إلى جانبهم، ومواقفه إيجابية، كما أنه ضد الفساد. وأرى أن من مصلحة الكورد دعمه في حال قرر المشاركة في الانتخابات القادمة.

على إيران إعطاء الكورد حقوقهم

«كوردستان بالعربي»: في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة، ما هو واجب إيران تجاه الكورد حالياً؟

عبد الفتاح علي: الكورد في إيران يُعدّون من أكثر الأطراف الكوردية بؤساً، نظراً لما يعانونه من قمع وإقصاء شديدين يمارسهما النظام الإيراني العنيف. 

ومع تطور الأحداث، وبلوغ إيران حافة الحرب، فإن النظام الإيراني، إن لم يكن حكيماً بما فيه الكفاية، ولم يمنح الكورد حقوقهم، فقد يفتح الباب أمام تدخل قوى دولية تدعم الكورد في سعيهم لنيل تلك الحقوق.

الكورد في إيران يتلقون دعماً معنوياً من أشقائهم الكورد في العراق وسوريا، إلا أن الأحزاب الكوردية في إيران تعاني من التشتت والانقسام، إذ يميل بعضها إلى أربيل، وآخرون إلى السليمانية، وقسم ثالث إلى قنديل. لذلك، من الضروري أن يتوحدوا وأن يكون لهم موقف موحد.

الكورد صناع النهضة في العراق

«كوردستان بالعربي»: كيف وجدت إقليم كوردستان خلال حضورك في معرض أربيل الدولي للكتاب؟

 عبد الفتاح علي: علاقتي بالكورد والقضية الكوردية بدأت في عامي 1999 و2000، وظلت مستمرة منذ ذلك الحين، وتعددت زياراتي إلى كوردستان منذ عام 2004. وفي كل زيارة لي إلى إقليم كوردستان، ألاحظ تطوراً متصاعداً في مجالات الخدمات والعمران والتطور الاقتصادي، بالإضافة إلى التنمية السياحية والصناعية والزراعية.

في السابق، كان الاعتماد على الاستيراد كبيراً جداً، أما الآن فأصبحت أرى منتجات مكتوباً عليها «صُنع في كوردستان»، وهذا ما يسعدني كثيراً.

لقد صنع الكورد نهضة لافتة في العراق، لا سيما من حيث البنية التحتية، والتنمية الصناعية والزراعية التي شهدت تطوراً ملحوظاً. أما من الناحية السياسية والدبلوماسية، فإن الكورد في العراق يحققون تقدماً واضحاً.

استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لرئيس الإقليم السيد نيجيرفان بارزاني يحمل دلالات كبيرة، حيث كان من المفترض من الناحية البروتوكولية أن يُستقبل من قبل شخصية أو مسؤول آخر. وكذلك، حصل التقدير نفسه مؤخراً مع السيد مسرور بارزاني في زيارته إلى دولة الإمارات العربية المتحدة.

أنا شخصياً، كمصري، شعرت بنوع من الغيرة الإيجابية؛ إذ كان من الضروري أن تحظى مصر بالاهتمام ذاته، لكونها دولة كبيرة ولها علاقات تاريخية وودية مع الكورد. فقد عبّر الزعيمان الكورديان، جلال طالباني ومسعود بارزاني، عن رغبتهما الصريحة في تعزيز العلاقات مع مصر، لكن القاهرة تأخرت في التجاوب، رغم مطالباتنا المتكررة.

أتمنى في الفترة المقبلة أن تشهد العلاقات تطوراً أكبر، وأن يزور السيد نيجيرفان بارزاني والسيد مسرور بارزاني مصر، لأن الرئيس عبد الفتاح السيسي سيولي هذه الزيارات اهتماماً كبيراً، وهو معروف بمواقفه الإيجابية تجاه الكورد. فقد كان له موقف مشرف مع السيدة نادية مراد، كما أن مصر مستعدة دائماً لمدّ يد التعاون للطرف الآخر.

لذلك، أتمنى أن يتم تطوير العلاقات بين الكورد ومصر بشكل يخدم مصالح الجانبين، مع التركيز على مختلف الجوانب: السياسية، والدبلوماسية، والفنية، والثقافية، وغيرها من المجالات الحيوية.

5 ملايين كوردي في مصر

«كوردستان بالعربي»: ما هو دور الكورد في مصر؟

عبد الفتاح علي: الكورد في مصر هم مصريون من أصول كوردية، وهناك تقديرات تشير إلى أن أعدادهم تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة ملايين شخص. نظراً لأنهم ينتمون إلى أجيال متعاقبة لم تكن لديهم معرفة واسعة أو اطلاع على أصولهم الكوردية، فقد أصبحوا مصريين حتى النخاع. لكن مع مرور الوقت، ومع بعض المحاولات من قبل الإخوة الكورد في مصر لزيارة الكورد والتواصل معهم، تبين أن هناك رغبة شديدة واعتزازاً بهويتهم الكوردية.


هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية




X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved