في زمن يتسابق فيه العالم لتقديم حلول طبية تعيد الأمل لمرضى القلب، برز اسم الدكتور آزاد نجار، الطبيب والمخترع الكوردي الذي استطاع من خلال مسيرة امتدت لأكثر من 25 عاماً أن يطوّر قلباً اصطناعياً متكاملاً، هو الأول من نوعه من حيث محاكاته الكاملة لوظائف القلب البشري الطبيعي. انطلق من زاخو، وتدرّج في مسيرته العلمية بين الموصل وبغداد وكوردستان، ثم واصل أبحاثه وابتكاراته في السويد، حيث جمع بين الطب والهندسة والذكاء الاصطناعي في مشروع غير مسبوق.
مجلة «كوردستان بالعربي» التقت الدكتور آزاد نجار، في حوار موسّع كشف خلاله عن تفاصيل رحلته الطويلة، والتحديات التي واجهها، والدوافع التي ألهمته لتكريس حياته من أجل إنقاذ مرضى فشل القلب، عبر مشروع قد يغيّر مستقبل الطب القلبي عالمياً.
بدايات الطب والاختراع
وُلد الدكتور آزاد نجار في مدينة زاخو، ودرس الطب في جامعة الموصل، ثم عمل في مستشفيات بغداد كطبيب مقيم لمدة عامين، قبل أن يعود إلى كوردستان ويواصل عمله الطبي هناك. في عام 1995، قرر الانتقال إلى السويد، حيث بدأت رحلة جديدة مليئة بالابتكار، جعلته يتدرج من طبيب إلى جراح متخصص ثم باحث ومخترع عالمي.
منذ صغره كان شغوفاً بالهندسة والإلكترونيات، ويقول: «حتى في الطفولة كنت أركب وأفكك وأصلح الأجهزة الكهربائية، اخترعت جهاز إنذار للسيارات وأنا في سن مبكرة». لكن اختياره دراسة الطب جاء بدافع إنساني، إذ كان لمرض أحد أقاربه تأثير كبير عليه.
يقول الدكتور آزاد: «ابن خالي كان يعاني من أربعة عيوب خلقية في القلب، وكنت أراه ينهار تدريجياً ولا يستطيع الأطباء مساعدته. كان هذا الألم محفزاً داخلياً جعلني أفكر مبكراً في ابتكار حلول لمرضى القلب».
نقطة التحول
في تشرين الثاني / نوفمبر من عام 1999، وبينما كان يشاهد برنامجاً علمياً عن مشروع أمريكي لصناعة قلب اصطناعي، شعر الدكتور آزاد بأن التقنية المستخدمة آنذاك لا تحاكي القلب الطبيعي، وكانت تلك لحظة الانطلاق، بحسب قوله.
قرر أن يصمم قلباً اصطناعياً يختلف جذرياً من حيث الفكرة والوظيفة، وقال: «كانوا يصنعون مضخات مستمرة، لكن القلب الطبيعي لا يعمل بهذه الطريقة. القلب الطبيعي ينبض وينظم كمية الدم حسب الحاجة. أردت أن أصنع شيئاً شبيهاً بما خلقه الله».
منذ تلك اللحظة، بدأ مشروع تطوير القلب الاصطناعي، الذي استغرق 25 سنة، وقاده من مختبرات الجامعات إلى ورش العمل الخاصة وحتى إلى سرداب بيته. في السنوات الأولى، لم يكن لديه أي دعم مالي، فكان يعمل بجهده الشخصي ويموّل المشروع من ماله الخاص لمدة 14 عاماً.
أولى التجارب كانت بسيطة، يقول عنها: «أحضرت بالونات ومواد بسيطة، وقمت بتركيبها لمحاكاة عمل البطينين. وضعت المضخة في حوض ماء لمراقبة سلوكها… كانت تجربة بدائية لكنها مهمة في وضع النموذج الأولي». ويضيف الدكتور آزاد: «في السويد، واجهتني صعوبات اللغة، وعدم انتمائي الأكاديمي للمؤسسة التي كنت أبحث فيها، وكنت بحاجة لإثبات الفكرة علمياً في مجتمع علمي صارم».
لكن الإصرار لم يفارقه، فإلى جانب عمله كجراح متخصص في المجاري البولية في أحد أكبر مستشفيات السويد، تابع تطوير المشروع العلمي والبحثي في الدورة الدموية، لتقديم منتج يحاكي نظام القلب الكامل، لا مجرد مضخة دم.
يشدد الدكتور آزاد على أن ما يميز مشروعه عن بقية القلوب الاصطناعية هو كونه «قلباً كاملاً» وليس مجرد «مضخة مساعدة». فبينما تعتمد الأجهزة الموجودة مثل HeartMate 3 على دعم وظيفة القلب الطبيعي من دون استئصاله، فإن قلبه الاصطناعي يستبدل العضو بالكامل. ويضيف: «يتكون القلب الذي صممته من بطينين وأذينين ومجموعة حساسات، تعمل بتناغم لمحاكاة النبض الطبيعي، وتنظم ضخ الدم حسب الحاجة الأيضية للمريض. يمكنه تعديل عدد النبضات، وكمية الدم في كل نبضة».
كما يتميز القلب بخفة وزنه، وصغر حجمه، وعدم تسببه بمضاعفات كالجلطات. وقد أُجريت عليه أكثر من 45 تجربة ناجحة على الحيوانات حتى الآن.
دموع النجاح الأول
يروي الدكتور آزاد واحدة من أكثر اللحظات تأثيراً في مسيرته، وهي التجربة الأولى لزراعة القلب الاصطناعي في السويد على حيوان تجارب: «طبيب التخدير خلال العملية قال لي.. لا أظن أن الحيوان سيتحمل، فقد كانت حالته متدهورة. قمنا بزراعة القلب في أربع دقائق، وبدأنا المتابعة، حتى عادت المؤشرات الحيوية، تحسّن التنفس، استقرت نسبة الأوكسجين. لم أتمالك نفسي، بكيت من الفرح. كانت لحظة مفصلية في حياتي».
شروط الزراعة ونقص المتبرعين
يتحدث الدكتور آزاد عن معايير اختيار المرضى لزراعة القلب الاصطناعي، ويوضح أن العملية مخصصة لمن يعانون من فشل قلبي نهائي لا يمكن علاجه، ويجب ألا تكون لديهم أمراض أخرى مثل السرطان أو الفشل الكلوي، وأعمارهم فوق 14 عاماً.
ويقول: «هناك نقص حاد في عدد المتبرعين بالقلب، فبين كل 100 مريض يحتاج إلى قلب، لا ينجو سوى 3 فقط. لهذا نحن بحاجة إلى قلوب اصطناعية كاملة تكون بديلاً فعالاً في حالات العجز التام».
العودة إلى كوردستان
عاد الدكتور آزاد إلى كوردستان قبل عامين وأسّس، بدعم من رئيس حكومة الإقليم السيد مسرور بارزاني، «مؤسسة كوردستان للابتكارات والاختراعات» التي يتولى منصب المدير التنفيذي لها، والتي تُعنى بتعليم الأجيال الجديدة أسس الابتكار والاختراع، وتوفير بيئة علمية محفزة لتحويل الأفكار إلى مشاريع واقعية. كما يشرف شخصياً على تدريب فرق مختصة ويعمل على ربط التعليم العالي بسوق العمل والابتكار. ويقول: «أريد أن أزرع ثقافة الاختراع في كوردستان، وأن أُخرج المخترع من العزلة إلى فضاء الإنتاج والدعم العلمي».
يعمل الدكتور آزاد حالياً مع مركز القلب في أربيل لتطوير التعاون العلمي، ويُخطط مستقبلاً لتجهيز فريق طبي قادر على إجراء عمليات زراعة القلب الاصطناعي في كوردستان، بمجرد إجازته للاستخدام البشري. كما يعمل مع فريقه داخل المؤسسة على تطوير أجهزة طبية بسيطة، من المقرر أن تُعرض على المؤسسات الصحية خلال عام أو عامين.
لم يكن النجاح فردياً، كما يقول الدكتور آزاد، بل كان محاطاً بدعم من أشقائه وأصدقائه وزملائه. ويخص بالذكر شقيقه بلند نجار، وأخاه إبراهيم، والبروفيسور السويدي الراحل يوران هلش، الذي قال له ذات مرة: «أنا واثق من أنك ستنجح. لا تتوقف»، والذي حين توفي بفايروس كورونا «شعرت بأني فقدت ركيزة مهمة في حياتي»
وفي ختام حديثه مع «كوردستان بالعربي»، يؤكد الدكتور آزاد أن مشروعه لم يكن بدافع الشهرة أو الربح، بل هو رسالة إنسانية. ويقول: «أعتبر كل مريض شُفي ونجا من الموت جائزة نوبل حقيقية».
ويختتم بابتسامة واثقة: «أعظم إنجاز في حياتي ليس القلب الاصطناعي فقط، بل مساهمتي في علاج مرضى سرطان المجاري البولية خلال عملي الطويل في السويد».
يواصل الدكتور آزاد اليوم جهوده بين المؤتمرات العلمية العالمية والجهات الداعمة، متأملاً أن تكون السنة القادمة نقطة الانطلاق لتجربة القلب على الإنسان، ليمنح الأمل لآلاف المرضى الذين ينتظرون الحياة، وهو اليوم أقرب من أي وقت مضى لتحقيق حلمه بزراعة قلبه الاصطناعي في جسم أول مريض. حلم، لو تحقق، سيُسجّل باسم كوردي من زاخو، قدّم للعالم قلباً جديداً».
إيمان أسعد: صحفية وناشطة كوردية عملت في العديد من المنظمات والمؤسسات الإعلامية المحلية والدولية