قرية بيرسفي التابعة لقضاء زاخو مركز رئيسي في إقليم كوردستان لإنتاج ألبسة الـ«شل وشبك» التراثية الكوردية التي تعود صناعته لآلاف السنين ومازال يحتفظ بجذب الزبائن من إقليم كوردستان والأجزاء الأخرى لكوردستان في تركيا وإيران وسوريا.
يعمل في هذه القرية أكثر من 40 عائلة في حرفة صناعة الـ«شل وشبك»، ويشارك الرجال والنساء معاً لإنجاز قطع قماش هذا الزيّ التقليدي الذي يُنتج يدوياً ويمر بسلسلة مراحل تتطلب المهارة والدقة.
يُصنع قماش زي الـ«شل وشبك» من شعر الماعز الأبيض الذي يُسمى بالكوردية (cheer) ويعيش في المناطق السهلية، ويتميز بكثافة وطول شعره.
بعد تجهيز الكمية المطلوبة لشعر الماعز، تقوم النساء بتنظيفها وفرزها وتلوينها، وبعدها تأتي عملية العزل اليدوي التي تقضي النساء والفتيات فيها أياماً وليالي لتحويل شعر الماعز بأناملهن الرقيقة إلى خيوط رفيعة. ومن ثم يأتي دور الرجال لإكمال العمل في توضيب وتصفيف الخيوط وتحديد التصاميم وبدء عملية الحياكة بواسطة آلة يدوية ليصنعوا من تلك الخيوط الرقيقة والملونة قطعاً مميّزة من قماش الـ«شل وشبك».
وتُضاف خلال عملية النسج والحياكة مادة الـ«سورياز» لتقوية وتماسك النسيج، وهذه المادة نبتة طبيعية يجلبونها من الجبال ويصنعون منها مادة صمغية بعد تجفيفها وطحنها وعجنها لتسهم في تماسك النسيج لصنع قطعة قماش بطول 12 متراً وعرض 30 سنتمتراً، وتستغرق عملية إنجاز القطعة الواحدة من قماش الـ«شل وشبك» نحو 30 يوماً.
في منزله الصغير بقرية بيرسفي، كان ألبرت خوشابا يعمل على توضيب عدد من قطع أقمشة الـ«شل وشبك» التي أنجزها مؤخراً استعداداً لبيعها لأحد التجار. وتدب منزل ألبرت بالحركة على مدى ساعات النهار، فشقيقه الأكبر كان يدير آلة الحياكة اليدوية التي يصدر منها صليل بإيقاع منتظم خلال نسج خيوط القماش. وفي الركن الآخر كانت أنامل النساء تدوّر مغازل يدوية لصنع خيوط ملونة رفيعة وناعمة من شعر الماعز إلى جانب تدبير أمور المنزل والاهتمام بأطفالهن، فيما عدد من شبان العائلة منهمكون بتوضيب الخيوط استعداداً لحياكة قماش رقيق فاخر يلمع منه خطوط جوهرية.
ورث ألبرت مهنة حياكة الـ«شل وشبك» من عائلته التي تعمل في هذه الحرفة منذ أكثر من مئة عام، وهو يفتخر بمواصلة هذه المهنة ويعمل بجد في صنعته حفاظاً على حرفة آبائه. ويصنع ألبرت أغلب قطع الأقمشة بناء على طلب الزبائن والتجار الذين يأتون إليه من مختلف مناطق إقليم كوردستان وأجزاء كوردستان تركيا وسوريا وإيران.
- وكم هو سعر القطعة الواحدة؟ سألناه في «كوردستان بالعربي»، فأجاب:
«يتراوح سعر قطعة القماش الواحدة ما بين 500 إلى 1300 دولار، وقد يتجاوز سعر بعض القطع هذا المبلغ، وذلك بحسب جودة المنتوج».
ويعتبرالـ«شل وشبك» زياً تقليدياً وجزءاً من الهوية الثقافية والتراثية الكوردستانية ومازال يحتفظ بجاذبيته. وله عدة أنواع منها «كراني، وبشتبز، وخزالي، وباداي بكربك، وبنفشي.. وغيرها».
تعمل إدارة زاخو المستقلة بجد في الاهتمام بالألبسة الكوردية خصوصاً الـ«شل وشبك» من خلال مهرجان سنوي تقيمه الإدارة بهدف التعريف بالألبسة الكوردية والترويج لها، فضلاً عن إقامة فعاليات ثقافية وفنية بمشاركة محترفي صناعة ألبسة الـ«شل وشبك»، وتجارها وشخصيات ثقافية وأكاديمية من مختلف مناطق كوردستان والعراق.
ويعود اهتمام الكورد بأزيائهم إلى عصور قديمة، فقد ذكرت مصادر تاريخية قبل 1300 سنة، أن الكورد كانوا متميّزين بلبساهم الفخم من بين شعوب المنطقة التي يعيشون فيها. وتقول الباحثة المختصة في مجال تصميم الألبسة الكوردية سنبل شجاعي في حديث لـ«كوردستان بالعربي» إن الأزياء الكوردية، سواء الرجالية أو النسائية، غنية بأنواعها وتصاميمها. وقد اهتم الكورد منذ القدم بأزيائهم، وتراكم هذا الاهتمام ليسهم في ارتقاء فن تصميم الألبسة وصناعتها عبر آلاف السنين لتجعل من الأزياء الكوردية التقليدية تحفة متميزة بالجمال والرقي.
بختيار هورامي، أحد التجار المعروفين لألبسة الـ«شل وشبك» في محافظة السليمانية، يقول لـ«كوردستان بالعربي» إن «قماش الـ«شل وشبك» المصنوع في زاخو يتميّز بجودة عالية وألوان جذابة ويوجد إقبال على شرائه من مختلف الشرائح، كما إن العديد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية تقدم قطعاً من هذا القماش هدايا للوفود والضيوف الأجانب».
ورغم تحديات الحياة العصرية وانتشار موضة الألبسة الحديثة، ما زال اللباس التقليدي الـ«شل وشبك» يجذب الشباب الكوردي، خصوصاً في مواسم الاحتفالات والأعياد والمناسبات الوطنية والاجتماعية. ويوضح دلشاد موسى في حديث لـ«كوردستان بالعربي، أن لديه عدة قطع من الـ«شل وشبك» ويفتخر بارتداء هذا الزيّ «باعتباره جزءاً من هويتي».
رشيد صوفي: صحفي كوردي عمل في الصحافة المحلية والعربية والدولية