كوردستان على خارطة الحدائق الجيولوجية العالمية
كوردستان على خارطة الحدائق الجيولوجية العالمية

ضمت اليونيسكو نهاية نيسان / أبريل الماضي، 16 حديقة جيولوجية لشبكتها العالمية المعنية (الشبكة العالمية للحدائق الجيولوجية Global Geoparks Network)، ليرتفع بذلك العدد الإجمالي لتلك الحدائق إلى 229 موزعة على 50 بلداً. 

وهل توجد في إقليم كوردستان حديقة جيولوجية (Geoparks)؟ وهل يستحق الإقليم أن يكون ضمن الشبكة العالمية التي تحتضنها المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) لتلك الحدائق؟ وقبل هذا وذاك ما هي الحديقة الجيولوجية؟

ما هي الحدائق الجيولوجية؟

وللتعريف بتلك الحدائق، قال عالم الجيولوجيا الكوردي البروفيسور د. فاضل لاوه، إن مجلس اليونيسكوUNESCO Global Geoparks ‏ «يعتمد مناطق جغرافية محددة ذات أهمية جيولوجية وفق مفهوم شامل للحماية والتثقيف والتنمية المستدامة»، مشيراً إلى أن تلك الحدائق «تتميز باحتوائها على تراث جيولوجي يشمل التكوينات الصخرية الفريدة والفوهات البركانية والكهوف والجبال والوديان والفوالق وغيرها، فضلاً عن مناظر خلابة وتنوع بيولوجي وبيئي وثقافي كبير ليتم الحفاظ على طبيعتها وتنميتها وإنعاشها سياحياً».

البروفيسور د. فاضل لاوه

 

وأضاف العالم الكوردي أن الحدائق الجيولوجية العالمية لليونيسكو «أصبحت في غضون عشرة أعوام فقط نموذجاً يُحتذى به في مجال صيانة التراث الجيولوجي ودعم المشاريع التعليمية وتعزيز السياحة المستدامة وحماية تقاليد مناطقها من خلال إشراك المجتمعات المحلية والسكان الأصليين بصورة فعالة»، مبيناً أن العراق عامة وإقليم كوردستان بشكل خاص «يتميزان بتنوع جيولوجي كبير وتراث حضاري متميز ومناطق خلابة يمكن أن تضم لشبكة اليونيسكو الخاصة بالحدائق الجيولوجية». وأوضح أنه «يعمل منذ قرابة عشرة أشهر بالتنسيق مع الجهات المعنية في الحكومتين الاتحادية والكوردستانية واليونيسكو على ترشيح مناطق في الإقليم لتكون ضمن خارطة الحدائق الجيولوجية العالمية المعترف بها من قبل اليونيسكو»، منوهاً إلى أن هنالك «22 موقعاً كوردستانياً تصلح للدخول في برنامج اليونيسكو موزعة على محافظات أربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة».

إنعاش السياحة الجيولوجية

وذكر لاوه، أن السياحة الجيولوجية هي «سياحة قائمة على المعرفة والتكامل بين مختلف التخصصات مع الحفاظ على المعالم الطبيعية وتفسيرها والنظر في القضايا الثقافية ذات الصلة ضمن المواقع الجغرافية للجمهور العام والحفاظ على تنوعها»، لافتاً إلى أنه «يعمل حالياً ضمن فريق عمل متكامل من جامعة السليمانية وإدارة المحافظة على إعداد ملف متكامل لترشيح حديقة جيولوجية في قضاء شارباژير بمحافظة السليمانية للانضمام لشبكة اليونيسكو المعنية بالموضوع».

وبشأن أهمية وجود حدائق جيولوجية في إقليم كوردستان، قال العالم الكوردي، إنها «تتلخص في عدة نقاط أهمها أن وجود حديقة جيولوجية معترف بها عالمياً يسهم في حماية التراث الجيولوجي والبيئي والثقافي ويجذب الاستثمار ويعزز الاقتصاد المحلي ويوفر فرص عمل جديدة للشباب وأهالي المنطقة وتعزيز المجتمعات المحلية وتحسين نوعية الحياة فيها»، مؤكداً أن الاعتراف العالمي بأي منطقة كحديقة جيولوجية «يرفع من مكانة المنطقة المعنية ويعزز التعاون الدولي التنوع الجغرافي في كوردستان».

وتابع لاوه، صاحب الخبرة التي تصل إلى 45 عاماً في جيولوجيا العراق وكوردستان، أن إقليم كوردستان «يتميز بكونه متحفاً للتاريخ الطبيعي للعالم أجمع»، مؤكداً أن الإقليم «يضم تنوعاً جيولوجياً كبيراً في أنواع الصخور والمعادن والخصائص الجيومرفولوجية (علم دراسة شكل الأرض) ومحتوى الحفريات من حوالي 500 مليون سنة، بما في ذلك التاريخ الكامل للأحداث الجيولوجية من بداية الحياة على الأرض إلى الوقت الحاضر».

مختبر عالمي للدراسات الجيولوجية

وبشأن أسباب التركيز على منطقة شارباژير، أورد العالم الكوردي، أن ذلك «يعود إلى جملة أسباب منها وجود ظواهر جيولوجية فريدة ومتميزة ومثيرة تقع ضمن التراث الجيولوجي العالمي حيث تضم عدة أنواع من المعادن والصخور النارية والمتحولة والرسوبية، كما تتميز بوجود صخور لمجموعة الافويولايت (عبارة عن تتابع أجزاء من القشرة المحيطية التي تكوّن حوالي 65% من القشرة الأرضية وهي قيعان المحيطات، كما أن معرفة كيفية تكوّنه وتموضعه تعطي دلالات مهمة عن تطور القشرة الأرضية) الناتجة عن تصادم الصفيحة العربية والصفيحة الأوراسية وهي صخور ظهرت على سطح الأرض بعد رحله شاقة وطويلة تزيد عن 15 كلم من باطن الأرض»، مشيراً إلى أنها «تحتوي أيضاً على معادن فلزية ولافلزية نفيسة عالية القيمة وأحجار كريمة وأنواع من المعادن النادرة التي تدخل في عدة صناعات استراتيجية».

وقال لاوه، إن الافويولايت «يوجد في سلطنة عمان والعراق وإقليم كوردستان وتحديداً في السليمانية منطقة شارباژير چوارتا – ماوت وپنجوين وقلعه دزهك وفى أجزاء من محافظة أربيل»، وواصل الباحث في حديثه أن السجل الجيولوجي لمنطقة شاربازير «يتضمن أكثر من 30 % من تاريخ أحداث الأرض محفوظاً في صخوره وطبقاته التي تمتد إلى العصر الجوراسى أي قبل 180 مليون عاماً كما أثبتت الدراسات الأكاديمية لباحثين من جامعة السليمانية وغيرها، وكذلك من قبل الرحالة الجيولوجيين من القرن الماضي أمثال بولت ووادينكتن ما يجعل من تلك المنطقة مختبراً عالمياً للدراسات الجيولوجية».

وأضاف، أن المنطقة «تزخر بمصادر الثروات الطبيعة كالمياه السطحية والجوفية ومصادر الطاقة والمعادن النادرة والمواد الخام للصناعات الاستخراجية ما يسهم في تنميتها وتطورها لاسيما أنها قريبة من مركز محافظة السليمانية»، لافتاً إلى أن المنطقة «تشرح تاريخ تشكل جبال كوردستان بنحو تفصيلي وبسيط للغاية وكذلك تاريخ تطور الصفيحة العربية والأوراسية كما زمن الزلازل والبراكين الذي يمكن رؤيته بنحو جميل جداً على السطح فضلاً عن العديد من أنواع المتحجرات مثل الأمونايت والرودست والفتوزيا والكاسترو بودا وغيرها من الأجناس المشخصة عالمياً لأول مرة مثل الفورامنفيرا الكبيرة (نوع من الخلايا الأولية ظهرت أول مرة منذ نحو 530 مليون سنة على الأرض في مناطق مائية)».

ومضى البروفيسور فاضل لاوه قائلاً، إن هنالك «العديد من الكهوف التي سجلت كمواقع مهمة للسياحة الجيولوجية في المنطقة المقترحة، وقد تم تسجيل العديد من الظواهر الجيولوجية المهمة فيها مثل تأثير الأنهار والظواهر الجيولوجية المرتبطة بها والزلازل وانهيارات الجبال في المنطقة المقترحة»، مستطرداً أن هناك «عدة تغيرات رئيسية ومثيرة للاهتمام في أنواع التربة في تلك المنطقة، تتراوح من الجبال العالية (قمم مثل كوري كازهاو، وباري سوران، وكيجل بير غمو) إلى المناطق المسطحة والسهول ما يؤهلها لتكون حديقة جيولوجية عالمية». 

ومن المزايا الأخرى لمنطقة شارباژير، والكلام للعالم الكوردي، كونها «تتمتع بتنوع بيولوجي كبير حيث تم تصنيف أكثر من 700 نوع من النباتات أو الأعشاب فيها، بعضها من أنواع نادرة يمكن استثمارها في الصناعات الدوائية. كما تتميز المنطقة بوجود أنواع نادرة من القطط الوحشية والنسور والزواحف والأسماك والثديات»، منوهاً إلى أن باحثي جامعة السليمانية وجامعات أخرى «أجروا وما يزالون عدة دراسات لتحديد مناطق كوردستانية تصلح لتكون حدائق جيولوجية عالمية أو محميات طبيعية».

وأوضح لاوه، أن شارباژير «تتمتع أيضاً بأهمية ثقافية وتاريخية كونها تمثل مرحلة مهمة من تاريخ تأسيس مدينه السليمانية على يد أمراء الأسرة البابانية، حيث انتقلت من قلا چولان (أي قلعة اللوز) إلى موقعها الحالي»، لافتاً إلى أن المنطقة «تصلح للرياضات المائية والجبلية والدراجات والخيول والمظلات كما تضم عدة مواقع سياحية وأثرية وفيها شبكة من الطرق التي يصل بعضها إلى قمم الجبال وأن فيها منتجات فولكلورية متميزة».

واختتم العالم الكوردي حديثه بالقول إن اللجنة المشكلة في جامعة السليمانية وإدارة المحافظة «تعمل حالياً لتأمين الدعم المالي لهذا المشروع الوطني المهم جداً بالتنسيق مع مختلف الجهات المعنية لوضع كوردستان والعراق على خارطة اليونيسكو للتراث الجيولوجي العالمي»، داعياً الجهات الكوردستانية المعنية إلى «تكثيف جهودها لتأهيل باقي المناطق التي يمكن أن تتحول إلى حدائق جيولوجية وفق المعايير العالمية تمهيداً لضمها إلى شبكة اليونيسكو المعنية، لما لذلك من مزايا جمة للإقليم». 


باسل الخطيب: صحفي عراقي


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved