صاحب أشهر صورة للصدر: كان مدافعاً عن حقوق الكورد ونضاله
صاحب أشهر صورة للصدر: كان مدافعاً عن حقوق الكورد ونضاله

بكاميرته اليابانية الصنع، التقط المصور كرم السراي واحدة من أشهر الصور التي لا تزال عالقة في الأذهان، وتزيّن الجدران والمظاهرات والمناسبات الخاصة بعائلة الصدر وأتباعها. الصورة التي التقطها للسيد محمد محمد صادق الصدر، أحد أبرز مراجع الشيعة ووالد السيد مقتدى الصدر، تحمل في طياتها ذكريات أيام خوالي، وأسراراً عن التمويه والخوف من ملاحقة نظام حزب البعث.

في حديثه لـ«كوردستان بالعربي»، يكشف السراي لأول مرة تفاصيل جديدة عن علاقته بالسيد الشهيد محمد الصدر، ودوره في توثيق لحظات تاريخية مهمة. يقول السراي: «كان السيد الشهيد يدافع عن حقوق الكورد ويرفع الظلم عنهم، كما كان يدافع عن جميع مكونات العراق. كان رجلاً عادلاً ومخلصاً لقضيته».

بداية العلاقة مع السيد الصدر:

يتذكر السراي بداياته في تصوير السيد الشهيد قائلاً: «بدأت قصتي مع تصوير السيد الصدر بعد أن رفعت حكومة صدام الإقامة الجبرية عنه. خرج إلى الساحة الحوزوية وبدأ يمارس عمله في تدريس الطلبة في مسجد الرأس، كما فتح مكتباً في النجف لاستقبال الناس والإجابة عن أسئلتهم في مختلف المجالات».

ويضيف: «كنت أراه في مسجد الرأس وفي مرقد الإمام علي (عليه السلام)، وتمنيت أن أحظى بفرصة لتصويره. بعد أن أفتى بإقامة صلاة الجمعة، تمكنت من الحصول على إذن منه عبر أحد طلابه المقربين، الشيخ قاسم الطائي (رحمه الله). حاولت تصويره في الذكرى السنوية لإقامة صلاة الجمعة، لكن نجله السيد مصطفى (رحمه الله) منعني من ذلك، خوفاً عليّ من ملاحقة أجهزة الأمن التي كانت مستنفرة في النجف آنذاك. قال لي: «الأمر مفتوح لك في أي جمعة قادمة».

الجمعة رقم 44: اللحظة التاريخية:

استمر السراي في محاولاته، وفي الجمعة رقم 44، تمكن أخيراً من تحقيق حلمه. يقول: «وفقني الله بتصوير السيد الشهيد (قدس سره الشريف) في تلك الجمعة. كانت لحظة تاريخية لا تُنسى».

يُعتبر خطبة الجمعة رقم 44، التي ألقاها السيد محمد الصدر في 26 شوال 1419 الموافق 12 فبراير 1999، من أشهر الخطب التي ألقاها قبل استشهاده في 19 فبراير 1999 على يد أزلام النظام السابق. يقول السراي: «الجمعة رقم 44 هي الصلاة التي أقيمت في الكوفة، وتم خلالها تصوير السيد الشهيد. كانت الصور احترافية، وأقرب صورة إلى قلبي هي الصورة رقم 20، التي أصبحت لاحقاً الصورة التعريفية للسيد الشهيد بعد سقوط النظام».

التمويه والحذر من النظام:

وعن تعرضه للملاحقة من قبل النظام السابق، يوضح السراي أنه كان حذراً للغاية في تنقلاته، ويعمل بخطوات مدروسة لتجنب الاعتقال. يقول: «كنت أعلم أن النظام لا يتسامح مع من يوثق حياة رجال الدين الشيعة، لذا كنت أتحرك بحذر شديد. الإخوة الكورد يعرفون ذلك جيداً، فقد عانوا كثيراً من جرائم النظام الصدامي، الذي حاول خنق الحريات وتكميم الأفواه. لكنه في النهاية سقط، وذهب إلى الجحيم».

وفي حديثه عن تفاصيل أشهر صورة للسيد الشهيد محمد محمد صادق الصدر، يكشف المصور كرم السراي عن اللحظات الأخيرة التي سبقت استشهاد السيد الصدر، وكيف أصبحت الصورة رقم 20 أيقونة خالدة في تاريخ العراق. يقول السراي: «في الجمعة الأخيرة، ذهبنا إلى الكوفة لحضور صلاة الجمعة. بعد الصلاة، توجهنا إلى مكتب السيد الصدر في النجف، حيث سلمته الصورة رقم 20، المعروفة بـ(أم النظارة)، وهي أكبر صورة طُبعت في حياته ومؤطرة بإطار جميل. حملها السيد الصدر وقال: «صورة لطيفة». هذه الصورة نفسها التي تُزيّن مرقده اليوم، وقد تسلمها قبل استشهاده بأربع ساعات فقط».

ويكشف السراي عن تكليفه من قبل السيد الشهيد بتصوير جميع صلوات الجمعة في وسط وجنوب العراق، لإعداد ملصقات تُوزع في الذكرى الثانية لإقامة صلاة الجمعة. لكن استشهاد السيد الصدر حال دون إتمام هذا المشروع.

الجمعة الأخيرة

عن الجمعة الأخيرة التي خطب فيها السيد الصدر، يقول السراي: «لم أصوّره في الجمعة رقم 45، جمعة الاستشهاد. لم أحمل معي معدات التصوير، فقد كان من الغباء أن أعيد تصويره وأعطي فرصة لأجهزة الأمن لاعتقالي. اكتفيت بالجمعة السابقة وحصلت على ما أردته».

وعن شعوره بنبأ استشهاد السيد الصدر، يصف السراي اللحظة بأنها كانت أشبه بصدمة كهربائية. يقول: «رحمه الله، لقد نال الشهادة بكل فخر، كما نالها كل مجاهد عربي أو كوردي دافع عن الحق والعدالة».

يذكر السراي أن آخر مرة رأى فيها السيد الصدر كانت قبل استشهاده بأربع ساعات. علم بالخبر صباح اليوم التالي، حيث كان قد عاد إلى بغداد بعد صلاة المغرب والعشاء التي كان يؤديها في صحن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام).

دفاعه عن حقوق الكورد

في خضم حديثه، يتطرق السراي إلى دفاع السيد الصدر عن حقوق الكورد، قائلاً: «كان السيد الشهيد دائماً يدعم نيل الشعب الكوردي لحقوقه المشروعة. في أكثر من مناسبة، كان يرفع صوته دفاعاً عنهم ضد الظلم. كل علماء الشيعة كانوا، ولا يزالون، يقفون مع المظلومين من كافة مكونات الشعب العراقي، وعلى رأسهم الإخوة الكورد. لكن عدم وجود إعلام خاص بهم في ذلك الوقت حال دون وصول صوته إلى عامة الناس».

من جانبه يؤكد د. علي حسن رحيمة وهو مسؤول قسم المعاهد التطويرية في مشروع (البنيان المرصوص) أحد مؤسسات التيار الوطني الشيعي برئاسة مقتدى الصدر على دفاع آل الصدر عن الكورد ونضالهم ضد الظلم والطغيان وخاصة في ظل حكومة صدام حسين.

مع ذلك يقول «اشتهر نظام صدام بالقمع المفرط وبكل تأكيد للشهيد الصدر وآل الصدر عموما مواقف مشرفة مع الكورد ونضالهم ضد الدكتاتورية فالشهيد بكل تأكيد كان يطمح إلى حرية كل شعوب العراق ولكن بسبب القمع المفرط و طبيعة نظام الحكم آنذاك جعلت من مواقفه وتعاطفه مع نضال الكورد في إطار الكلام للحلقة القريبة منه ورغم أنه لديه العديد من مواقف يشيد بالكورد كقومية من قوميات العراق»

ويضيف أيضا إدانة الكورد قيادة وشعبا استشهاد الشهيد الصدر وتعاطفهم مع الحادثة، قائلا «هناك أخبار تتحدث عن حزن الكورد في محافظات إقليم كوردستان بسماعهم لخبر استشهاد السيد الشهيد وقد اعتبروا الحادثة من المآسي الكبرى على الشعب عامة».

الصدران: أوجه الشبه والاختلاف

وعن أوجه الشبه بين السيد محمد الصدر ونجله السيد مقتدى الصدر، يقول السراي: «السيد مقتدى الصدر هو رمز من رموز الشيعة، وله مكانة خاصة في المجتمع المدني والسياسي. يتمتع بحس وطني كبير وقاعدة شعبية واسعة. لكن الشخصيتين مختلفتان تماماً. السيد مقتدى ليس فقيهاً ولا مجتهداً، بعكس والده الذي كان عالماً مجتهداً جامعاً للشرائط. هذا الاختلاف جوهري ولا يمكن المقارنة بينهما».

في ختام حديثه، عن الكاميرا التي إلتقط بها أشهر صور السيد الصدر، يكشف السراي أنه تخلص منها بسبب الحالة النفسية الصعبة التي عاشها بعد استشهاد السيد. يقول: «بعْت الكاميرا لأنني كنت أعاني من حالة نفسية صعبة كلما نظرت إليها. كانت عزيزة على قلبي، لكن الذكريات الجميلة تحولت إلى ذكريات مؤلمة. الآن أنا نادم على بيعها».

ويشير إلى أن العديد من المؤسسات الإعلامية وصفحات التواصل الاجتماعي تنشر صور السيد الصدر التي التقطتها من دون الإشارة إليه، بل إن بعضها يطبع الصور ويبيعها من دون إذنه. يقول: «طلبت من بعضهم أن يضعوا اسمي على الصور التي يبيعونها، كجزء من حقوقي، لكنهم رفضوا. سامحهم الله».

تُعد الصور التي التقطها السراي للسيد محمد الصدر وثائق تاريخية مهمة، تحكي قصة رجل دين جسّد روح المقاومة والعدالة في وجه الظلم. وبفضل كاميرا السراي، بقيت هذه اللحظات خالدة في ذاكرة العراقيين، شاهدة على حقبة مضطربة من تاريخ البلاد.


هيمن بابان رحيم: صحفي كوردي عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved