شهدت المنطقة العربية خلال خمسينات وستينات القرن الماضي، أحداثاً تاريخية لا يمكن إغفال تأثيرها في رسم واقع الشعوب التي تقطن المنطقة حتى وقتنا الحالي، وانتشرت في البلدان النامية الخارجة لتوها من سيطرة الاحتلال الغربي، الحركات القومية والكفاح المسلح والانقلابات السياسية والعسكرية.
زمن الانقلابات
بالعودة إلى تاريخ سوريا بعد هزيمة حرب فلسطين 1948، بدأت مرحلة داخلية صعبة، تمثّلت بسلسلة حركات عسكرية، كان أولها انقلاب حسني الزعيم:
وتلا انقلاب حسني الزعيم، الانقلاب الثاني في سوريا الذي قادة
سامي الحناوي:
وبعد انتهاء حقبة الحناوي في سوريا، والحكم عليه بالنفي إلى لبنان، قُتل على يد شاب كوردي لم يتجاوز الـ30 من عمره ، يدعى هرشو البرازي، انتقاماً لابن عمه رئيس حكومة حسني الزعيم محسن البرازي. حيث أطلق هرشو النار على الحناوي في 31 تشرين الأول/أكتوبر 1950 وسط شارع الحمرا في بيروت.
هرشو البرازي
هرشو البرازي أو محمد أحمد باكير البرازي، عاصر فترة الانقلابات العسكرية في سوريا وكان شاهداً عليها، ولد عام 1920 من عائلة البرازي العريقة في مدينة حماه، وهو ابن عم محسن البرازي، رئيس حكومة سوريا في عهد حسني الزعيم، الذي أُعدم معه حين انقلب اللواء سامي الحناوي عليه عام 1949.
و التقت مجلة كوردستان بالعربي، مع المحامي معتز برازي أبو مصباح ابن عم هرشو البرازي و أقرب أصدقائه. يقول معتز: شكّل محسن البرازي مرجعاً سياسياً لشكري القوتلي، (أول رئيس للجمهورية السورية بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي 1946) تبوء منصب وزير المعارف والعدل، ومدير مكتب رئيس الجمهورية، وأمين سر رئاسة الجمهورية، حتى فترة انقلاب حسني الزعيم في عام 1949، حيث برز الدور الواضح لمحسن وهرشو البرازي في مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة.
ويضيف المحامي معتز: خلال لقاء محسن البرازي مع القوتلي والعظم، طالباه بالعمل مع الزعيم خوفاً من جر البلاد إلى الفوضى العارمة، وهي النصيحة التي أسداها هرشو أيضاً لابن عمه أيضاً، وبعد تواصل وسطاء من الدولتين مع البرازي وافق على العمل مع الزعيم. وتم تكليف محسن البرازي بتشكيل حكومة، ووضع قائمة بأسماء المرشحين للوزارة، وأرسلها للرئيس حسني الزعيم.
وفقاً لبعض المصادر، شكّلت توجهات حسني الزعيم مع التحالفات والمحاور التي من شأنها جر سوريا للفوضى والخوف على شعبها، إضافة لقضية أنطوان سعادة أبرز الملفات الخلافية بين هرشو ومحسن من جهة والزعيم من جهة أخرى.
وحسب المصادر ذاتها، اتفق هرشو ومحسن على ضرورة رفض مطلب الحكومة اللبنانية، تسليم سعادة. وطلبا من حسني الزعيم الاحتفاظ به، بالرغم من العلاقة العائلية التي تجمع البرازيين مع رياض الصلح في لبنان، لكن تسليمه أثار حفيظة وغضب هرشو ومحسن البرازي، مع كتلة من الضباط السوريين الموالين لهما من المسيحيين والعلويين المتعاطفين مع سعادة، خاصة بعد محاكمته وإعدامه خلال 24 ساعة في لبنان.
ليلة الانقلاب
يروي فرهاد شاهين، أحد أقرباء هرشو البرازي، لمجلة «كوردستان بالعربي»: أنه بتاريخ 14 آب/أغسطس 1949، داهمت قوة عسكرية منزل محسن البرازي الكائن في حيّ المهاجرين الدمشقي، واقتادته مع ابنه خالد بلباس النوم إلى ساحة الإعدام، التي تُسمى حالياً بحيّ المزة جبل، ليتم دفنه في منطقة الدحداح بدمشق.
في تلك الليلة، كان هرشو بضيافة عمر آغا شمدين في دمشق (شخصية بارزة من عائلة شمدين الدمشقية الكوردية)، وبعد انتشار خبر الإعدام، التقى هرشو خالد نجل الراحل محسن البرازي، فروى له تفاصيل ما جرى.
ووفقاً لما نقله خالد، لفرهاد شاهين: تم اقتيادهم بدبابة عسكرية، إلى موقع تنفيذ حكم الإعدام، ثم تلى اللواء سامي الحناوي قرار الإعدام، كونه يحمل أعلى رتبة عسكرية، في تلك اللحظة هرع خالد لتقبيل يدي والده، فأجابه محسن: «عليك بالعودة يا ولدي، الأيام القادمة ستثبت للجميع أنني لم أخن الوطن في يوم من الأيام». بعد هذا الحوار القصير بين الأب وابنه، تم تصفية محسن البرازي مع حسني الزعيم بالرصاص الحي، على يد المدعو عصام مريود، الذي فرّ بعدها إلى العراق ومكث فيه حتى وفاته.
ويكشف شاهين، معلومات لم تتطرق لها الصحف في تلك الفترة، فيقول: الأكثر فظاعة أن عصام مريود، اقتاد خالد محسن البرازي، إلى منزل في دمشق يمكث فيه الكولونيل البريطاني المتقاعد والتر ستيرلينغ، مراسل جريدة التايمز بدمشق 1949، حيث طلب من خالد الذي كان يتقن الإنكليزية، أن يسأل الكولونيل عن ثمن الطلقات التي استقرت في صدر محسن البرازي وحسني الزعيم!
وعندما التقى هرشو بخالد، طلب منه أن يحاول تذكر موقع المنزل، ليتبين لاحقا ًإنه كان منزل أكرم الحوراني، الذي عرف بثعلب الانقلابات في سوريا.
الثأر من سامي الحناوي
فشلت جميع المحاولات التي قام بها أقارب محسن البرازي بالثأر من سامي الحناوي، إلى أن تولىّ هرشو المهمة، ونجح فيها بعد مراقبة دقيقة لتحركات سامي الحناوي في بيروت.
يقول المحامي معتز: في ليلة 30 تشرين الأول/أكتوبر 1950، دخل الحناوي إلى صالون الحلاقة، وحين انشغل مرافقوه عنه، ناداه هرشو مردداً جملته المشهورة: «يا سامي أنا هرشو البرازي ابن عم محسن لا تقل أنني جئتك غادراً، ها نحن وجهاً لوجه» ثم أطلق عليه طلقات نارية أردته قتيلاً.
ألقت السلطات اللبنانية القبض على هرشو البرازي، حُكم عليه بالإعدام، قبل تخفيف الحُكم إلى السجن لمدة 18 عاماً، بعد مرور عامين و3 أشهر، ونتيجة وساطات مباشرة من قبل الملك سعود، والملك فاروق، صدر بحقه مرسوم عفو خاص من قبل رئيس الجمهورية كميل شمعون، وخرج من السجن عام 1953.
ثم تدخل أديب الشيشكلي، ابن عمة هرشو، وأصدر قراراً يسمح له بالعودة إلى سوريا، حيث مكث فيها حتّى عام1965، ثم صدر بحقه حكماً ثانياً بالإعدام، لمشاركته بانتفاضة حماه في عهد الرئيس أمين الحافظ، لينجو بمرة أخرى أعجوبة ويصل إلى لبنان.
عاد هرشو مُجدداً إلى سوريا عام1977، بعد إصدار الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد مرسوماً بالعفو عنه والسماح له بالعودة، كان يتردد بين الحين والآخر إليها، ثم غادر من لبنان إلى أمريكا عام1982، واستقر في ولاية سان فرنسيسكو حتى وفاته في كانون الأول/ ديسمبر عام 2015، وتم دفنه في 8 يناير/ كانون الثاني 2016 بناءاً على وصيته، في منطقة بارزان باقليم كوردستان، إلى جانب الزعيم الملا مصطفى البارزاني والشهيد إدريس البارزاني.