الحركة الكوردية في الوثائق البريطانية
الحركة الكوردية في الوثائق البريطانية

عقب الحرب العالمية الأولى، خضعت مناطق كوردستان العراق للانتداب البريطاني. ومع فشل تنفيذ وعود الاستقلال الكوردي التي نصّت عليها معاهدة سيفر (1920)، تصاعدت حالة الرفض الكوردي، وبرزت قيادات محلية مثل الشيخ محمود الحفيد الذي اعتبر المشروع البريطاني احتلالاً مباشراً، وقاد سلسلة من الحركات، أهمها ما وقع في عام 1922 عندما أعلن نفسه ملكاً على كوردستان.

الحركة وقيادته:

تُعَدّ العمليات المسلحة التي قادها الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في لواء السليمانية عام 1919، عشية قيام الدولة العراقية في أوائل العشرينات من القرن الماضي، والتي استمرت حتى عام 1931، محطةً مهمة في تاريخ العمل العسكري الكوردي.

فالبرزنجي لم يرضَ بما حصل عليه من بريطانيا، واعتبر ذلك غير كافٍ، إذ كان يتطلع إلى حكم المزيد من المناطق الكوردية، فقرر مواجهة بريطانيا بعد أن أعلن تنصّلها من وعودها له.

بدأ البرزنجي بالاتصال بالحركات المناوئة للنفوذ البريطاني في العراق، ولا سيما في منطقة شرناخ الواقعة في الجهة الجنوبية الشرقية من الأناضول، على الحدود السورية العراقية. وقد دفع ذلك البريطانيين إلى التفكير في التخلص منه، فاستقر رأيهم على تعيين الميجور سون حاكماً سياسياً للسليمانية في آذار / مارس من عام 1919، بهدف تقليص نفوذه. فردّ البرزنجي على هذه الخطوة البريطانية باللجوء إلى العمل العسكري المباشر، حيث قام بانقلاب عسكري في السليمانية مستعيناً بفرقة عسكرية كوردية تُعرف باسم «الشبانة»، وساندته في ذلك القبائل الكوردية في إيران، وخاصة قبيلتا الهورامان ومريوان.

وقد حقق الشيخ البرزنجي في بداية حركته انتصاراً عسكرياً، إذ تمكن من اعتقال الضباط البريطانيين في منازلهم، وتولى هو وفرقة «الشبانة» السلطة المطلقة، وقطع الخطوط السلكية في كركوك، واستولى على قافلة كانت تحمل أسلحةً وأموالاً متجهة إلى مدينة كفري في السليمانية، كما استولى على مدينة حلبجة في 26 أيار / مايو عام 1919.

إزاء هذه العمليات المسلحة في المناطق الكوردية، سيّرت بريطانيا حملة عسكرية كبيرة في حزيران / يونيو عام 1919، حاصرت البرزنجي وفرقته، وتمكنت من أسره بعد إصابته بجروح خلال الحصار. وقد أُلقي القبض معه على عدد كبير من أتباعه، وأُرسلوا جميعاً إلى بغداد، بعد أن سيطرت القوات البريطانية على السليمانية بشكل تام. وقد صدر حكم بالإعدام على الشيخ البرزنجي، ثم خففه القائد البريطاني في بغداد إلى عشر سنوات مع النفي إلى الهند.

أما عن قيادته، فإن القائد الذي تولّى الحركة هو الشيخ محمود الحفيد، ويُدعى أحياناً محمود حفيد زاده البرزنجي. وهو محمود بن الشيخ سعيد كاكا أحمد بن الشيخ معروف البرزنجي، وُلد في السليمانية عام 1881 في محلة «كاني آسكان»، ولقّب بـ«الحفيد» نسبةً إلى جده العالِم الكبير الشيخ كاكا أحمد، المدفون في السليمانية وصاحب المرقد المشهور فيها.

هذا عرضٌ إجمالي، وتُحال التفاصيل الموسعة إلى الدراسات المعمقة التي تناولت الأسباب التي أدّت إلى هذه الحركة والحوادث التي رافقته، والتي سُلِّط الضوء عليها من قبل الباحثين. إلا أن ما لم يُسلَّط عليه الضوء هو الأشخاص الذين شاركوا في هذا الحركة وبعض صفاتهم، وهذا ما سنعرضه في هذا المقال، اعتماداً على وثائق محفوظة في مركز النجف الأشرف.

وبما أن الأسماء كثيرة، ولا يتسع المقام لذكرها جميعاً، فسنعرض نماذج منها، ونوكل لمن يرغب في الاطلاع الكامل على تفاصيل أكثر مراجعة المركز، الذي يمكنه تزويده بالمعلومات المطلوبة.

تحليل شخصيات الحركة وفق الوثائق البريطانية:

فيما يلي عرض تحليلي لأبرز الشخصيات التي ذُكرت في الوثائق البريطانية التي تُرْجِمَت في مركز النجف الأشرف، ويُفهم من سياقها أنها شاركت أو تأثرت على نحو مباشر بحركة 1922:

جاء في بداية الملف ما لفظه:

(إلى الضابط السياسي، السليمانية)

مذكرة

بالإشارة إلى مذكرتي المؤرخة في 28/6/1922، أرفق لكم الآن قائمة بالشخصيات.

في بعض الحالات، كانت المعلومات المتوفرة ضئيلة جداً، وربما هناك العديد من الأشخاص المهمين الذين يعيشون في المناطق النائية من القضاء، ولم تُدرج أسماؤهم في القائمة. في وقت لاحق، عندما أتمكن من التفرغ لهذا الموضوع بشكل شامل، آمل أن أرسل لكم قائمة أكثر اكتمالاً، تتضمن تفاصيل إضافية عن بعض الأشخاص الذين أُدْرِجُوا مسبقاً، ولكن لم أتمكن من الحصول على معلومات كافية عنهم. وقد تُركت فراغات في كل صفحة لهذا الغرض.

الضابط السياسي بالوكالة – چمچمال

وبعد هذا تُذكر الأسماء:

1- عبد الله بن كريم فاتح بك – يبلغ من العمر حوالي 22 عاماً، وهو الابن الأكبر. يعاني من مرض مزمن في عينيه، ويجيد القراءة والكتابة. دائماً يرافق والده. لا يتمتع بشخصية بارزة.

2- عبد الله سيد محمد (جباري) – عمره حوالي 60 عاماً، وهو عم سيد محمد الجباري. يُعرف بـ«عاصف الأجواء» (كناية عن شخصية مثيرة). غالباً ما يلجأ إليه ابن أخيه للحصول على المشورة. انضم إلى أصحاب الحركة. لديه ابنان، حسن ومحمد، وقد رافقهما في زيارته الأخيرة إلى منطقة داودة.

3- أحمد كاكا عبد الله – من فرع خال من عشيرة بگزاده. الابن الثامن والباقي على قيد الحياة من كاك عبد الله آغا. يعيش في يارانبَغي، سورداش. يتميز بشارب طويل متدلٍّ وأنف طويل معقوف. تفيد التقارير بأنه لم يشارك في الحركة الحالية.

4- عائشة خان – زوجة الشيخ محمود. تعيش في دار بقرى (بازيان)

5- آروس كاكا عبد الله – من فرع خال من بگزاده، الابن الرابع الباقي على قيد الحياة لكاكا عبد الله آغا، ويبلغ حوالي 32 عاماً. قبل مشاركته في الحركة الحالية، كان يعيش في بلاجو، وهي قرية حولها نزاع قديم بين الشيخ محمود، والشيخ عبد العزيز من أحمد لاوند، والشيخ قدري مفتي. يتمتع بطبع لطيف، لكنه في السنتين الماضيتين تأثر كثيراً بـ«ك.ف.ب» (ربما المقصود كريم فاتح بك). فشل في الزراعة بسبب افتقاره للحكمة العملية. شارك في حركة الشيخ محمود، لكنه عُفي عنه من قبل الحكومة. كما يمتلك قرية چشمه بوردن (چمچمال).

6- عزيز حسن گوران – من عشيرة بگزاده، عمره حوالي 50 عاماً. يعمل الآن شرطي سوار في چمچمال، اُسْتُقْدِم إلى هذا المنصب من قبل الكابتن بوند لأسباب سياسية. عمل سابقاً لدى سليمان (بگزاده) الذي اعتبره خادماً موثوقاً به للغاية. شارك في حركة محمود خضر.

هنا تنتهي الصفحة الأولى من الوثيقة.

7- عزيز حمه شاه ويس – (من عشيرة روگزاي، جاف)، يبلغ من العمر حوالي 55 عاماً. يملك قرية تَپَه گروس في منطقة سنگاو. أُسر خلال حركة الشيخ محمود، واُحْتُجِز في بغداد لأكثر من سنة. يُعتقد الآن أنه أصبح ودوداً تجاه الحكومة.

8- عزيز كاكا‌وله‌ – (من فرع خال من بگزاده)، عمره حوالي 40 عاماً، لكنه بدأ يشيب مبكراً، بسبب مشاكل عائلية في الغالب. هو الابن الأكبر لكاك عبد الله آغا. يملك قريتي پيريا‌دي وخلدان شيخ، ويعيش في الأولى. يتمتع بشخصية هادئة ومنعزلة لدرجة أنه يسمح لأهالي قريته باستغلاله وأخذ معظم أرباحه. يتميز بالكرم الشديد، حيث يُستخدم منزله كـ«فندق مجاني» لكل من يمر من چمچمال نحو الجنوب. هو متشائم بطبعه. أُجبر على المشاركة في الحركة الحالي من قبل «ك. ف. ب» وشركائه، وقد كتب إلى ASP?Q. طالباً السماح له بالعودة إلى قريته. وصفه الكابتن بوند بأنه «رجل طيب القلب»، ويبدو أنه محبوب جداً.

9- عزيز خسرو – (من جوانمير، بگزاده)، عمره حوالي 55 عاماً. هو رئيس عشيرة جوانمير، ويعيش في چيراغ روتا. كانت هذه القرية دائماً ملكاً لعشيرة جوانمير، لكن جيلج سعيد من جُك تپه حصل على حقوق التمليك (طابو) تقريباً في أثناء الاحتلال البريطاني. ومع ذلك، ظلت تحت إدارة الجوانمير حتى يتم النظر في تسوية الأراضي بشكل جدي. في هذه الأثناء، يعاني عزيز خسرو من مشاكل مع أبناء الشيخ سعيد الذين يدّعون حقهم فيها.

يعتبر موسرَ الحال ويعيش حياة منعزلة جداً، نادراً ما يغادر قريته. يحظى باحترام كبير من باقي بگزاده، ويحرص على عدم التدخل في مؤامراتهم أو نزاعاتهم. لديه ابن يُدعى حيدر. دائماً كان صديقاً للحكومة.

10- عزيز رحيم دوينه – من فرع حميل من عشيرة هماوند، عمره حوالي 60 عاماً. يملك ويعيش في قرية قلعة چوغا (چمچمال). عدو لأمين رشيد آغا (من هماوند) بسبب نزاع على قرية يالا چوغا. شارك في حركة الشيخ محمود، لكنه الآن يميل إلى الصداقة مع الحكومة.

11- عزيز خار أحمد – (جباري)، عمره حوالي 85 عاماً، يعيش في قلاويز. تربطه صلة قرابة بسيد محمد، لكنه لا يحبه. طُرِد من قرية كوشك على يد الطالباني، بينما يحاول سيد محمد استعادتها لنفسه.

هنا تنتهي الصفحة الثانية من الوثيقة.

12- أمين رشيد آغا (رئيس قبيلة القادر هندري / الهماوند). يعيش معظم السنة في زندان (چمچمال)، ويقضي أشهر الصيف المتأخرة في لازان (بازيان) حيث يمتلك حقوق المياه في القرية. يُعد من أكثر رجال قبيلة الهماوند موثوقية، وقد نجح دائماً في إبقاء جزء كبير من قبيلته خارج الانتفاضات المختلفة في أثناء الاحتلال البريطاني. وبسبب شعبيته بين الوكالة السياسية البريطانية، أصبح مكروهاً من قبل معظم زعماء القبائل الآخرين، وخصوصاً قبيلة بگزاده.

خلال شتاء 1920، رافق في العادة المسؤول السياسي المساعد (A.P.O) في عمليات ضد البگزاده الفارين. (يبدو أن البريطانيين يعتبرونه من المؤيدين لهم ويثقون به). يُعْتَرَف به رسمياً كرئيس لقبيلة الهماوند لأغراض عامة. على خلاف مع أحد أعضاء قبيلة السيفيرواند بسبب نزاع مع «حمود خضر»، وهو الرئيس السابق لتلك القبيلة.

13- رشواند فقى حسين من فصيل «حسين كاكه مند». رغم أنه لم يبلغ الخمسين من عمره، إلا أن بشرته بيضاء، وتبدو عليه علامات الحزن الشديد. لا يتكلم كثيراً ويحتفظ بأفكاره لنفسه، ويحظى بشعبية كبيرة بين سكان قريته، عاش العام الماضي في «تَرْگَة كاكه مند» والتي تُعرف أيضاً باسم «تَرْگَة خواروو».

حينما طُعِن في أحقيته في تلك القرية من قبل كاكه عبد الله وكاكه محمد (وكلاهما من الرشواند أيضاً)، أمره الضابط السياسي بالانتقال إلى «سورخاوه». غير ودود مع «فقى محمد»، وعرض مساعدته للبريطانيين لكنه لا يشارك في الاضطرابات الحالية. لا يهتم كثيراً بشؤون القبيلة، ويحترمه الناس بسبب سمعة والده المتوفى «الحاج علي».

14- رشواند فقى محمد ابن الحاج محمود (المتوفى)، رئيس فصيل «سليم خسرواي رشواند»، يبلغ من العمر حوالي 48 عاماً، يعيش في «مورتكه» (بازيان). يملك أيضاً جدول ماء يعرف باسم «إبراهيم آوه» بين مورتكه وهنجيرة، ونصف قرية «گلاشگران». شارك مع الشيخ محمود في بازيان، وغادر قبل سقوط ممر بازياو. وُعد بالأمان من قبل القائمقام في چمچمال، لكن أُسِر مباشرةً، وأُرسل إلى بغداد في أيلول / سبتمبر 1919، حيث سُجن لنحو عام. بعد إطلاق سراحه، وافق مصطفى باشا الباجلان على أن يكون ضامناً له، فعاد إلى «مورتكه» في تشرين الثاني / نوفمبر 1920 وأُعيدت إليه ممتلكاته.

يُعتبر شخصاً لطيفاً في التعامل، لكنه يترك انطباعاً بأنه غير مخلص، ويُنظر إليه على أنه «مثير للفتن» من قِبل وجهاء الهماوند الآخرين، لم يتعافَ من آثار السجن، ويبدو عليه مرض السل. في أثناء نفيه، صادر الشيخ أحمد من «هنجيرة» ومواطنون من «مورتكه» معظم ممتلكاته المنقولة، انضم لاحقاً إلى الشيخ محمود بعد مقتل الكابتن بوند، لكن يُعتقد أنه لم يكن متورطاً في ذلك الحدث.

هنا تنتهي الصفحة 3 من الوثيقة.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الوثائق تتبعها صفحات تحوي كمّاً كبيراً من الأسماء المرتبطة بالأحداث، ونظراً لأن هذا العرض يقتصر على تقديم موجز لأبرز الشخصيات والوقائع، فإننا نترك مهمة التوسع فيها للباحثين المتخصصين.

خاتمة:

تكشف هذه الوثائق البريطانية عن شبكة معقّدة من الولاءات والتحالفات والخصومات القبلية التي أحاطت بحركة الشيخ محمود الحفيد في عام 1922. ففي الوقت الذي شاركت فيه بعض الشخصيات بحماس في الحركة، حاول آخرون التزام الحياد أو التعاون مع البريطانيين لأسباب نفعية أو سياسية.

تُعتبر هذه الحركة من أهم المحطّات في التاريخ الكوردي الحديث، لما حمله من محاولة حقيقية لتأسيس كيان كوردي مستقل في ظلّ اضطراب النظام الدولي بعد الحرب العالمية الأولى، ويُعتبر هذا الملفّ من الملفات المهمّة التي لم يُكشف عنها، وندعو أهل البحث والدراسة لكي يقوموا بدراستها.

* هذا المقال يستند إلى وثائق أصلية باللغة الإنجليزية، محفوظة لدى مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر، وهي تتعلق بالوضع السياسي والقبلي في منطقة چمچمال والسليمانية في أوائل القرن العشرين، وتحديداً خلال حركة عام 1922 بقيادة الشيخ محمود الحفيد. ترجم المركز هذه الوثائق إلى اللغة العربية، مع الحفاظ على الأمانة العلمية واللغوية، وذلك في إطار اهتمامه بتوثيق التاريخ العراقي والكوردي من خلال النصوص الوثائقية المباشرة، وليس عبر الروايات الشفوية أو التاريخ الثانوي.


الشيخ محمد الكرباسي: مؤسس ورئيس مركز النجف الأشرف للتأليف والتوثيق والنشر


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved