إيزيدية تؤسّس مكتبة في قريتها
إيزيدية تؤسّس مكتبة في قريتها

في قرية سيرجكا، التابعة لناحية القوش ضمن قضاء تلكيف التابعة لمحافظة نينوى، والتي يقطنها أبناء الديانة الإيزيدية من الكورد، ويُقدّر عددهم بنحو 1500 عائلة، والتي تتميز بوجود العديد من المزارات الدينية المهمة للإيزيديين، أطلقت شابة إيزيدية مشروعاً ثقافياً رائداً، من خلال إنشاء أول مكتبة في قريتها التي تتميز بتنوعها المجتمعي، وذلك بهدف تعزيز ثقافة القراءة وتمكين الأفراد من الاطلاع وتطوير قدراتهم الفكرية.

وتُعدّ هذه المكتبة، التي تشرف عليها الشابة جنان شاكر، أول مشروع ثقافي من نوعه يتم تأسيسه في قريتها، بل وحتى على مستوى قضاء تلكيف التابع لمحافظة نينوى.

كان حلم جنان (32 عاماً) منذ صغرها أن تسهم في بناء مجتمع واعٍ ومثقف، إذ نشأت في أسرة تهتم بالعلم وتولي الكتب والمعرفة أهمية كبيرة، فترعرعت على احترام الفكر والثقافة، وهو ما انعكس بوضوح على مسيرتها وخياراتها الشخصية.

الصور: مهند حسن

 

بداية المشروع الثقافي

أطلقت جنان، التي تدرس حالياً تخصص الفيزياء في كلية العلوم، مكتبتها عام 2019، بجهود ذاتية، وقد بدأت بمكتبة إلكترونية في قضاء تلكيف، وجهّزتها بكتب إلكترونية مجانية للقارئ، لكنها لم تكتفِ بهذا الإنجاز، بل واصلت مشوارها الثقافي وحوّلت المكتبة لاحقاً إلى مكتبة ورقية حملت اسم «مكتبة جنان»، التي تستقطب الزوّار ليس من قريتها فقط، بل من أكثر من 40 قرية مجاورة أيضاً.

تقول جنان إن السبب الأول والرئيسي لإنشاء مكتبتها هو شغفها الكبير بالقراءة، ورغبتها في مشاركة هذا الشغف مع أبناء قريتها، خصوصاً في ظل غياب المبادرات الثقافية التي تفتح أبواب المعرفة والعلم في المنطقة.

ويهدف مشروعها إلى نشر الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع، لاسيما أن منطقتها لم تعرف من قبل أي نوع من المكتبات العامة، لذلك تسعى جنان إلى توفير الكتب سواءً عبر بيعها أو إعارتها.

تضم «مكتبة جنان» أكثر من 1800 كتاب، جُمعت بعناية، وتشمل مجالات متنوعة مثل الروايات، وتطوير الذات، والفلسفة، والسياسة، والعلوم الاجتماعية، والقانون. كما تحتوي على قسم خاص بقصص الأطفال باللغتين العربية والكوردية، وكل ذلك في غرفة صغيرة بمساحة 8 أمتار طولاً و4 أمتار عرضاً. 

يرتاد المكتبة زوار من مختلف الأعمار والفئات، وخاصة طلاب المدارس والجامعات، حيث يتوافد يومياً ما بين 10 إلى 15 زائراً، من داخل المنطقة وخارجها، بما في ذلك شيخان، وبَردَرَش، ومهد باعدرى، ومناطق مجاورة أخرى. ويستطيع زوارها استعارة الكتب أو شراءها بأسعار رمزية.

الدعم والاهتمام 

وأعربت جنان عن سعادتها بالتفاعل الإيجابي مع مشروعها، مشيرة إلى أن كتّاباً ومثقفين يزورون المكتبة ويتبرعون فيها بمؤلفاتهم الخاصة بشكل تطوعي، ما يعكس وعياً مجتمعياً متزايداً واهتماماً حقيقياً بالثقافة.

من جهتها، قالت آسيا خيري نرمو (35 عاماً)، سيدة مهتمة بالقراءة، إن افتتاح المكتبة كان بمثابة «حلم تحقق على أرض الواقع». وتابعت في حديثها لـ«كوردستان بالعربي» أنه «في السابق، كان الحصول على الكتب أمراً صعباً، إذ كنا نضطر للسفر إلى أماكن بعيدة مثل دهوك أو الموصل أو حتى بغداد».

وأشارت نرمو إلى أن «الوضع تغير حالياً بعد أن أصبح بإمكان الجميع الحصول على الكتب داخل قريتنا، وهو ما وفّر علينا الجهد والوقت». وأضافت أنها مرّت بمواقف عديدة كانت فيها بأمسّ الحاجة إلى كتب معينة ولم تستطع الحصول عليها. وأبدت شكرها لجنان على مبادرتها، ووصفتها بأنها تستحق الإشادة والدعم، متمنية لها المزيد من النجاح. كما دعت نرمو «الشابات الطموحات إلى تبني مشاريع مشابهة تدعم الثقافة في المجتمع، كما فعلت جنان».

من جانبه، قال غازي حسن عساف، أحد أبرز مثقفي منطقة القوش ورئيس معبد لالش، إن «افتتاح مكتبة جنان يُعد خطوة مهمة لأهالي المنطقة». وعبر عن سعادته حين يرى طلابه من المهتمين بالثقافة والقراءة يرتادون المكتبة يومياً لمطالعة واقتناء الكتب.

وأكد عساف أن مبادرة جنان ليست بالأمر السهل، خاصة في ظل الظروف الحالية، معتبراً أن قرارها بفتح مكتبة يُعد إنجازاً كبيراً يستحق الدعم والثناء. وأشاد بدور والدها في دعمها لتحقيق حلمها، مشدداً على أهمية دعم العائلة، وخصوصاً الأب، في تمكين النساء ومساعدتهن على تحقيق أهدافهن. وأعرب عساف عن أمله في أن يحذو باقي الآباء حذو والد جنان في دعم طموحات بناتهم، مؤكداً أنه لا يوجد مبرر للتمييز بين الذكر والأنثى.

ووجّهت جنان رسالة إلى جميع النساء، مؤكدة أن «الخطر الحقيقي لا يكمن في الفشل، بل في التوقف عن تطوير الذات والتخلي عن السعي لتحقيق الأحلام»، مشددة على أن «لكل امرأة الحق الكامل في التعبير عن ذاتها وأن يكون لها دور فعّال في المجتمع».


سجى إسماعيل: صحفية كوردية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved