صفية العمري: أربيل مدينة لا تُمحى من الذاكرة
صفية العمري: أربيل مدينة لا تُمحى من الذاكرة

النجمة المصرية صفية العمري أيقونة متألقة في سماء السينما، وواحدة من أبرز النجمات اللواتي رسمن ملامح الفن المصري بجاذبية لا تُقاوَم، وتشويق يأسر الألباب، وإغراء راقٍ لا يخلّ بالذوق ولا يخرج عن حدود الإبداع.

في كل دور أدّته، كانت العمري تنسج سحرها الخاص، حتى ارتقت إلى مصاف كبار الفنانين، وخلدت اسمها بين أعلام الشاشة الذهبية. فلم تكن مجرّد ممثلة، بل كانت تجربة فنية كاملة، تسير على خيوط الضوء، وتُغني الشاشات بحضورها، فأسهمت أعمالها في جذب عشّاق الفن السابع، وحققت من ورائها الأفلام التي تصدرتها أرباحاً وجماهيرية، لا تُقاس إلا بمدى بريقها وعمق تأثيرها.

صفية العمري، التي تتميّز عن فنانات جيلها بنظرة عميقة للحياة والناس، وصمت يحمل دلالات لا يدركها الكثيرون، زارت أربيل عاصمة إقليم كوردستان العراق للمرة الأولى في عام 2012، برفقة وفد من نجوم وفناني بلدها، للمشاركة كضيوف شرف في مهرجان أربيل الدولي للمسرح. وفي تلك الزيارة، سنحت لي الفرصة للقائها في فندق أربيل الدولي (شيراتون)، حيث دار بيننا حديث افتتحته بالتعبير عن إعجابي بها: «ما زلتِ تحتفظين بالجمال والجاذبية اللذين أسرا قلوب جيل من الشباب». فردّت بابتسامة وإجابة دبلوماسية: «الجمال يذهب ويفنى، ولا يبقى منه شيء. مع مرور الزمن تزول تلك النِعَم، ولا يبقى إلا الذاكرة والحنين».

وقد كانت الفنانة المصرية، التي تجمع بين الإنسانية وخصال نبيلة أخرى، والتي أبدت محبة كبيرة للشعب الكوردي في كوردستان، تفضّل المشي خلال وجودها في أربيل، واعتادت الذهاب إلى السوق، إما بمفردها أو برفقة أحد مرافقيها، كما تجولت في قلعة أربيل التاريخية.

وفي آخر اتصال هاتفي جمعني بها، أكدت أن زيارتها إلى كوردستان وأربيل أصبحت جزءاً لا يُنسى من ذاكرتها. وقالت إن هذه الزيارة لا تمحوها الأيام، خاصة بعد مشاهدتها قلعة أربيل لأنها شاهد على حضارة مدينة تمتد لأكثر من سبعة آلاف عام.

تحدثت أيضاً عن ذكرياتها خلال تلك الزيارة، ومن أبرزها شرب عصير العنب الأسود (الزبيب) قرب القلعة، بعد أن اقترحه عليها أحد الأصدقاء فور وصولها إلى المدينة، كما عبّرت عن إعجابها بالعصائر الأخرى المشهورة في أربيل، مثل عصير الرمان. وأشادت بعادات وتقاليد المجتمع في أربيل، معربة عن سعادتها بتفاعل الناس معها ومعرفتهم بها، وطلبهم التقاط الصور التذكارية أثناء تجولها. وأعربت الفنانة عن أملها في تكرار الزيارة إلى كوردستان، مؤكدة أنها لن تدخر جهداً للقيام بزيارة قريبة.

وُلدت صفية العمري في مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في جمهورية مصر العربية عام 1941، ضمن أسرة مكوّنة من ست شقيقات. وبدأت مسيرتها بدراسة رقص الباليه والعزف على آلة الكمان في طفولتها، ثم تخرجت من كلية التجارة بجامعة الإسكندرية، وأتقنت اللغة الروسية، مما أهلها للعمل كمترجمة في المؤتمرات الدولية، كما عملت في بداية حياتها المهنية كمراسلة صحفية.

وبدأت مسيرتها الفنية بتجربة رقص الباليه والعزف، إلى جانب الإعداد التلفزيوني. وفي عام 1970، التقت بالفنان جلال عيسى، وتزوجته بعد قصة حب، وأنجبا ابنيهما، وليد وأحمد. ونجحت في إحدى المسابقات التلفزيونية للعمل كمقدمة برامج، ولاحظت الصحافة جمالها اللافت، مما جذب انتباه المنتج والمخرج رمسيس نجيب، الذي منحها أول أدوارها السينمائية في فيلم «العذاب فوق شفاه تبتسم» عام 1974 بدور الزوجة الخائنة «فريدة». لكن هذه الأدوار لم تَرُق لزوجها جلال عيسى، حيث أزعجه ظهورها السينمائي، إلا أنها تمردت على اعتراضه وواصلت العمل الفني، ما أدى إلى تصدع علاقتهما وانفصالهما لاحقاً، لتكرّس حياتها للفن ورعاية طفليها.

قدّمت صفية العمري بعد ذلك العديد من الأدوار السينمائية الناجحة، ورفضت احتكار رمسيس نجيب لموهبتها، فشاركت في أفلام أخرى. فقد جسدت شخصية سعاد في فيلم «أبداً لن أعود» عام 1975، وصفاء في فيلم «لا وقت للدموع» عام 1976، والدكتورة ليلى في فيلم «عذاب امرأة» عام 1977، وميرفت في فيلم «خائفة من شيء ما» عام 1979. وفي العام نفسه، قدّمت دور سوزان، زوجة عميد الأدب العربي طه حسين، في المسلسل التلفزيوني الشهير «الأيام»، وهو الدور الذي أكسبها شهرة واسعة ورسّخ مكانتها بين نجمات جيلها.

واستطاعت العمري أن تحجز لنفسها مكانة أكثر حضوراً وانتشاراً في السينما والفن المصري، وبدأت تقترب من الجمهور بصورة أوضح بعد أدائها دور أنهار السيد متولي في فيلم «على باب الوزير» عام 1982، ثم دور عزيزة في فيلم «أنا اللي قتلت الحنش» عام 1984، إلى جانب النجم عادل إمام. ثم جاء الدور الأبرز في مسيرتها الفنية، والذي عُرفت به وارتبط باسمها، وهو دور نازك هانم السلحدار في المسلسل التلفزيوني الشهير «ليالي الحلمية»، بجميع أجزائه التي امتدت بين عامي 1987 و1995.

وقد تم اختيار صفية العمري سفيرة للنوايا الحسنة للأمم المتحدة في عام 1997، عقب الحرب الأهلية في لبنان، تقديراً لمكانتها الإنسانية والفنية.


پشتيوان عبدالله أحمد: كاتب وناقد فني


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved