كركوكية تجمع بين المحاماة وكرة اليد
كركوكية تجمع بين المحاماة وكرة اليد

في مدينة كركوك، حيث يتناغم الصوت بين نغمات القوانين وأصوات الملاعب، تبرز رسل فيصل الطيار كلاعبة كرة يد تجمع بين الشغف الرياضي والطموح المهني. تبلغ من العمر 27 عاماً، وهي محامية تمارس الرياضة بشغف واضح، وتمكنت من أن تصنع لنفسها حضوراً بارزاً في الملاعب المحلية والعربية، رغم قلة الاهتمام الرسمي بالرياضة النسوية في مدينتها.

ولم تكتفِ رسل بإثبات نفسها في مجال الرياضة بل تحدت الظروف الاجتماعية والصعوبات الميدانية. ورغم التهميش الذي يعاني منه النشاط الرياضي النسوي في مدينتها، استطاعت الطيار أن تشق طريقها نحو التميز، محققة إنجازات لافتة في الملاعب المحلية والعربية. وبينما يظل المجتمع يواجه تحديات في فهم دور المرأة الرياضية، اختارت الطيار أن تكتب قصتها بإرادة حديدية، متحدية كل القيود التي قد تحاول إيقافها.

بدأت مسيرتها الرياضية منذ الصغر، حين كانت تمارس مع والدها ألعاباً متعددة ككرة القدم، والكرة الطائرة، والريشة الطائرة. أما بدايتها مع كرة اليد فجاءت بمحض الصدفة، حين لاحظتها مساعدة مدرب أثناء تدريبها في النادي، فدعتها لتجربة اللعبة، ومنذ تلك اللحظة بدأ الشغف يتجذر في حياتها.

مسيرة بطولية رغم العوائق

شاركت الطيار في ثلاث بطولات محلية، أحرزت المركز الأول في اثنتين منها، والثاني في الثالثة. وعلى الصعيد العربي، مثّلت فريقها في بطولتين خارجيتين؛ كانت الأولى في تونس ضمن بطولة الأندية العربية، إلا أن الفريق غادر من الأدوار الأولى. أما التجربة الثانية فكانت أكثر تميزاً، حين شاركت في بطولة الأندية بالكويت، حيث نال الفريق المركز الثالث. وفي حديث مع مجلة «كوردستان العربي»، تقول رسل: «بطولة الكويت هي الأقرب إلى قلبي، لأنني شاركت فيها رغم الإصابة التي كادت تمنعني، لكني ربطت قدمي حتى أتمكن من اللعب، والجميع أشاد بأدائي المميز».

تلعب الطيار في مركز الارتكاز، أحد أكثر المراكز أهمية في كرة اليد، إذ يتطلب مهارات قيادية عالية وقدرة على التنسيق داخل الفريق. تقول: «قوتي لا تكمن في المهارة الفردية فحسب، بل أيضاً في روح الفريق، لأنه يلعب كجسد وقلب واحد، وهذا التكاتف والتعاون ساعدنا كثيراً على تحقيق الفوز».

شخصية صلبة في وجه التحديات

يصف المراقبون رسل بأنها لاعبة تجمع بين القوة البدنية والتمركز الجيد، وتتمتع بشخصية قوية داخل الملعب، حتى قال عنها أحد الرياضيين إنها «كالجبل الذي لا يجرؤ أحد على تخطيه». لكنها في الوقت نفسه تعاني من إصابات تؤثر على استمراريتها، غير أنها تمتلك قدرة عالية على التحمل والعودة السريعة.

وفي حديثها، تعبر الطيار عن أسفها لضعف الثقافة المجتمعية الداعمة للرياضة النسوية، مشيرة إلى أن الكثير من اللاعبات انسحبن من المشهد بسبب النظرات السلبية والتعليقات المحبطة. وتضيف: «نجاحي تحقق بالاعتماد على الذات، لأنه السبيل الوحيد للاستمرار. لا أنتظر التشجيع من مجتمع لا يشيد بك إلا بعد النجاح، أما قبل ذلك فالعبارات تكون مخيفة ومحطِّمة». 

تعزيز صورة المرأة الرياضية في كركوك

تسعى الطيار إلى تعزيز صورة المرأة الرياضية في كركوك، وتؤمن أن النساء قادرات على كسر الحواجز التقليدية والدفاع عن حقوقهن في الميدان الرياضي. كما تنتقد ضعف التمويل وغياب الدعم المؤسسي، لكنها في الوقت نفسه تبدي تفاؤلاً حيال تطور كرة اليد في المدينة، مشيدة بوجود مدربين أكفاء، ونادٍ خاص بالفتيات يسهم في تأهيل اللاعبات من مختلف الفئات العمرية.

وأشادت الطيار بالدور المميز الذي تؤديه زينب السعدون، رئيسة نادي كركوك، واصفة إياها بأنها من أكثر الشخصيات التزاماً بدعم الرياضة النسوية وتطويرها. لكن العائق الأبرز أمام تقدم الرياضة النسوية في كركوك فهو، كما تقول، «غياب الدعم المالي، الذي يشكل التحدي المشترك لجميع الرياضات». 

الرياضة بوابة للتوازن النفسي

إلى جانب الملاعب، تعمل الطيار محامية، وتؤكد أن الرياضة تساعدها في التخفيف من ضغوط العمل، واصفة إياها بأنها «المتنفس الوحيد، فهي تقلل من حدة التوتر الناتج عن مهنتي». وتُشيد بالدعم العائلي الذي تلقّته، وتوضح أن صديقاتها شكلن جزءاً كبيراً من الدعم النفسي. وتروي موقفاً بأن: «إحدى صديقاتي أرسلت رابط بث مباشر لبطولة الكويت إلى جميع زملائي في المحكمة، وقالت: (قد لا نستطيع دعم رسل ميدانياً، لكننا على الأقل يمكننا زيادة عدد المشاهدات!)، وكانت النتيجة فوزاً مستحقاً وابتسامة لا تُنسى».

تُعد رسل الطيار نموذجاً يُحتذى للمرأة العراقية الطموحة، إذ تمكنت من كسر الصورة النمطية، وتجاوزت العقبات بعقلية قتالية ونضج نفسي واستعداد دائم للتطوير. طموحها لا يتوقف، وهي تضع أهدافاً مدروسة للمستقبل، قائلة: «الأهداف كثيرة، وقد خططت لها جيداً، لكن تحقيقها مرهون بالفرص». 

في رسالتها الأخيرة، تدعو الفتيات إلى عدم الاستسلام للقيود، وتحثهن على السعي وراء أحلامهن رغم المنتقدين، لأن أصواتهم لن تغيّر الطريق، لكنها قد تشتت التركيز.  وتختم بالقول: «على كل فتاة أن تترك لنفسها بصمة، ومجداً يُنسب إليها».


  شنو الداودي: صحفية كوردية من كركوك



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved