المادة 140.. صيغة دستورية متاحة للحل
المادة 140.. صيغة دستورية متاحة للحل
August 11, 2025

المادة الثامنة والخمسون من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية هي التشريع المؤسسي لمرحلة العدالة الانتقالية التي أعقبت سقوط النظام السابق وهي النازعة نحو اتخاذ التدابير اللازمة لرفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق القمعية والمتمثلة في تغيير الوضع السكاني في مناطق معينة في كوردستان، بما فيها كركوك، والمتضمن ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم بإجراءات الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها وتوطين الغرباء محلهم، والمقترن بتغيير القومية.

وينبغي على الحكومة الحالية تصحيح هذا الوضع وإيجاد سبل الحل والمعالجة لأوضاع المقيمين المرحلين والمهجرين والمهاجرين والأفراد المنقولين قسراً إلى أراض ومناطق حددتها السلطات حينذاك، فضلاً عن حرمان السكان من العمل والتوظيف أو من وسائل العيش الكريمة، إضافة إلى القصدية السياسية في التلاعب بالحدود الإدارية للعديد من الوحدات الإدارية.

علق نص المادة المذكورة التسوية النهائية للأراضي المتنازع عليها، بما في ذلك كركوك، إلى حين إكمال الإجراءات المطلوبة وإجراء إحصاء سكاني عادل وشفاف ولحين المصادقة على الدستور الدائم على أن يحل في الاعتبار الأول لهذا الموضوع إرادة سكان تلك الأراضي. 

وضع دستور 2005 موضع التنفيذ بعد عملية الاستفتاء عليه ونشره في الجريدة الرسمية، ومن ضمن الأحكام التي تضمنتها نصوصه ذات العلاقة بهذا الموضوع هو نص المادة 140 منه، التي أوكلت للسلطة التنفيذية مهمة اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال متطلبات المادة الثامنة والخمسين من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية - المستثناة من الإلغاء بموجب حكم المادة 143 من الدستور - والمتمثل في إنجاز المتطلبات الكاملة في: «التطبيع، والإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها في مدة أقصاها الحادي والثلاثين من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة».

مرت هذه السنين تترى من دون أن تبادر السلطة التنفيذية بالقيام بالعمل الموكول إليها باعتبارها صاحبة الولاية في التنفيذ بموجب النص الدستوري. المفارقة أننا وجدنا من يتساءل: من هي السلطة التنفيذية الموكول إليها هذا العمل؟ الجواب هو أن السلطة التنفيذية المقصودة في هذا النص الدستوري هي من تناولتها أحكام الفصل الثاني من الباب الثالث من الدستور، موضوع المواد الدستورية من المادة 66 إلى نهاية نص المادة 86 منه.

لم يكتف البعض بالسؤال عن السلطة التنفيذية المكلفة تنفيذ متطلبات المادة الثامنة والخمسين من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بل إنهم اختلفوا في قراءة المادة 140 من الدستور وذهبوا في اتجاهين:

الاتجاه الأول: القائل إن المدة المذكورة في المادة 140 من الدستور هي مدة تقادم، والتقادم المسقط على وجه التحديد لديهم. وعلى وفق فهمهم هذا للنص الدستوري، فإن صلاحيتها التنظيمية انتهت في نهاية اليوم الأخير من سنة 2007 لأن التقادم أسقطها، والقاعدة الفقهية تقول: «الساقط لا يعود». لذا فإنهم يطلبون عدم تطبيق المادة لانتهاء صلاحيتها ويقترحون السعي إلى حلول بديلة تحل محل المادة المذكورة.

معلوم أن أصحاب هذا الاتجاه يقسمون إلى فئتين: الأولى، وهي الفئة المعبأة بالموروث السياسي للدولة المركزية المستبدة مع العجز المستوطن في نفوسهم الذي يمنعهم من التأقلم مع ثقافة الدولة الفيدرالية، وهم من حيث المبدأ خصوم للمادة 140 من الدستور لكونها تندرج ضمن مفهوم الدولة الاتحادية. والفئة الثانية، وهي فئة مدركة للدولة الاتحادية ومؤيدة لها، إلا أن غلبة الهوية الجزئية لديها ومصالحها السياسية الضيقة تغطى على وعيها الفيدرالي. فهُم، والحالة هذه، يلتقون مع الفئة الأولى من حيث النتيجة.

الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه القائل إن النصوص الدستورية لا تنتهي ومن ثم لا يلحقها التقادم لأنها معززة بأهداف تنتهي صلاحيتها بتحقيق تلك الأهداف، وتدور، وجوداً وعدماً، مع أحكام العدالة الانتقالية التي رسمتها النصوص الدستورية. وأصحاب هذا الاتجاه يقولون: إذا قبلنا بتقادم النص الدستوري، فهذا إقرار منا ببقاء الظلم قائماً، والهجرة القسرية مستمرة، وتوطين الغرباء جائز، وحرمان السكان من العمل باق، والإقرار بعدم تصحيح الأوضاع القومية، وألا أمل بعودة المقيمين إلى منازلهم، وألا تعويضَ لجبر الضرر عما ارتكبه النظام السابق بحق المستهدفين بهذه المادة الدستورية، وأن الحرمان من التوظيف يبقى معلقاً، ولا حقَّ في الهوية والانتماء العرقي، فضلاً عن أن الحدود الإدارية المرسومة قسراً تبقى كما هي، وهذا يعد خروجاً على أحكام الفصل الأول من الباب الثاني من الدستور المتعلق بالحقوق والحريات، فضلاً عن أنه يعد خروجاً على ديباجة الدستور التي تعد جزءاً من الأحكام العامة للدستور.

والرأي لدينا

أولاً: إن المدة المحددة في نهاية المادة 140 من الدستور هي ليست مدة سقوط كما ذهب البعض بل هي من ضمن المدد التنظيمية لورودها في نص الدستور الذي يندرج تحت أحكام القانون العام، والقانون العام هو القانون الذي ينظم العلاقات التي تكون الدولة طرفاً فيها بصفتها صاحبة السيادة وأن قواعده معنية بالقواعد التي تحكم نظام الدولة وإدارة شؤونها العامة المعنية بتأمين الحقوق الأساسية للأفراد وحماية المجتمع من الأفعال المخلة بنظامه الاجتماعي.

ولو سلمنا جدلاً بسقوط هذه المدة واعتبرناها منتهية الصلاحية، فإن هذا يعني تعطيل وظيفة الدولة في تأمين الحقوق والحريات وألزمناها بالكف عن حماية المجتمع وتركنا الحبل على الغارب للعبث بالنظام الاجتماعي. في حين أن مدد السقوط المنتشرة في النظام التشريعي العراقي يغلب عليها القانون الخاص وعلى وجه الخصوص القانون المدني وتحديداً المسؤولية المدنية فيه بشقيها العقدي والتقصيري. فلا يجوز، والحالة هذه، تطبيق أحكام القانون الخاص على النصوص الدستورية لاختلاف وظيفة النصين.

ثانياً: إن النص الدستوري لا يُلغى ولا يعدل ومن ثم لا تنتهي صلاحية نصوصه إلا بالطريقة المنصوص عليها في الدستور ذاته، وهي لزوم تحقق واحدة من الحالتين، الحالة الأولى: هي حكم المادة 142 من الدستور التي أجازت ذلك، والمتضمنة تعديل أو إلغاء النص الدستوري على أن يقترن بالاستفتاء بموافقة أغلبية المصوتين، ولم يرفضه ثلثا المصوتين في ثلاث محافظات أو أكثر. 

والحالة الثانية: هي رفع دعوى أمام المحكمة الاتحادية العليا للطعن في عدم دستورية نص قانون، وأن تكون الدعوى مشتملة على أسبابها وأدلتها الثبوتية للاستجابة للطلب (المادة 93 من الدستور). وعلى وفق هذا الفهم، فلا مساغ قانونياً للقول بسقوط تلك المدة ومن ثم الادعاء بانتهاء صلاحية النص الدستوري لمخالفة الادعاء لنص الدستور.

ثالثا: نصت المادة، موضوع هذه السطور، على أن «تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكافة فقراتها».

إن صياغة هذه الفقرة بالصيغة المبسوطة أعلاه تعني أن السلطة التنفيذية ملزمة بتنفيذ هذا النص الدستوري وليست مخيرة، وعنصر الإلزام هو أن النص الدستوري المذكور مطابق في شروطه وأسبابه للقاعدة الدستورية الآمرة، والقاعدة الدستورية الآمرة تُعرف لدى فقهاء وشراح القانون الدستوري بأنها «قاعدة قانونية لا يجوز مخالفتها أو الاتفاق على ما يخالفها، لأن الاتفاق على ما يخالفها يعد باطلاً وتعتبر ملزمة لجميع الأشخاص والأطراف المعنية». لذا، فالسلطة التنفيذية ملزمة بتنفيذ وتطبيق أحكام هذه المادة إن لم يكن في هذا اليوم ففي اليوم الذي يليه أو بعده قطعاً، وأن تراخي السلطة التنفيذية في التنفيذ يضعها أمام مسؤولية المخل بواجبه.


هادي عزيز علي: قاض وخبير بالقانون الدستوري



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved