الطرق الاستراتيجية تغيّر وجه الحياة في كوردستان
الطرق الاستراتيجية تغيّر وجه الحياة في كوردستان

في قلب جبال كوردستان الشاهقة، حيث تتشابك قصص الزمن مع صمود الإنسان، يجلس مام خضر جندياني (68 عاماً) من قرية خليفان شمال شرقي أربيل، ليروي لمجلة «كوردستان بالعربي» قصة تحوُّلٍ استثنائية عن تطور شبكات الطرق عاشها بأم عينيه على مدى ثلاثة عقود.

«سابقاً كانت الرحلة إلى أربيل بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر»، يقول مام خضر وعيناه تلمعان بذكريات الماضي، «الطرق كانت مجرد مسارات ضيقة ومتعرجة تتخللها منحدرات خطيرة ومنعطفات حادة. كنا نخشى كل منعطف وكل صعود وهبوط، وحوادث انقلاب العربات كانت أمراً شائعاً بسبب ضيق الطريق وصعوبته».

منذ تسعينات القرن الماضي، اعتاد هذا المزارع الكوردي أن يحمل اللبن والعسل ومنتجاته الغذائية الطازجة من قريته إلى أسواق المدينة الصاخبة، في رحلة كانت تستغرق ساعات طويلة وتتطلب جرعة كبيرة من الشجاعة والحذر.

أما اليوم، فالمشهد مختلف تماماً. يتنهد مام خضر براحة وهو يشير بيده إلى الطريق الواسع الذي يمتد أمامه: «الآن، الرحلة التي كانت تستغرق ساعات أصبحت لا تتجاوز الساعة. ورؤية حوادث الانقلاب شبه معدومة، والطريق أصبح آمناً ومريحاً. لقد تغيّرت خارطة الطرق بالكامل، وأصبحت كوردستان اليوم تتمتع ببنية تحتية في الطرق تضاهي الدول المتقدمة».

ثورة في البنية التحتية

قصة مام خضر ليست مجرد حكاية فردية، بل انعكاس حقيقي لتحوُّل جذري شهده إقليم كوردستان العراق في مجال الطرق والبنية التحتية خلال فترة التشكيلة الحكومية التاسعة.

وفقاً لمعلومات دائرة الإعلام والمعلومات التابعة لرئاسة مجلس وزراء كوردستان، أولت الحكومة اهتماماً استثنائياً بإنشاء وتطوير شبكة الطرق بين المدن، بهدف تسهيل تنقل المواطنين والحد من الحوادث المرورية، إضافة إلى دعم القطاعات التجارية والصناعية والسياحية.

ولتحقيق هذا الهدف الطموح، نفذت حكومة الإقليم مئات المشاريع وخصصت مليارات الدنانير لقطاع الطرق والجسور، مما أثمر عن إنجازات ملموسة على أرض الواقع.

أرقام تتحدث عن الإنجاز

تشير الإحصائيات الرسمية التي اطلعت عليها مجلة «كوردستان بالعربي» إلى أن الطرق الجديدة التي تم إنشاؤها خلال فترة التشكيلة الحكومية التاسعة بلغت 585 مشروعاً، 75 منها مشاريع استراتيجية، بتكلفة إجمالية قدرها 930 مليار دينار، وبمسافة إجمالية تبلغ 1363 كيلومتراً.

الطرق الاستراتيجية الرئيسية

من أبرز الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها التشكيلة الحكومية التاسعة على مستوى الطرق الخارجية والجسور:

طريق أربيل – دهوك الاستراتيجي: بطول 86 كيلومتراً وتكلفة 399 مليار دينار، ويُعتبر هذا المشروع شرياناً حيوياً يربط بين أهم محافظتين في الإقليم.

نفق پيرمام: إنجاز هندسي متقدم بطول 2.5 كيلومتر وتكلفة 189 مليار دينار، يخترق الجبال الشاهقة ويختصر المسافات بشكل كبير.

طريق سپيلك - خليفان الاستراتيجي: بطول 8.5 كيلومتر وتكلفة 64 مليار دينار، وهو الطريق الذي يستخدمه مام خضر حالياً في رحلاته اليومية.

جسر الزاب الكبير: بطول 900 متر وتكلفة 43 مليار دينار.

وجسر رانية: بطول 400 متر وتكلفة 12 مليار دينار.

كما شملت المشاريع طريق «كلار – كفري» بطول 25 كيلومتراً وتكلفة 43 مليار دينار، وطريق «باعدري – إيتيت» بطول 26 كيلومتراً وتكلفة 135 مليار دينار.

شبكة الطرق الداخلية

لم تقتصر جهود التطوير على الطرق الاستراتيجية فحسب، بل امتدت لتشمل الطرق الداخلية في المدن. وبلغ عدد مشاريع الطرق الداخلية المنفذة خلال فترة التشكيلة الحكومية التاسعة 1967 مشروعاً، بتكلفة إجمالية قدرها تريليون و863 مليار دينار في جميع مدن إقليم كوردستان.

في أربيل:

- طريق 150 الدائري السريع (أربيل – كوية) بتكلفة 582 ملياراً و100 مليون دينار

- طريق 120 الدائري السريع بتكلفة 127 مليار دينار

- طريق 150 الدائري السريع (بحركة – دهوك) بتكلفة 197 ملياراً و700 مليون دينار

- مشروع ربط طريق دهوك بشارع 120 «شارع كزنة» بتكلفة 9 مليارات دينار

في دهوك:

- المرحلتان الأولى والثانية من مشاريع الجسور والأنفاق في شارع بارزان الرئيسي بطول 6000 متر وتكلفة 33 ملياراً و700 مليون دينار

- عدد من المشاريع المحلية الأخرى بطول 5 كيلومترات وتكلفة 68 ملياراً و100 مليون دينار

في السليمانية:

- شارع 100 متري بتكلفة 428 ملياراً و500 مليون دينار

- تقاطع آرام بتكلفة 10 مليارات و300 مليون دينار

- تقاطع الفاروق بتكلفة 7 مليارات و300 مليون دينار

- تقاطع «والي» بتكلفة 6 مليارات دينار

- تقاطع بختياري بتكلفة 12 ملياراً و900 مليون دينار

- تقاطع «حَپسه‌ خاني نَقیب» بتكلفة 5 مليارات و600 مليون دينار

تطوير هندسة المرور

وفي خطوة مهمة نحو الاعتماد على الخبرات المحلية، تم إسناد أعمال هندسة المرور إلى فرق وزارة الداخلية بدلاً من الشركات الأجنبية. وتمكنت هذه الفرق من رصف 500 كيلومتر من الطرق خلال عامين، بالإضافة إلى تركيب 15 ألف إشارة مرورية وحوالي 40 كيلومتر من الأسوار الحديدية على الطرق.

نتائج ملموسة في السلامة المرورية

أعلن وزير الداخلية في حكومة إقليم كوردستان، ريبَر أحمد، في مؤتمر صحفي تابعته «كوردستان بالعربي»، عن انخفاض كبير في حوادث المرور بفضل تفعيل كاميرات تحديد السرعة والاستثمار في مشاريع الطرق الحديثة.

وأكد الوزير أن نسبة حوادث المرور انخفضت بنسبة 50% بين عامي 2018 و2024، فيما تراجعت أعداد الضحايا الناجمة عن تلك الحوادث بنسبة مذهلة بلغت 63% خلال الفترة ذاتها.

وأشار أحمد إلى أن الحكومة ركزت على رفع معايير السلامة العامة، مما انعكس إيجابياً على مستوى الأمان في الطرقات، مؤكداً أن من أولويات الحكومة لهذا العام إكمال جميع المشاريع القائمة لضمان الاستمرار في تحسين البنية التحتية والسلامة العامة.

طرق تصنع المستقبل

عندما ينظر مام خضر جندياني اليوم إلى الطريق المعبد الذي يصل قريته بأربيل، لا يرى مجرد إسفلت وخرسانة، بل يرى قصة نجاح حقيقية لإقليم استطاع أن يحول أحلام أبنائه إلى واقع ملموس.

هذه الطرق الجديدة لم تكن مجرد مشاريع هندسية، بل كانت استثماراً في المستقبل وفي حياة المواطنين. فبالنسبة لمام خضر، تعني وصولاً أسرع وآمَن إلى الأسواق وضمان بقاء منتجاته طازجة، ووقتاً أكثر مع العائلة، والأهم من ذلك كله، راحة البال والأمان.

إن قصة التطوير في إقليم كوردستان العراق تؤكد أن الطرق ليست مجرد مسارات للعبور، بل شرايين حياة تنبض بالتقدم والازدهار، وجسور تربط بين الحاضر والمستقبل، وبين الأحلام والإنجاز.


رياض الحمداني: صحفي ومؤلف عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved